في الآونة الأخيرة أشارت فعاليات تشتغل في حقل الأمازيغية إلى التقرير الذي أعده للمغرب لوضعه أمام لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة واستعرض فيه الجهود التي بذلها في موضوع الامازيغية والمنجزات والخطوات التي تم تحقيقها لترسيخ ثقافة نبذ جميع أشكال التمييز العنصري. ويعتبر المغرب عرض هذا التقرير على أنظار هذه اللجنة فرصة للتأكيد على تشبثه بقيم حقوق الإنسان وتمسكه بالعمل المشترك مع الهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان . ويبرز التقرير الذي وضعه المغرب بين أيدي أعضاء اللجنة عمله المتواصل في سبيل تفعيل وإعمال مقتضيات اتفاقية القضاء على الميز العنصري، ويذكر أن هذا التقرير تم إعداده وفق منهجية تشاركية بين مجموعة من الهيئات الحكومية تمثل مختلف القطاعات، وهيئات مدنية تمثل مختلف أطياف جمعيات المجتمع المدني، بالإضافة إلى المؤسسات الوطنية العاملة في مجال حقوق الإنسان خاصة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية . وبخصوص المكون الأمازيغي يمكن في هذا الإطار الرجوع إلى هذا التقرير، حيث يؤكد تقوية اندماج المكون الأمازيغي مع باقي مكونات المجتمع، ويعتبر الشعب المغربي شعبا واحدا بهوية واحدة غنية بروافدها ومكوناتها الثقافية والحضارية: العربية والأمازيغية والأندلسية والأفريقية، الإسلامية والمسيحية واليهودية، والمغرب بلد يعيش الوحدة في إطار التعدد الذي يغني الخصوصية التي تمتزج في دماء المغاربة منذ قرون الأصول العربية والأمازيغية، فهم شعب واحد تتداخل وتترابط أواصره . ويضيف التقرير ذاته أن السياسة التي ينهجها المغرب تجاه الأمازيغية لا تدمج هذه المسألة في إطار مناهضة التمييز العنصري بل في إطار مشروع مجتمع ديمقراطي يقوم على بناء الدولة العصرية القائمة على المساواة والتكافل الاجتماعي والوفاء للروافد الأساسية للهوية الوطنية، هذه السياسة التي تعتز بالأمازيغية كمكون أساسي في الشخصية الوطنية وفي الهوية الثقافية للشعب المغربي، وبالتالي فإن المحافظة والنهوض بها هي مسؤولية وطنية تقع على الجميع وليس مجرد شأن محلي أو جهوي . وأوضح أنه سيكون من الخطأ النظر إلى الأمازيغية على أنها قضية إثنية أو عرقية تخص شعباً أصلياً في بلادنا، بل تعتبر كما قال جلالة الملك في خطاب أجدير «ملك لجميع المغاربة بدون استثناء»، فالمغاربة بمختلف أصولهم شعب واحد يتمتعون بنفس الحقوق ويتحملون نفس الواجبات ويسجل المغرب بكل اعتزاز أن العديد من أبنائه من أصل أمازيغي يساهمون بحنكة ومهنية مشهود لها ووطنية صادقة في تسيير شؤون البلاد من خلال مناصبهم السامية كوزراء وكتاب عامين وأمناء أحزاب وبرلمانيين وضباط سامين في الجيش وسفراء، أو من خلال تسييرهم للنسيج المقاولاتي والنسيج الاقتصادي الوطني . وأشار أنه من هذا المنظور ولتعزيز الأمازيغية كمكون وطني وثقافي واجتماعي تم اتخاذ جملة من التدابير أبرزها إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بتاريخ 17 أكتوبر2001 الذي يعتبر إحداثه خطوة كبرى تكرس الحقوق الثقافية بالمغرب وتدعم التنوع. ويتولى المعهد تعميق البحث في الثقافة الأمازيغية والعمل على إغنائها كمكون أساسي للثقافة الوطنية والتراث الثقافي، ومن مهام هذه المؤسسة: الإسهام في إعداد برامج للتكوين الأساسي والمستمر لفائدة الأطر التربوية المكلفة بتدريس الأمازيغية والموظفين والمستخدمين الذين تقتضي مهنتهم استعمالها وبوجه عام كل من يرغب في تعلمها؛ مساعدة الجامعات على تنظيم المراكز التي تعنى بالبحث والتطوير اللغوي والثقافي الأمازيغي وعلى تكوين المكونين؛ دراسة التعابير الخطية الكفيلة بتسهيل تعليم الأمازيغية عن طريق:إنتاج المواد التعليمية اللازمة لتحقيق هذه الغاية وإعداد معاجم وقواميس متخصصة؛ إعداد خطط عمل بيداغوجية في التعليم العام بانسجام مع السياسة العامة التي تنهجها الدولة في ميدان التربية الوطنية . وأفاد التقرير أنه مباشرة بعد تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تم تبني حرف تيفيناغ الذي قام المعهد بتقعيده وتنميطه ليصبح اسمه بعد ذلك مقروناً بهذه المؤسسة «تيفيناغ ايركام»، وبهذا العمل يكون المغرب قد حسم بكيفية عملية في مسألة كتابة الأمازيغية بحرفها الطبيعي الذي دخل اليوم المجال المعلوماتي من بابه الواسع حيث وافقت المنظمة الدولية للتنميط Unicode-ISO بالإجماع على تبني رموز تيفيناغ ضمن النظام الدولي للأبجديات المقننة . وبهدف إدماج اللغة والثقافة الأمازيغيتين في البرامج والمناهج التعليمية، أكد التقرير أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وقع مع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر اتفاقية شراكة نصت على إحداث لجنة مشتركة للتنسيق والتتبع والتقويم، حيث تم الشروع في تدريس الأمازيغية بموجب هذه الاتفاقية مع بداية العام الدراسي 2003/2004 في حدود 5 في المائة من المؤسسات التعليمية، على أساس أن يسير الإدماج وفق وتيرة متدرجة تتوخى التعميم بصيغتيه الأفقية والعمودية، لتصل خلال العام الدراسي 2006/2007 السنة الرابعة من التعليم الابتدائي بخريطة مدرسية تغطي 30 في المائة من المؤسسات التعليمية . كما تم الشروع منذ منتصف خريف سنة 2003 في إنجاز الأدوات البيداغوجية الخاصة بتدريس اللغة الأمازيغية في السنة الأولى من التعليم الابتدائي بإعداد كراسة «أوال إينو» ، وهي عبارة عن جذاذات تربوية معززة بشريط صوتي يحتوي على جميع النصوص المدرجة في الكراسة المذكورة.، وفي منتصف شهر أبريل من السنة الدراسية 2003/2004 صدر أول كتاب مدرسي للأمازيغية بالمؤسسات العمومية، وبذلك تم تدشين أول مجموعة تربوية رسمية تحت اسم «تيفاوين أتامازيغت» تتضمن كتاب التلميذ والدليل التربوي للأستاذ صدر منها لحد الآن أربع مستويات، وبالموازاة مع الكتاب المدرسي أصدر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مجموعة مهمة من المعينات والمواد التعليمية الضرورية لضمان استغلال ناجع لهذه المجموعة التربوية. وبالنسبة للتعليم العالي فقد تم الشروع في إدراج الدراسات الأمازيغية في إطار الماستر بكلية الآداب بأكادير خلال العام الدراسي 2006/2007 . أما إدماج الأمازيغية في الفضاء الإعلامي قال التقرير إن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية قام بشراكة مع وزارة الاتصال ببلورة استراتيجية تضمن مواكبة إدماج الأمازيغية في النسيج الإعلامي وخاصة في الفضاء السمعي البصري بشراكة مع وزارة الاتصال. ولضمان الحفاظ على الهوية الأمازيغية، ومراعاة لملاحظات لجنة مناهضة التمييز بخصوص المسألة المتعلقة بتدوين الأسماء الشخصية الأمازيغية في سجلات الحالة المدنية، فإن أقسام الحالة المدنية بالجماعات والمقاطعات أصبحت تستجيب لطلبات تسمية الأسماء الأمازيغية، وفي حالة وجود أي خلاف يرفع الأمر إلى اللجنة العليا للحالة المدنية التي تتولى الفصل في الموضوع وقد تلقت هذه اللجنة عدة طلبات ترمي إلى إدراج بعض الأسماء ذات الأصل الأمازيغي لتنظر فيها على ضوء النصوص القانونية المنظمة للحالة المدنية واستناداً إلى مبدأ أساسي هو مبدأ مغربية الاسم في إطار الاعتراف بالهوية المتنوعة للمجتمع المغربي وبالطابع متعدد الروافد للثقافة المغربية قبلت اللجنة العديد من الأسماء ذات الطابع الأمازيغي نذكر منها: أمازيغ، أملال، أوس، إدير، تسنيم، تودلى، تيفاوت، ماسينيسا، ونوميديا .