يعتبر الفقه أحد العناصر المهمة في الحضارة الإسلامية . وقد شهد الدارسون لهذه الحضارة أنها إلى جانب سماتها وخصائصها المتنوعة فهي " حضارة قانونية " لأنها تستند إلى شريعة شاملة تضبط حياة الإنسان بأحكام وآداب مترابطة تصاحبه من الميلاد إلى الوفاة بل وشرعت له قبل أن يولد وبعد أن يموت . والفقه يتميز بالمرونة والقدرة على النماء والتجديد ومواجهة كل طريق وعلاج كل طارئ وهذه المرونة لن تتأتي إلابفعل الإجتهاد والتجديد لاستنباط أحكام لوقائع طارئة وحديثة . وإن كان التجديد والإجتهاد أمران مشروعان بصفة عامة فإن الفقه أولى جوانب الدين بالتجديد . إن التجديد المطلوب في الفقه " هو محاولة تنزيل المعنى المعقول في الواقع بابتكار وسيلة جديدة مناسبة ودفع المعنى إلى أفق جديد . ولن يتأتى شئ من هذا مالم نجزم أن الشريعة والتكاليف الشرعية معقولة المعنى حيث ينصب الجهد على اكتشاف المعنى وضبطه وتحريره " وهذا التجديد يأتي بالتفاعل مع العالم والواقع بقصد تغييره فإننا عندما ندخل الواقع ونتفاعل معه ونفهم شروطه فإننا نقرأ النص من أجل تغيير هذا الواقع بالتالي نصير طرفا فاعلا في معادلة تغييره . من جهة أخرى فإن هذا التجديد هو إعادة التلازم والتكافؤ المقنع للعقل المريح للفطرة بين حالة الوعي والإدراك والمسائل عامة المتوصل إليها باعتماد الوحي . والدارس لمسألة التجديد والإجتهاد من الشريعة سيلاحظ اعتماد العلمية كلها علي أساسين : 1 المسألة ، 2 الأدلة الشرعية . بالتالي غياب عنصر مهم في عملية الإستنباط وهو مرتبط بالعقل والعملية العقلية ألاوهو عنصر : حالة الوعي والإدراك التي يكون عليها الإنسان عند عملية الإستنباط . ويعد الشيخ تقي الدين النبهاني أول من فطن لهذه القضية . وهذه الخاصية بالضبط مدي وعي وإدراك العقل هي نفسها الذي رعاها الحديث المرتبط بالتجديد ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها ) حينما ربط التجديد بالزمان فبتقدم الزمان يتطور وعي وإدراك العقل وتغيير الواقع مما يلزم بإعادة النظر في المسائل انطلاقا من الحالة الوعي الذي يكون عليها الناس . وهذا التجديد يأتي عبر الإجتهاد في الفقه فلا يجب التسليم بفكرة غلق باب الإجتهاد بالتالي نلتزم التقليد في عملية الإستنباط إلى مالانهاية . فإن النصوص في حد ذاتها تتجدد بتجدد الفهم لها وبإعادة القراءة بما ينتجه ومايتيحه كل زمان ومكان من معارف وعلوم واجتهادات . ثم إن هذه الشروط شروط الإجتهاد التي وضعها المتقدمون هي في حد ذاتها اجتهادات فلا يمكن أن نعطيها إهتماما أكثر من اللازم بالتالي نتوقف عند حرفيتها . فإن شروط وأدوات الإجتهاد قد خضعت لتغييرات وتخفيفات مهمة في القرون الماضية ذكرها بتفصيل وافر الدكتور : قطب مصطفي سانو في كتابه " أدوات النظر الإجتهادي المنشود في ضوء الواقع المعاصر " فلايمكن بأي حال من الأحوال تكرار أدوات الإجتهاد التي ذكرها الشافعي وغيره من المتقدمين مادام واقعنا الفكري والإجتماعي والسياسي والعلمي مختلفا عن الواقع الفكري والإجتماعي والسياسي الذي كان سائدا آنذاك . ويعد باب الإجتهاد من أهم الخطوات التي قررها الإسلام للمساعدة على تطوير الفكر وتحريره . وقد حرص مفكروا الإسلام في كل العصور على رشد الحياة وإثرائها وصفاء الفكر الإسلامي وكان لكل واحد منهم منهجه في التجديد والإصلاح وجميعهم متفقون على ضرورة فهم الدين على أنه دين للحياة بكل أبعادها . فالدين فضلا عن كونه عقيدة وشريعة فهو علم ومعرفة وحضارة وثقافة . والتجديد منه يتطلب التشخيص السليم والوقوف على مواطن العلة بهدف تقديم العلاج الصحيح والخروج من أزمة الحضارة للأمة حتى تشارك في صنع التقدم الحضري للبشرية . كلية الشريعة والقانون أكادير [email protected]