لا أحد في العالم تهتز من رأسه شعرة واحدة إذا هددناه نحن المسلمين بأننا مليار وثلاثمائة مليون مسلم ؛ لأنه يعلم أن هذا العدد الهائل لا تأثير له في القرار العالمي ، ولا هيبة له في المنبر الدولي . نعم هذا هو عددنا ولكننا تحت مائة راية ، وألف رأي ، ومليون توجه ! .. فكيف نريد من العالم أن يصغي لنا ولو دقيقة واحدة ؟! . إن الخلق لا يرهبون إلا القوي ، أما الضعيف فهو أقل وأذل عندهم من أن يعبأوا به ؛ إن سكان نيجيريا أكثر من مائة مليون ، وهي بلد بترولي وزراعي ، ولكنها أصفار على اليسار ، لا تسمن و لا تغني من جوع ، و بالمقابل نجد أن ( إسرائيل ) ذات الثلاثة ملايين نسمة ، والتي نلعنها صباح مساء ، أصبحت تبيع الصواريخ للصين ، وصارت الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط . إنه مرض " الغثائية " لقد حذرنا رسولنا – صلى الله عليه وسلم – من ( الغثائية ) حين قال : ( توشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، قيل : أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله ، قال : بل أنتم يومئذ كثير و لكنكم غثاء كغثاء السيل ، و لينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم ، و ليقذفن في قلوبكم الوهن ، قيل : و ما الوهن يا رسول الله ، قال : حب الدنيا و كراهية الموت ) . الغثائية هي الكثرة الكاثرة مع قلة النفع وانعدام التأثير ، فقد أصبحنا أمة تكاثر ومظاهر على حساب المعاني والحقائق ، فنحن مشغولون بعدد من تخرج لا بعدد من أبدع ، وبعدد من يكتب لا بعدد من يحسن ، وبعدد الأحزاب و الجمعيات و المؤسسات و النوادي الفنية و الرياضية و الملتقيات و المهرجانات و الصحف ، ثم إذا اطلعت على المضمون ؛ تخرج يدك منها بيضاء من غير سوء ، فطر يتكاثر ، لا عين ولا أثر . لقد حرمتنا هذه الغثائية من حسن الإنتاج وروعة الإبداع ، فأصبحنا في المهاترات وفي الجدل العقيم ، والعالم لا يدري بنا ! .. صعد العالم إلى الفضاء الخارجي وأنزل مراكبه على المريخ ، ونحن نصرف الملايير على حفلة غناء و نتباكى على هزيمة فريق ، ونتسلى بقصص ألف ليلة وليلة . وصدق الشاعر حين قال : عدد الحصى والرمل في تعدادنا (...) فإذا حسبت وجدتنا أصفارا! إنه لا مكان في العالم لخامل ، ولا احترام لضعيف ، ولا تكريم لفاشل. إنما المجد للأقوياء ، والعظمة لأهل التضحية ، والسؤدد لمن يطلب العزة ، و لا يبيع كرامته بفلس .