سعدت قبل أيام بلقاء المجاهد الكبير عبد الحميد مهري حفظه الله على هامش أحد الملتقيات الفكرية بالعاصمة الجزائرية، وانتهزت الفرصة لأسأله عن تفاصيل بعض الأحداث التاريخية الخاصة بجهاد جيش تحرير المغرب العربي وعن بعض رجالاته العظام، و خصّصت بالذكر أبرز مساعدي الأمير عبد الكريم الخطابي الهاشمي الطود وحمادي العزّيز، لعلمي بعلاقة الأستاذ مهري الوثيقة والقديمة بهما، والتي ترجع لما قبل اندلاع الثورة الجزائرية، وشّد ما صعقني الأستاذ بقوله أنه التقى قبل أشهر قليلة أثناء زيارته الأخيرة إلى المغرب بالمجاهد حمادي العزيز الريفي، وقد كنت أحسبه قد أفضى إلى ربه، لفرط الصمت الذي يحيط باسمه وبأخباره، وكيف يلف الصمت رجل كان اسمه يغطي الصفحات الأولى للصحف العالمية الفرنسية خاصة على مدى شهري أفريل وماي 1955 ، إثر حادثة القبض عليه جريحا من قبل القوات الاستعمارية الفرنسية بمنطقة القبائل الجزائرية المنطقة الثالثة عقب اشتباك دامي، وكان حينها المستشار العسكري للولاية بتكليف من أحمد بن بلة، الذي كان العزّيز من مساعديه المقربين في إدخال الأسلحة الى الثوار بالداخل، وفي تدريب كوادر الثورة بالقاهرة ومن أشهرهم الرئيس هواري بومدين.وقد تحدثت وسائل الإعلام الفرنسية طويلا عن إيقاعها بأحد قادة الثورة الكبار وأسمته بالضابط العراقي لكون العزّيز متخرج من الكلية العسكرية الملكية ببغداد، رفقة الشهيد الجزائري محمد إبراهيم القاضي والشهيد حدوا أقشيش والمجاهد الهاشمي الطود حفظه الله بعد مشاركتهم في حرب فلسطين 1948 على جبهة قطاع غزة. وقد حاولت الصحف الاستعمارية الفرنسية يوم ذاك، ومن ورائها شعبة الاستخبارات العسكرية، توريط اسم جماعة الإخوان المسلمين في القضية بحكم مشاركة عناصرها في تسيير معسكرات تدريب المتطوعون من دول المغرب العربي بالقاهرة قبل جفوتهم مع نظام جمال عبد الناصر، و تعرض المجاهد حمادي العزّيز أثناء اعتقاله للتعذيب الشديد والوحشي لستة أسابيع متتالية لإجباره على الاعتراف بأسرار الثورة وخبايا شبكات تهريب الأسلحة حتى أشرف على الهلاك. وزاد ذهولي حين علمت من الأستاذ مهري أن حمادي العزّيز لم تكرمه الدولة الجزائرية المستقلة، ولا المنظمات المدنية والجمعيات التاريخية ذات العلاقة، رغم دوره الكبير قبل اندلاع الثورة وبعدها في مجريات الجهاد الجزائري المبارك، في المقابل تم تكريم من يسمون بأصدقاء الثورة الجزائرية من أبناء الضفة الشمالية للبحر المتوسط في عدة مناسبات، و ألفت عنهم الكتب العديدة وصورت عنهم الأشرطة المديدة، لمساهمتهم في نقل بعض الرسائل، وفي أحسن الأحوال بعض الأموال داخل حقائبهم، حتى يخّيل لنا من فرط التكرار المستمر في التنويه بأدوارهم وتمجيد صنائعهم أنهم سبب استقلال الجزائر واسترجاعها لحريتها. تحية خالصة لهذا البطل الصادق، وقبلة وفاء على جبين هذا المجاهد المتواضع، أزفها إليه وهو بالمغرب الأقصى الذي تنكر له بسبب حساسيات سياسية و جهوية معيبة ترجع لعلاقته الوثيقة بالأميرعبد الكريم الخطابي، و بمغربه الكبير الذي تجاهله بسبب حزازات إقليمية مقيتة، وبوطنه العربي والإسلامي الأكبر الذي نسيه لأنه مشغول بسيرة أبطال الكرة ونجوم هز البطون، وعزائنا أن الله عز وجل لن ينسى عمل المجاهدين الصادقين، وسيجازيهم بأحسن ما عملوا. [email protected]