حدث يوما أنّ حاكما عربيا و عندما بلغ أرذل العمر , قررّ أن يتوب و أن يعود إلى ربّه , عساه يحشر في زمرة التائبين , فأسبع وضوئه و فرش سجادة في غرفة في قصره العاجي ..فتوجهّ إلى ربّه في لحظة إعتراف بذنوبه وخطاياه , و قال : ربي إني أعترف لك بأنني أقترفت كل الموبقات و الكبائر ما ظهر منها , وما بطن , فقد ظلمت نفسي وظلمت رعيتي إلى أبعد الحدود , أعترف لك أنني لم أترك مكيدة و لا مؤامرة إلاّ ولجأت إليها , مذ كنت ضابطا في المؤسسة العسكرية و أنا أؤذي من كان وطنيا و مخلصا و مؤمنا , فكتبت التقرير تلو التقرير عن هؤلاء جميعا , فسجن من سجن , و ظلم من ظلم و قتل من قتل , و أخفي قسرا من أخفيّ , و كان هدفي من كل ذلك أن أحظى بدعم كبرائي في المؤسسة العسكرية و الجهاز الحاكم , و كنت لكي أترقى وأحصل على رتبة معينة , كنت أسحق هذا , و أدوس على ذلك , و أفتري على أولئك . و أستغللت نفوذي فسرقت وإبتززت و قامرت وزنيت ولطت و إغتصبت , و تحالفت مع المافيا ورجال المال , و نفذّت أقذر المهمات لجهاز الإستخبارات , و كان شرط الترقية أن أكون سيئا و أن أقترف المزيد من السيئات , وقد أفضي بيّ ذلك أن أصبح قريبا من العلبة السوداء و دائرة القرار التي كانت تتحكم بمصائر العباد والبلاد , و هي التي جعلتني رئيسا بدون تفويض من الجماهير . و بين عشية وضحاها أصبحت صانع قرار , ولم يكن ذلك إستنادا إلى ثقافتي , أو علمي أو فكري الحضاري و قدرتي على إدارة الدولة , فأنا أعترف لك بجهلي و جهالتي , و غبائي المفرط , وعدم قدرتي على الكتابة ناهيك عن الإبداع و خلق الأفكار , و إنطبق عليّ ما أورده السلف بئس أمة ولّت أراذلها , فقد كنت من الأرذلين و أسفل منهم بل ومتفوقا عليهم .. وعندما أجلسوني على كرسي الحكم و عرش المملكة , لم يكن هدفي إسعاد الأمة , و إخراجها من مآزقها الإقتصادية و الإجتماعية , و توزيع الثروة توزيعا عادلا على أبناء شعبي , بل قررت أن أسرق و أغتصب شعبي , و أصادر ثرواته لحسابي , و لحساب زوجتي و أولادي و عشيرتي و العلبة السوداء التي أوصلتني إلى السلطة لتعبث هي الأخرى بإسمي بمقدرات الأمة ... أيّ ربي – يقول هذا الحاكم العربي – لقد صيرت ثروات الأمة ثروتي الخاصة , و عبثت بالمقدرات , وجعلت النفط نفطي , و الغاز غازي , و الذهب ذهبي , و الفضة فضتي , و الأراضي الزراعية أراضي , و كنت أخفي على الشعب حقيقة مداخيل الدولة من بيع الطاقة و النفط وبقية الثروات , و تحكمت في المصرف المركزي و السيولة الأجنبية , و كان وزرائي و رجال مخابراتي و أهل المكر من حاشيتي إذا سرقوا أو إغتصبوا الأبكار من الإناث , و صادرو أراضي وبيوت الغير أغض الطرف عن زلاتهم , بل أعطيهم أمرا في الإسترسال في نهبهم و ظلمهم , حتى يزدادوا ولاءا لي , و يبالغوا في حماية عرشي , و كان إذا سرق مواطن كسرة خبز أو كيس سكر , أبعثه إلى السجن بدون محاكمة . لقد أفسدت السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية , فجعلت رجال الدولة فاسدين بإمتياز , وكنت أزني ببعض زوجات وزرائي بعلمهم , و جعلت القضاة يدمنون على الرشوة , فيحاسبون من أريد تصفيته , و يرخون العنان للقططة السمينية التي نهبت أموال المستضعفين , أما رجال التشريع والبرلمان فقد صيرتهم جزءا من أجهزتي الأمنية يصوتون لما آراه حسنا , و ينفذون ما آمر به , يقولون نعم عندما أريد ذلك , و يقولون لا , عندما أريد ذلك أيضا ... أي ربي , بإسم الثورة و العائلة الحاكمة قتلت المبدعين و المعارضين , في داخل الوطن و خارجه , و فرضت حالة الطوارئ , وكممت الأفواه و أغلقت العقول , و أجزت لأبناء الشعب يا ربي أن يسبوّك ويدوسوا على شرعك , لكن يكفي تأوّه واحد ضدي ليأخذ المتأوّه إلى الأرضين السبع , و يخفى إلى أبد الآبدين .. يا ربي , لقد أبحت لرجال مخابراتي أن يغتصبوا النساء الحرائر , و أن يقتلوا بدم بارد من لا يستحق الحياة , فأنا كنت أحيي و أميت كما كان النمرود تماما , و كان أولادي يتاجرون في الممنوعات , و كانت المستوعبات الضخمةتصل على متن البواخر بإسمائهم إلى الموانئ و تدخل بضائعهم إلى أرض الوطن دون أن يتدخل رجال الجمارك .. أعترف لك يا ربي , لقد خصيت المبدعين الحقيقيين , و عينت السكارى و اللصوص في مناصب حساسة , فوزارة الثقافة عينت على رأسها سكيّرا , و وزارة الإقتصاد حشاشا , و عينت على رأس وزارة الدفاع عميلا يتعامل مع قوى غربية ضدّ بلادي , و عينت على رأس وزارة الداخلية رجلا كذابا دجالا قادرا على تلفيق التهم ضد الأبرياء الذين قتلنا منهم مئات الألاف ... أي ربي – يقول الحاكم العربي – سامحني يا ربي , فقد دمرت الشباب , وعهرّت النساء , و نشرت ثقافة الفساد , و فتحت السجون والمعتقلات , و أتحت للمواطن أن ينفتح على العهر الغربي و أفلام الخلاعة , و حولت الجامعات إلى بيوت دعارة , و سمحت لرجال الشرطة بضرب الأطباء و المحامين و الأساتذة , وقد فقرّت المثقفين و أغنيت المطربين و المطربات , و المخنثين و المخنثات , و أمرت بالرذيلة و فتح الحانات و المواخير , و خصصت أماكن للزنا و المتعة الرخيصة , و عاشرت المطربات , و نوّعت في مضاجعة النساء , و كان رجالي يجلبون لي أجمل النساء من بنات الفقراء , و بنيت قصورا تحولت إلى مراتع الفساد , و كلما أصدرت قرارا كنت حريصا على أن لا يكون في مصلحة الشعب , و بدل أن أصادر ممتلكات وزرائي ورجال مخابراتي , فقد رفعت أسعار المواد الغذائية , و وأجبرت الناس على السكن أن في الأكواخ والقبور .. و سمحت لنفسي و لرجال حكمي أن يهربوا أموالهم إلى بنوك أوروبا , و قمنا بإستيراد النساء البيضاوات و الشقراوات والسمروات من بلاد الفرنجة , و كنا نخصصّ لهم عطايا من خزائن الدولة و الشعب .. و أمرنا الشرطة بإذلال الناس وإحتقارهم , في الطرقات و المطارات و المخافر , و السجون و حتى الذين كانوا يؤدون الخدمة العسكرية كنّا نذلهّم تحت عنوان : حبّ الوطن .. و أعترف لك يا ربي – يقول الحاكم العربي – وضعنا كل أوراقنا بيد أمريكا والكيان الإسرائيلي , وتآمرنا على الجار العربي , و هو أيضا تآمر علينا لأنّه من طينتنا وسنخنا , و لا يختلف عنّا قيد أنملة.. أي ربي , أقرب الناس إليّ من صانعي القرار كانوا يتجارون بالمخدرات فنشروها في المدارس والثانويات و الجامعات فأثروا و أصبحوا وكلاء للتجار الكبار في كولومبيا . يا ربي لقد تنصتّنا على مكالمات الناس و عرفنا أسرارهم , و دخلت عيوننا وآذاننا إلى مخادعهم , و راقبنا الجميع , وكنّا ندعم الرذيلة و نقضي على الفضيلة , و نكرسّ العهر و نحارب الطهر , و ننشر ثقافة ولغة الإستعمار , و نردم ثقافة الوطن والقرآن .. يا ربي , لم يتحقق في عهدي شيئ , فالسياسة باتت دجلا , و الإقتصاد تراجع , و الثقافة ماتت , و التنافس الشريف قضي عليه , و بيوت الدعارة أصبحت أكثر عددا من بيوت الثقافة , و الصحة تقهقرت . لقد شطرت المجتمع إلى نصفين , الأول ثري وغني و إلى هذا الشق أنتمي و رجالي , و السواد الأعظم من الناس لا يجدون قوت يومهم , ناهيك عن بيوت كريمة لهم و كتب لأبنائهم وثياب لأطفالهم .. أي ربي , لقد أدمنت الكذب على الشعب المسكين , و الذي كنت أضحك عليه إلى الثمالة , وهو يصفق على ما أقول , و كنت أقول لهم في قلبي : أيها البلهاء الحمقى , أيها المغفلون , لو كنتم تعلمون من أكون لما وليتموني أموركم ... أي ربي , لقد إبتكر رجال مخابراتي كل أنواع التعذيب , و القمع والتعسف , و مارسنا كل ما إبتكرناه على بشر أبرياء أسوياء , و حرمنا الأمهات من أبنائهن , و قتلنا و سفكنا الدماء , و كتمنا الأنفاس ... أي ربي – يقول الحاكم العربي – وووووووووووووووووووووووووووووووووووووو و عندما وصل هذا الحاكم العربي , إلى جملته الأخيرة , أي ربي هل من توبة , سمع مناديا يناديه , لعنة الله عليك , لا توبة لك أيها الفاسق الفاجر ... وهنا عاد الحاكم العربي إلى أصله , وقال : يا من أسموك رباّ سأحاربك مثلما حاربت شعبي .... يحيى أبوزكريا إعلامي ومفكّر جزائري . المحرر: لن يتم نشر أي تعليق يتطرق لشخص يحيى أبوزكريا عوض مناقشة أفكاره بخصوص الموضوع أعلاه