المغرب يعتبر نفسه غير معني بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    فون دير لاين وبوريل يجددان التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي لفائدة الحفاظ أكثر على علاقاته الوثيقة مع المغرب في جميع مجالات الشراكة    عشرات الوقفات الاحتجاجية بالمدن المغربية رفضا للتطبيع وتنديدا بالجرائم الصهيونية في فلسطين ولبنان    تفاصيل تنظيم مهنة المفوضين القضائيين    صرف معاشات المتقاعدين الجدد بالتعليم    أخنوش يمثل الملك في قمة الفرنكوفونية    إيران: خامنئي يؤكد في خطبة الجمعة أن إسرائيل لن تنتصر قط على حزب الله وحماس    فيلا رئيس الكاف السابق واستدعاء آيت منا .. مرافعات ساخنة في محاكمة الناصري    باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    وزارة الخارجية: المغرب يعتبر نفسه غير معني بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    أساتذة كليات الطب ينددون بحملة السب التي تستهدفهم ويعتبرون تقليص سنوات الدراسة لا يمس جودة التكوين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت        الجمع العادي للمنطقة الصناعية بطنجة برئاسة الشماع يصادق بالإجماع على تقريريه الأدبي والمالي.. وإشادة كبيرة بالعمل المنجز    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    المكتب الشريف للفوسفاط بإفريقيا ومالي يلتزمان بدعم من البنك الدولي بإرساء حلول ملائمة لفلاحة مستدامة    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول        محكمة أوروبية تصدم المغرب بقرار إلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    بعد أيام من لقائه ببوريطة.. دي ميستورا يستأنف مباحثات ملف الصحراء بلقاء مع "البوليساريو" في تندوف    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    ارتفاع طفيف في أسعار النفط في ظل ترقب تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    آسفي: حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    محكمة العدل الأوروبية تصدر قرارا نهائيا بإلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري مع المغرب    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الجيش الإسرائيلي ينذر سكان بلدات في جنوب لبنان بالإخلاء فورا ويقطع الطريق الدولية نحو سوريا    وزير خارجية إيران يصل إلى مطار بيروت    تقدير موقف: انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفكرة طرد البوليساريو "مسارات جيوسياسية وتعقيدات قانونية"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    آسفي.. حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    مشفى القرب بدمنات يواجه أزمة حادة    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    "النملة الانتحارية".. آلية الدفاع الكيميائية في مواجهة خطر الأعداء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في نقد خطاب الاستعلاء الغربي الذي يعتقد أنه سيد الكون
نشر في مرايا برس يوم 24 - 05 - 2010

"كان الخطاب الأوروبي في عصر الأنوار المروج للحرية والمساواة وحقوق الإنسان، أول مغتصب لهذه الحقوق من خلال حملات استعمارية، اتسمت بتبني نزعة ظلامية، لأنها حرمت نفس الحقوق الإنسانية على الشعوب المستعمرة". لم يصدر هذا التقييم على لسان أحد الباحثين العرب أو المسلمين أو العالمثالثيين، وإنما جاء بقلم الباحثة الفرنسية صوفي بسيس في كتابها الرائع الذي يحمل عنوان "الغرب والآخرون: تاريخ سيطرة".
الكتاب قراءة تحليلية رصينة في طبيعة علاقة الغرب مع باقي دول العالم، من خلال الاعتماد على مراجع متنوعة تنور فهم تطور موازين القوى في الحقل السياسي والحقل الاقتصادي وأيضا في طبيعة الخطاب المروج من قبل أهل السياسة والفكر. وما يضفي مصداقية كبيرة على قراءة بسيس، دقة ملاحظاتها من جهة، وتبنيها خيار النقد المزدوج، للممارسات الغربية ذات النزعة الإمبريالية ولإفرازات هذه النزعة، وإن كانت تركز أكثر على نقد النزعة المركزية الأوروبية، مما يجعل الكتاب مادة علمية غنية بالنسبة للقارئ الغربي وقارئ الجنوب على حد سواء، أو "القارئ الشرقي"، إذا استعرنا بعض مصطلحات القاموس الاستشراقي سيء الذكر.
"الغرب والآخرون" قراءة في تاريخ القرون الخمسة الأخيرة، ويبدأ هذا التاريخ، حسب المؤلفة، منذ عام 1492 أي عام "اكتشاف" القارة الأمريكية،، وطرد المسلمين واليهود من إسبانيا، حيث سنشهد آلة طرد المنابع الشرقية وغير المسيحية للحضارة الأوروبية. ففي مطلع القرن الخامس عشر اخترعت إسبانيا منظومة "نقاء الدم"، وسوف تتكلف ازدواجية الانتماء للديانة المسيحية وللعرق في شرعنة غزو أمريكا. قبل أن يليها ظهور الخطاب المعادي للزنوج، أو الخطاب الذي يشرعن بدوره العبودية، وقبل أن تتدخل المنظومة العقلانية من أجل تبرير سمو العرق الأوروبي على العرق الأسود.
نحن أمام "اختزال شديد للعرق الإنساني في هوية أوروبية تقوم على رفض كل هوية تشوه صورة نريدها لنا نحن أهل أوروبا". يحدث هذا في وقت تطلع فيه أوروبا على آفاق جغرافية جديدة وعلى تنوع ثقافي وإنساني غير متجانس مع المعتقدات الأوروبية الراسخة قبل رحلات الغزو والاكتشاف.
لم يسلم عصر الأنوار من النزعة العنصرية البغيضة، بحيث إن الحديث عن عالمية الحقوق الإنسانية كانت تهم فقط الإنسان الأبيض، وتحديدا "الرجل الأبيض"، وسوف تأتي النظرية العلمية التي تتحدث عن سمو هذا الرجل الأوروبي الأبيض من أجل الدفاع عن مصالحه وتغذية شهيته الاستعمارية وهو في كامل قواه العلمية. من أجل جعل العالم أكثر تحضرا، وبالتخلي عن النزعة الإنسانية، أصبح الرجل الأوروبي الأبيض يعتبر نفسه الحارس الخاص لهذه النزعة. ثمة نقد شديد وصريح تمارسه المؤلفة ضد أسطورة "الرجل الأبيض ومهمته الحضارية".
لا تتردد صوفي بسيس في التأكيد على أن قدوم "النزعة النازية" لم يجسد استثناء أو قطيعة عما كان سائدا من قبل، بقدر ما كان استمرارية لنزعة الرجل الأوروبي الأبيض، والذارئع الإيديولوجية كانت بدورها جاهزة، من خلال الانطلاق من مبدإ "الغاية تبرر الوسيلة".
كانت المسألة أكبر بكثير من مجرد الحديث عن "تطهير العرق الآري السامي" أو "تأسيس إنسانية عليا، أو نزعة عرقية، وأنا لا أهدف إلى تمييع الشر كما قد يعتقد البعض"، تضيف بسيس، "بل إن المسألة لم تخرج عن كون هذا الشر كان قائما منذ مدة. ولهذا السبب، لا يصح الحديث عن جرائم ضد الإنسان، وإنما جرائم ضد الإنسان الأبيض".
فيما يتعلق بالمراجعات التاريخية المنددة بالنزعة النازية، والتي تمت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ترى بسيس بأن الوعي الإنساني بفظائع معسكرات الاعتقال الهتلرية، "لازال ناقصا لأن المفروض أن نعيد النظر في عقلية الاستعلاء الأوروبية. ومن الطريف أننا نندد اليوم بالنزعات العرقية والعنصرية للمنظمات النازية أو أحزاب اليمين، ونحن نتجاهل بأن نزعة الاستعلاء ظلت راسخة في اللاوعي الأوروبي وكانت على الخصوص أمرا عاديا من قبل".
لقد ترسخت في الوعي الأوروبي نزعة التفوق والاستعلاء على باقي الشعوب والأمم والثقافات، وهذا يفسر، من وجهة نظر المؤلفة مدى استخفاف المسؤولين الأوروبيين بمطالب الجزائريين والفيتناميين بضرورة الاعتذار عن مجازر سطيف وسايغون في عام 1945. إنه "نقص في الوعي" برأي مسؤولين رسميين. ولا تسلم حتى الأصوات الفكرية المؤيدة لاستقلال المستعمرات من نقد بسيس، مستشهدة في هذا الصدد بإحدى تصريحات الفيلسوف الفرنسي الراحل بول ريكور.
ترى المؤلفة أن الهوية الغربية لا يمكن أن تنفصل عن "ثقافة الاستعلاء"، فلا فرنسا ولا الولايات المتحدة ولا بريطانيا جسّدوا الاستثناء على هذه القاعدة، لأن جميع هذه القوى العظمى تنطلق من هذه الأرضية. "إن الخوف من التخلي عن موقع الهيمنة وهو الموقع الذي أسس طبيعة العلاقة مع العالم أصبح لصيقا بالخوف على الهوية من الاندثار. وخلافا لما أردنا دوما تكريسه كيقين، فإن هذه الثقافة تجسدت عبر أشكال عدة وفي جميع حقب التاريخ. واليوم، ومن خلال الضغط على الجميع من أجل تكريس ثقافة الاختلاف والاعتراف بالآخر، يلجأ الغرب إلى تحديث هذه الثقافة عبر أشكال جديدة من نفي الغير وشيطنته، أو عبر المراوغة والمناورة حول المفاهيم المضللة، من قبيل ابتكار الأوروبيين لمنطق "نحن وهم" كلما تعلق الأمر بالتعامل مع قضايا الأقليات الأجنبية المقيمة في القارة العجوز".
ويبقى الغرب، برأي المؤلفة، مرشحا لأن يهيمن على باقي الشعوب والأمم، وذلك بالرغم من ظهور مراكز قوة جديدة في العالم، مع فارق أن الهيمنة هذه المرة تتخذ أشكالا جديدة ومغايرة عما كانت عليه الأمور من قبل. أما الأمل، عند بسيس، فيكمن في "العولمة البديلة"، التي تفرز بالضرورة نهاية عصر الهيمنة وظهور متعدد لمراكز القوة والقرار، مما سيفضي في نهاية المطاف إلى فقدان الغرب لتفوقه وذبول نزعته المركزية والاستعلائية، ويتجسد ذلك على الخصوص في المظاهرات الشعبية المنددة بالعولمة، والتي، للمفارقة، لا تنظم فقط في الدول العالمثالثية، بل إنها انطلقت أساسا من عقر الغرب ذاته، ويتجسد أيضا في المتغيرات التي مسّت المعيار الأساسي للثراء، بحيث أصبح لصيقا اليوم بمستوى التقدم الصناعي والتقني وليس بالجغرافيا، وخاصة بعد ولوج اليابان ودول جنوب شرق آسيا عالم التكنولوجيا المتقدمة، حيث أدت المعجزة الاقتصادية لليابان والنمور الآسيوية إلى نوع من القطيعة المفاهيمية مع المفاهيم القديمة والمتهالكة المرتبطة بالثراء.
ثمة إذا مجموعة عوامل تترجم تآكل الهيمنة الغربية من خلال تنامي حصة جنوب شرق آسيا والصين في التجارة العالمية، وإذا علمنا أن القارة الأسيوية تستحوذ لوحدها على ما يقرب 30% من الإنتاج العالمي، ونضيف فوق ذلك الخطاب المروج لتصاعد القوة الاقتصادية الصينية خلال السنين والعقود المقبلة، فإن ذلك يؤشر بشكل عملي على تقويض "المركزية الغربية"، وعلى نقد جدي لمنظومة النظام الرأسمالي ومعه الحُلم الليبرالي الذي روّج له فرانسيس فوكوياما، الأمريكي الجنسية والأسيوي الأصل.
كتاب "الغرب والآخرون" يدفع بقرائه إلى عدم التفاؤل كثيرا بخصوص مصير خطاب الاستعلاء الغربي الذي يعتقد أنه سيد الكون والطبيعة وإله البشر، ويحثنا نفس العمل الجاد على تبني خيار النسبية في قراءة نسق فكري قديم، ظل دوما مختلطا مع النظام الطبيعي للأشياء، كما يساهم هذا الكتاب وبشكل موضوعي في زعزعة العديد من القناعات، ولكنه يخدم الإنسان، لأنه ببساطة يساعدنا في هدم المراجع المريحة، ويفتح آفاق المتلقي نحو فضاءات زمنية وجغرافية أوسع.
صوفي بسيس، تذكروا هذا الإسم جيدا، لأنه يستحق ذلك، من جهتنا نحن على الأقل، هذا إذا كنا نطالب الغرب والغير بأن يكون منصفا مع قراءات شرقية وغربية رصينة أبدعت في تمرير خطاب "النقد المزدوج" لأي نزعة مركزية تعتقد أنها تحتكر حقيقة، تبقى في الواقع، أعقد من أن تختزل في فكرانيات دينية ومذهبية وعرقية لا تمثل إلا نفسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.