ثارت ثارئرة المغاربة وانتشرت هموم الأمة كالنار في الهشيم المشبع بالبنزين وأرخت المواقع لائحات المنتقدين للمس بكرامة أهله الأبي. فعلى حافة الدنيا العربية وفي مشرق الأرض عرض فيلم كرتوني كويتي على الملأ، فيلم يرسي أركانه على نوستالجيا المجد المشرقي وليالي الخلافة الأموية والشجاعة العربية.. بسذاجة طفولية مؤثرة تشد الرحال إلى أرض القوط لتحرير الأندلس. كل شعوب الأرض في قفص الأتهام حتى يثبت العكس، لأنها تخشى عودة المجد العربي والشعوب الكولونيالية من أشدها حنقا على تلك الأمجاد، فهاهي فرنسا تستعمرنا وتبث فينا من الشقاق بين الرفاق، فتصدح المنابر العنترية بالأفواه الناقدة يا فرنسا يا أمريكا ... فهم حماة الحمى، المتنورون المعجزون بإلمامهم السياسي والمدركون لخبايا العلاقات الدولية والسابرون لأغوار الغل الأفرنجي ومسعاه لأخضاع أمم تأبى -إلا- الخضوع. يدخل المشاهد المغبون مرحلة الزهو بأمجاده، ثم يطلق زفيرا "وا حسرتاه!" ضاعت الأندلس تلك الجنة المفقودة، أما حان تحريرها؟ وكأن بني قحطان وعدنان هي من تعرضت للغزو أو ما يسمى بالفتوحات، أم تراه الخلط بين شبه الجزيرة الأيبيرية والعربية وظن أن كل أشباه الجزر عدنو-قحطانية؟ حتى ذاك المغربي الذي ينحذر من دافعي بناتهم كجزية لفقر مزمن شديد تجده يرتشف كأس شاي منعنع ويضرب يدا بيد "آه يا زمن.. ليت القرون الوسطى تعود يوما!" ولكن تحبك الرواية وتقع في أذن ضيوف غير مدعويين وتقع عقدة الرواية في غير ما أريد لها، فتعلن حالة الطوارئ ويتوقف البث المدني لتلقى خطابات التحفيز.. "الواقع جاثم على قلوبنا وصداه وراءنا فما لنا إلا الهروب للأمام" أو هكذا خيل لي. في مشارق الأرض ومغاربها تنقر مشاهد الفيديو واقع النخاسة المغربي وتعرية بروتين بارد.. أذكر مشهد منزل في بقاع مراكش يستضيف سائحا -بل صحفيا متنكرا- وهو يضع شروط الدفع السخي: غلام لم يبلغ سن الحلم!. وكأن المدينة سوق نخاسة رائج. تعلم "الباترونة" أن الوجبة سهلة، وما هي إلا هنيهات حتى يدخل الغلام.. يجر خطواته إلى الوراء تحت ردع الغريزة، لكن وكأنه إنسان وئدت انسانيته يفضل البقاء في جبهة الأنحطاط الأنساني مرابطا على قلاع الأفلاس الوطني.. هل يا ترى أن وطن الأخبار السرية والعلنية يجهل ما يحدث في غياهب المجتمعات المهمشة التي تغطى بأصوار إسمنتية؟ لا، بل إن لحم أكتاف كثير منهم من خيرهم.. يمرون بين شبكات الدعارة وينالون قسطهم جزاءا بما كانوا يستصمون. ورصيد الفساد شعب ممتن بعدما حرم وحرم حتى شبع وقال "شوية لعبدو و شوية لربو". هكذا يتقاسمون الحياة من دون قضية ولا دفاع بين العبد والمعبود. شعب إذا أراد أن يبهرك بدأ يذكر بسوابقه العدلية وبفصاحته الخلاعية، ومخزن يسود ويسودها على من لم يسد فمه عن سيل النهي عن المنكر. "بغيتي دير فيها فاهم، إوا وجد راسك للقرعة..". وإن هي إلا هنيهة حتى ظهر فيلم العار تماشيا مع موضة الساعة، وتضع القنوات الأعلامية أوزارها.. ثم تفسح المجال للساسة حماة الكرامة المغربية فيولولون وينددون .. كأنهم كانوا في جزر هاواي أو الربع الخالي، وكأن ذلك لم ينتهي إلى معرفتهم وإدراكهم يوما. فالمغرب الثائر على أفلام كارتونية هو نفسه الذي كرم س.ع. عن فيلم "احكي ياشهرزاد" الذي افتتح به المهرجان الدولي لفيلم "المرأة" بسلا. لكن مغاربة السياسة لم يروا حينها مبررا للتزمت والحرية الفردية والانفتاح على الفن "النسوي". نعم، من حقهم أن ينددوا، نعم من حقهم أن يظهروا بمظهر الحامل لهموم الشعب، فرب حركة إعلامية خير من ألف إنجاز. لكن من حق احترامنا لوعينا وتوجهات المغاربة التقليل من التحاشد مع الحشود.. ومحو رنات قياصرة الكلام لصالح الرصانة وترشيد رأي الأمة إلى ضفه الواد الذي يجر رعيتها. * العنوان مستوحى من كتاب لعبد الله القصيمي والذي يحمل عنوان " العرب ظاهرة صوتية".