يؤكد الأستاذ التهامي ابريز، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا ورئيس المجلس المحلى للديانة الإسلامية أن الهيئات الإسلامية بالجمهورية حولت قضية احتجاز الصحافيين الفرنسيين من حدث مؤسف إلى تكريس انصهار المسلمين مع القضايا التي تشغل بال وطنهم فرنسا، مشيرا إلى اهتمام وسائل الإعلام الدولية بمواقف الاتحاد المتوازنة. وفي الحوار يلقي التهامي ابريز الضوء على موضوع تكوين الأئمة والإشكالات المرتبطة بطرد بعضهم، وجهود الهيئات الإسلامية في الحفاظ على هوية الأجيال المسلمة، وقضايا أخرى مرتبطة بموضوع الحجاب وبداية تطبيق قانون منع الرموز الدينية في المؤسسات العمومية والتعليمية الفرنسية. بداية نود أن نعرف من هو الأستاذ التهامي ابريز؟ يصعب على الإنسان أن يقدم نفسه ولكن التهامي إبريز يشغل منصب رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا منذ سنة ,1992 أي قرابة 13 سنة، وقبله اشتغلت في مناصب دعوية كثيرة على المستوى المحلي الجهوي، والآن على المستوى الوطني. ويعتبر الاتحاد من المنظمات الأساسية المهمة في فرنسا، ويتمتع بثقل معنوي بفرنسا وله تمثيل في كل مدنها، وهو ممثل أيضا في مجلس الديانة الإسلامية بالدولة نفسها. ونحاول من خلال الاتحاد أن نوجد تصورا لتطبيق الإسلام في مجتمع غير إسلامي، وأفضل مجتمع غير إسلامي بدل مصطلحات أخرى، نأخذ من الدين ما هو ثابت وما هو متغير، ونأخذ خصوصيات البلد الذي نقيم فيه بعين الاعتبار بالعمل في إطار مقوماته وثوابته، ولسنا بصدد تعريض وتقويض مقومات فرنسا مثل العلمانية وغير ذلك، وهذه باختصار رسالة الاتحاد في هذا البلد. ويعرف الاتحاد إقبالا كبيرا في أوساط الجالية الإسلامية، وبدون مبالغة، أقول إن كل بيوت المسلمين بفرنسا تعرف الاتحاد، وننظم مؤتمرا سنويا يشارك فيه 120 ألف مشارك ويدوم أربعة أيام، وننتج رزنامة للصلاة للمسلمين، وكل سنة نضيف عشرة آلاف نسخة، وهو معروف عند الجالية الإسلامية بفرنسا باستقلاليته على البلدان الأصلية وعلى الحكومة والنظام الفرنسيين، وقد رفعنا في هذا الصدد شعار: تعاون لا تبعية، نتعامل مع الدولة وفق وجهة نظر واضحة، لا تبعية أتوماتيكية ولا معارضة أوتوماتيكية، وكل الوزارات التي تعاملنا معها أشادت بالاتحاد، خصوصا السيد نكولا ساركوزي، الذي أشاد بآراء الاتحاد ومواقفه، باعتباره محاورا يعتمد عليه نظرا لبعده عن التهور، وفي الوقت نفسه نلتزم بالدفاع عن المسلمين بفرنسا بوضوح، ونحاول التوصل إلى توافق، وإذا رفضنا الرأي الآخر لا نفرض رأينا للوصول إلى صيغ توافقية ترضي الجميع.
ولكن ما هو الفرق بين اتحاد المنظمات الإسلامية ومجلس الديانة الإسلامية بفرنسا باعتباركم رئيسا للمجلس الجهوي للديانة ورئيسا للاتحاد؟ مجلس الديانة الإسلامية له وظيفة تمثيلية، فهو الذي يمثل الجالية الإسلامية لدى السلطات، أما الاتحاد فله وظيفة تأطيرية، إذ يقدم خدمات تربوية ودعوية وإنسانية إغاثية في قطاع الشباب والأطفال والنساء، وتهيئة الأطر وتخريج الأئمة عبر معاهد تسهر على تكوينهم، لأننا نعتبر أن تجارب تطبيق الإسلام عديدة في العالم، فأوروبا لها الحق أن تكون لها تجربة في تطبيقه، فتجربة المغاربة في تطبيق الإسلام تختلف عن طريقة السعوديين والمصريين والإيرانيين والباكستانيين. ونحن كمواطنين فرنسيين لنا الحق أيضا في تطبيق الإسلام، لا نختلف في الجوهر، ولكن في الأمور التفصيلية والثانوية، إذ يمكن أن يكون للثقافة دور في الفهم والتطبيق، وقلنا إن الإسلام في فرنسا يجب أن يتحرر من ثلاثة أمور: من التأويلات غير المتناسبة مع البيئة الأوروبية. ومن التقاليد التي تعوق الاندماج، أما التي لا تعوقه فيمكن للإنسان أن يحافظ عليها. والثالث التحرر من التبعية للخارج، والتوجيهات التي تملى على المسلمين أساليب وطرق التعايش تصطدم مع البيئة، وهذا لا يعني قطع الصلة مع بلداننا الأصلية، بل لا بد أن تكون لنا مشاريع تنموية وإنسانية إغاثية بها، وبالمقابل فلا بد أن نفكر أن هناك جيلا يولد وصلته بأمته فرنسا قوية، ونريد أن ينشأ على حب بلده والوفاء لوطنه، ولا نريد أناسا استغلاليين انتهازيين كما يقول المثل "يأكلون الغلة ويسبون الملة"، بل أوفياء لوطنهم كما يأمر الله تعالى وديننا، وأن تتجذر هذه الهوية الإسلامية مع الهوية الوطنية الفرنسية، التي تقبل التعددية كما يقال وكما سمعنا ويذكر لنا وهذا امتحان لهم ليقبلوا الهوية الإسلامية التي اعتبرها رافاران عند لقائنا معه المكون الإسلامي لفرنسا، ونريد أن يظهر هذا على تدين المسلمين ليتم تعزيز قواعد الأمن والاستقرار بهذا البلد، وأن نجمع بين الوفاء للدين والوطن، وهذا شيء ليس بالصعب ولا بالمستحيل. كيف أصبحت صورة المسلمين ومن يمثلهم بعد احتجاز الصحافيين الفرنسيين بالعراق؟ حقيقة كان الحدث باعثا على الخوف والارتباك بالنسبة للمسلمين خاصة بفرنسا، ولكن استطاع المسلمون وممثلوهم أن يحولوه من حدث مؤسف إلى حدث يصب في مصلحتهم بإعطاء صورة مفادها أن المسلمين جزء من فرنسا ومتعلقون بالجمهورية، فما يحزنها يحزنهم وما يفرح فرنسا يفرحهم، ورفضوا المساومة الخارجية، وتأكد من موقفهم في شأن الرهائن أن الدين الإسلامي يدعو أصحابه ليكونوا أوفياء لوطنهم. وكيف كان رد وسائل الإعلام الفرنسية مع هذا الموقف؟ بعض الوسائل الإعلامية حيت الموقف، ولكن بعضها الآخر استحضر الحسابات المتوجسة بالقول إن الموقف نابع من إرادة تحسين الصورة وتدارك الموقف بشأن الحجاب، لكننا رفضنا المساومة بقضية الحجاب، كما رفضنا الاستهانة بأمور المسلمين هنا بفرنسا، فآخر قرار لمجلس الدولة بشأن الحجاب كان في مارس من سنة 2004 وهو يقر أن المنع ليس تاما أو مطلقا بالسماح للحجاب الخفيف، والقاضي سيقف بالمرصاد لكل من يريد تأويل القانون بطريقة متعسفة. وبعض المؤسسسات التعليمية استغلت القانون مع ظروف اختطاف الصحافيين، مما جعلنا في وضع لا نستطيع فيه التنديد والكلام في الموضوع، وننتظر فرصة الإفراج عن الرهائن لنتحرك ونتحدث مع المسؤولين وسنلتجئ إلى القضاء، فنحن نفضل المفاوضات على المظاهرات التي تعطي نتائج عكسية، ولكن تبقى الأولوية لدينا الآن هي إطلاق الرهائن المحتجزين. من خلال الاطلاع على الصحافة تبين أن الدخول المدرسي بفرنسا مر بهدوء، ما مرد هذا الهدوء؟ لقد حاولنا التغاضي عن بعض الحالات الشاذة في التعامل مع موضوع الحجاب، وبالمناسبة وبدون افتخار أذكر أن أكثر من مائتي وسيلة إعلامية من قناة وجريدة ومجلة أولت اهتماما لتحركات المسلمين في تعاملنا مع القضايا الطارئة، وخصصت جرائد مثل الباييس الإسبانية والفرنسية مثل لوفيغارو ولوموند والباريزيان موادا توضح مواقفنا، ومواقفنا المتزنة التي لا تدعو للتهور أو المغامرة أغاظت حسادنا. قامت السلطات الفرنسية بطرد بعض الأئمة وتقديم مشروع لتكوين البعض الآخر، هل هذا التكوين يتم بالتنسيق معكم أو أن مشروعكم مستقل عنه؟ لقد صرحت لصحيفة لوباريزيان بخصوص قرار طرد الأئمة، الذي أثار ضجة في فترة تولي دوفيلبان لوزارة الداخلية، بأنها عملية استعراضية أكثر منها مصلحية، وقلنا من جهتنا إن تكوين الأئمة ليس شغل الدولة، باعتبار العلمانية مبدأ يمنع الدولة من تكوين الأئمة، لكن من حقها أن تنظر ما يقال في المساجد، وخطتنا التي نشتغل عليها تتوجه بسياسة لا لتسييس المساجد، الذي رفعه الشيخ نحناح رحمه الله، ونريد للمساجد ألا تتعرض للأشخاص والهيئات وقيم الجمهورية ولا للأقطار والبلدان، وأن يخصص المنبر لتوجيه رسالة تربوية حول المسؤولية وحب الخير للناس، والوفاء مع المجتمع والتعايش... لكن بعض الأئمة يتركون هذه المواضيع، ويتناولون مواضيع التشنيع والتشهير بالدول والأنظمة، وعدد هؤلاء والحمد لله قليل، وغالب الأئمة أناس مسؤولون، يشعرون أن لهم رسالة ويتكلمون اللغة الفرنسية، أما الذين لا يتكلمون الفرنسية فهم الذين يدخلون عن طريق التأشيرات من الجزائر وتركيا، أما المغاربة فلا يطلبون هذا. وعليه نريد أن نحدد فلسفة وسياسة لهذا التكوين وألا يملى علينا، أو أن تتدخل الدولة في هذا الموضوع لتوجيهنا بطريقة من الطرق، ولا يمكن لمجلس الدولة الفرنسي أن يجعل من شغله تكوين الأئمة، وشغله يكمن في تحديد نوع من الشروط لمنح الرخص للمعاهد لتكوين الأئمة مثل تعليم التعددية الفقهية، وتعليم اللغة الفرنسية وتاريخ فرنسا وتاريخ العلمانية الفرنسية، وليس العلمانية الإديولوجية وإنما العلمانية القانونية المحددة بنصوص قانونية، وهذه الأخيرة ليست معادية للدين الإسلامي، والدليل على ذلك أن مجلس الدولة مازال يقول إنه من حق البنات لبس الحجاب في المدارس رغم صدور القانون حوله. ولكل بلد ثوابت، كما أن المغرب له ثوابت مثل الملكية والإسلام، فالعلمانية من ثوابت فرنسا ونحن كجمعية لها رسالة تربوية نريد أن نعطي صورة للمجتمع، وأن المسلم إذا تدين فهو ليس خطرا على المجتمع، بل سيساهم في الاستقرار ويكون نافعا لأمته الفرنسية، قبل الإسلامية. على ضوء المفهوم الجديد للعلمانية، الذي أوضحتم الأستاذ أبريز، نرى أن فرنسا أقدمت في إطار هذا المبدإ على منع الحجاب، كيف توفقون بين الأمرين؟ ما لم يتم توضيحه أن موضوع الحجاب طرح في وقت خطت فيه فرنسا خطوات جبارة في الاعتراف بالإسلام، أما الجهات المناهضة والمناوئة التي لم تعجبها فكرة الاعتراف بالإسلام في البيئة الفرنسية فقد طرحت قضية الحجاب، ورسالتهم من أجل ذلك أن الإسلام لا يمكن أن يتلاءم مع البيئة الفرنسية ليبقى المسلمون جزء غريبا في هذا الواقع، فحصلت الضجة المفتعلة، وتم تهويلها أكثر من اللازم. وقد قلت مرارا إن فرنسا قبلت بناء المساجد، فكيف يضيق صدرها بقماش على الرأس، فليس لباس قماش هو الذي يهدد فرنسا، كما أن القانون لا يمنع كل الألبسة وأنواع الحجاب، ولكن يمنع الرموز الصارخة، ومن هنا طلبنا من البنات التكيف مع الوضع الجديد واحترام القانون، وأن يلبسن حجابا صغيرا متسترا. (مقاطعا) هل هناك حجاب صغير؟ نعم هناك حجاب وكبير، وهذا لا يعني أنه سيقبل ولو كان صغيرا، لأن هناك إرادة لدى بعض مدراء المدارس لاستغلال هذا القانون لمنع كل الألبسة. وقد كتبنا رسالة في الاتحاد تنطلق من اعتبارات أساسية بخصوص الموضوع منها: أننا طلبنا من مجلس الديانة الإسلامية كتابة رسالة للجالية الإسلامية يحدد لها الفهم الصحيح للقانون، لأن الناس يتناقلون أخبارا ليست صحيحة. وعلمنا أن كثيرا من الحركات وبمناسبة الدخول المدرسي يغلب عليها التهور، ونريد أن نعطي جدية للموضوع، إذ تطلب هذه الحركات من الأولاد الحضور إلى المدارس بالقبعة البيضاء لابسين الحجاب مثل الفتيات. ومن هذه الحركات من يطلب من البنات لبس الحجاب الصارخ أو الخمار المغطي للوجه، ومنها من يطلب منهن البقاء في البيوت أو يأتين بالحجاب إلى باب المدرسة ثم ينزعنه، وعند الدخول يقلن "فرنسا تضطهد التلميذات المسلمات". وعلمنا أن مدراء بعض المؤسسات التعليمية يستغلون القانون لمنع كل أغطية الرأس، ونحن في الاتحاد ذكرنا بمسألة، وهي أن القانون استعمل لفظ صارخ وليس بارز، لأن المجلس الدستوري قال >لو استعملتم لفظ بارز سيكون مخالفا للدستور، والحجاب فيه أنواع، واللفظ دقيق في التحديد، لأنه يمكن أن تلبس لباسا عصريا بدون جلباب ويعد حجابا، وليس فقط مترا من القماش على اليمين ومترا على اليسار وعلى الأمام. وطلبنا من البنات استعمال الحجاب على طبقتين، الأولى هي تغطية الرأس والثانية العنق، وإذا سئلن عن هذا، قلن لأسباب أخرى وليس لأسباب دينية، مع العلم أن الأسباب الدينية العلمانية تعطي الحق للبنات والأولاد ليعبرون عن هويتهم الدينية وهذه معركة أخرى. فالبعض يستغل القانون لمنع كل أغطية الرأس، وهناك بعض المدارس تمنع الرموز البارزة، بينما القانون يمنع الرموز الصارخة، ومجلس الدولة في قراره حذر المؤسسة التعليمية من استغلال القانون لمنع كل الأغطية، والمنع ليس عاما ولا مطلقا، وإنما يشمل الرموز الصارخة، وسنحاول التدخل بالوساطة عند حدوث مشكل، وبعض المدارس في باريس سمحت في قانونها الداخلي بلبس الألبسة الخفيفة على الرأس. ماذا أعد اتحاد المنظمات الإسلامية لحفظ هوية الأجيال المسلمة داخل المجتمع الفرنسي؟ والله أخي، نحن منذ عشرين سنة من العمل توصلنا إلى نتيجتين كبيرتين: وجود إقبال مفلت لدى أبناء المسلمين على الإسلام، وهذا ما يفرض علينا توجيهه التوجه الديني الصحيح، الذي يدعو كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: >المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"، أي ليس بالتدين المتزمت والمنغلق ولا التدين الرافض للغير أو الذي يدعو إلى البطالة والكسل وترك روح المسؤولية وروح الاندماج والتفوق في العمل، إذ لا يمكن أن ننعزل ويكون لنا تأثير. الأمر الثاني هو تقبل المجتمع الفرنسي للظاهرة الإسلامية وللوجود الإسلامي، ونريد من جهتنا أن نطمئنهم، ونقول لهم هؤلاء أبناؤكم ونريد أن يكونوا مواطنين صالحين يمرون عبر الدين إلى المواطنة الصالحة، والمسلم الصالح لا يكون إلا مواطنا صالحا يبني وطنه ويريد الخير له. ومن هنا كنا مقبولين عند السلطة الفرنسية، فنحن نقبل بالإسلام بما يقبله الشرع في مختلف مدارسه، ولا نريد أن يسن قانون خاص يسلب المسلمين حقوقهم. وأقول للحقيقة إننا لسنا لوحدنا الذين ساهمنا في هذه النهضة، فغيرنا أيضا، وربما نحن أكثر وجودا وتأثيرا، كما أن خطابنا أكثر وضوحا، ونحن نحاول أن نجمع بين مصلحة البلد ومصلحة الشريعة الإسلامية، أي أن أكون وفيا لديني ولوطني، وليس اعتبارهما طرفي معادلة متناقضين، وكل رأي نصدره يقول جل المسلمين إننا لا نداهن السلطات الفرنسية، ولا نتهور في الوقت نفسه لنستدر عطف المسلمين، بل نوفق، وهكذا انتقلنا من مساجد تحت الأرض، والآن أخرجناها إلى فوق الأرض، أي من السرية إلى العلانية، والمسؤولون بالبلديات يتسابقون الآن على المسلمين ليعطوهم أرضا لبناء المساجد، أما موضوع الحجاب فلا يجب أن يحجب المكاسب المحققة للإسلام والمسلمين. والأمر الثاني أننا دخلنا في تأسيس المساجد الكبيرة العظيمة ذات الرسالة التربوية الدعوية الحضارية والثقافية، أي ليس مسجدا نصلي فيه وننصرف، بل مسجدا ذا رسالة ويتوفر على مركز ييسر الحوار مع الشباب وتعريف الإسلام لغير المسلمين. والثالث أن كثيرا من المبادرات اتخذت، ورب ضارة نافعة، مثل بناء المدارس الإسلامية الخاصة، فهذا التفاعل مع موضوع الحجاب، كنا نتمنى أن يكون تطورا طبيعيا وليس ردة فعل، وهناك أكثر من مبادرة ونحن متوجهون بتوفيق من الله تعالى. (مقاطعا)، وهل ستستفيد هذه المدارس من المعونات الممنوحة من لدن الدولة؟ نعم ستستفيد بتوفرها على شروط ذلك رغم وجود صعوبات، فهناك قضاء في فرنسا، وهو أن السلطة الإدارية إذا منعتك التجأت إلى القضاء، وقد استفادت المدارس اليهودية من هذه المعونات، لأن لها سابقة تاريخية، ومن شروط الاستفادة من المعونة العمومية التوفر على أقدمية خمس سنوات، بعد تفتيش الأمور البيداغوجية والمادية والسلامة، وبعد ذلك ستتم الموافقة على منح المساعدة. والموضوع الرابع يهم مجال الأوقاف، فنحن نعمل حاليا على نشر فضيلة الوقف ولو كان صغيرا، ونعرف أن إضافة الأشياء الصغيرة إلى أختها بشكل مستمر ولمدة عشرين سنة أو ثلاثين سنة بإذن الله سيمكن من الوصول إلى وقف يسهل فتح المدارس والمساجد والأندية وتنظيم المخيمات. والخامس وهو موضوع الإعلام، فلدينا نقص كبير وفادح في هذا الجانب، ولا نملك جرائد تتوجه إلى الجالية الإسلامية والرأي العام، رغم وجود محاولات بسيطة وضعيفة لا ترتقي إلى المستوى المطلوب، وهذا ما سيتطلب منا جهدا كبيرا لإصدار مجلة أو جريدة تنور الرأي العام وتطرح وجهة نظرنا وتجيب على الإشكالات والشبهات، وهذا يمكن أن يرى النور، ولكن يجب أن لا نفقد خطنا، وتأتي قضايا ثانوية فتربكنا وتحول مسارنا عن الطريق الذي حددناه. ففي فرنسا تم التوصل إلى أنه لا يمكن إلا التعامل مع الظاهرة الإسلامية، ولا يمكن تجاهلها، وعلينا واجب تحصين أبنائنا من التيارات المنحرفة الضالة والمتطرفة بلا إفراط ولا تفريط، ولا تسيب ولا تشدد، ونقول لفرنسا هؤلاء أبناؤك لخدمة فرنسا مثل ما فعل أجدادهم للدفاع عن التراب الفرنسي. انتشرت في الآونة الأخيرة موجة اللاسامية، كيف تعامل معها الاتحاد؟ موجة اللاسامية موجة مفتعلة، وكثير من الأصوات الشجاعة قالت هذا الكلام، ومنهم الكاتب إدغار موران، الفيلسوف من أصل يهودي، فقد كتب مقالا عندما رأى إطناب الفرنسيين في مدح إسرائيل وقال >هؤلاء كمموا أفواهنا، وانتقلوا من اللاسامية إلى اللايهودية ثم إلى اللاإسرائيلية. وقلت شخصيا لأحد اليهود في أحد البرامج الإذاعية، إن المسلمين ليس لهم عداء مع اليهود، لأن القرآن الكريم قال لنا ليسوا سواء، وأنصف بعض الناس، وأضفت مخاطبا إياه: إن عليكم أيها اليهود أن تنظروا إلى ثلاثة أشياء، وأعتقد أن احترامها سيخرجنا من هذه اللاسامية: فأنتم تخلطون في الأمر، وعليكم بالتوقف عن أن تكونوا مراسلي إسرائيل بفرنسا، والاحتفال بالعسكر الإسرائيلي، الذي يقتل الفلسطينيين، فكيف يعقل أن أبناء المسلمين سيفرحون بما تفعلونه بأبناء الفلسطينيين، والأئمة يقولون إنه لا يجب الاعتداء على اليهود أو المسيحيين أو كنائسهم ولا معابدهم. والثاني أن تتوقفوا عن السخرية من تطبيق المسلمين لدينهم، لأن رئيس الكريف (مجلس لليهود في فرنسا) كم مرة سخر من لبس الحجاب، وهل يمكن أن نسخر نحن أيضا من الكيبا اليهودية؟! والأمر الثالث أن تتوقفوا عن توجيه الاتهام للمسلمين عن قتل أي يهودي بشكل أتوماتيكي. واليهود يريدون إخفاء حقيقة أن غالبية الفرنسيين لهم موقف سلبي من إسرائيل، ويريدون إخفاء هذا والتشهير بلاسامية المسلمين، وقد قال رئيس الكريف لصحيفة لوفيغارو في يوليوز المنصرم: أستغرب أن الرأي الفرنسي غير مبال بالموضوع وأحذرهم أن لاسامية المسلمين ستنالهم أيضا. وقد حللت ليبراسيون موقف الفرنسيين قائلة إن 70 بالمائة يعتقدون أن الإسرائيليين عدوانيون، ليس لهم نية صادقة في موضوع السلام. لقد كانشارون خسارة كبيرة على إسرائيل وما زرعته إسرائيل مدة 50 سنة حطمه. هل تنسقون في عملكم مع الجمعيات الإسلامية الأخرى العاملة في أوروبا؟ نحن أعضاء في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا وننسق في مجال الفهم والخطاب، نريد ألا نتعارض في فهمنا للإسلام، كما نريد أن ننسجم في خطابنا، لأنه من هنا يؤتى الشباب، فكثير منهم صادقون ولكن فهمهم ليس دقيقا، وما نركز عليه هو أن نكون جزء صالحا من البيئة الأوروبية، ونحافظ على ديننا وعلى الثوابت بما يسمح به القانون، وألا نطوع القانون لصالحنا. فلدينا قضايا ثلاثة لا دخل للمحيط والمجتمع فيها، وهي الجانب الاعتقادي والعبادات، والكبائر، فالله تعالى حرم اللواط حرمة ثابتة. أما المعاملات فنقول للمسلمين >تفاهموا بينكم قبل أن تتفاهم عليكم قوانين البلاد<، ويدخل في المعاملات نظام العلاقات، فإذا تشاجر مغربي مع إسباني أو إيطالي وذهبا إلى المحكمة المغربية، فسيطبق عليهما القانون المغربي ولا يسأل أي منهما عن جنسيته، فكل مجتمع لديه قانون يسري على الجميع. كلمة أخيرة؟ نحن في البيئات الأوروبية والفرنسية خاصة، يجب في عودتنا إلى الإسلام أن نتفهم الظروف التاريخية لتلك البلدان، وأن نحاول أن نطبق ديننا برفق ونتجنب تشنيج الآخرين، فالقوانين من حيث محتواها لا يمكن أن يؤخذ عليها مأخذ. والثاني أن نتواصل مع المجتمع، ولا يمكن الحكم على الفرنسيين بأنهم معادون للإسلام، ولكن إذا تحركت وتكلمت فهمك الآخر، أما إذا بقيت كتلة لوحدك فسيتخوف منك. وعلينا أن نكف عن ترديد المقولات المتكررة ونخضعها للنقد مثل مقولة >الكفر ملة واحدة<، فهذه مقولة غير صحيحة، والفرنسيون كلما أحسنّا معهم وجدناهم متسامحين. وفي فرنسا نجد عددا كثيرا من المساجد وفي رمضان تمتد أفواج المصلين إلى الشارع ، حيث يصبح عددهم أكثر ثلاث إلى أربع مرات من عدد المصلين في المسجد، وكل هذا حتى والمطر ينزل، كما أن عمدات المدن يمنحون قاعات للمسلمين لصلاة العيد تضم 10 آلاف فرد أو 20 ألفا، وصدقني: لو كنا في بلد من بلداننا التي تقول إن دينها الرسمي الإسلام لما تيسر هذا، وعليه يجب أن نفهم ونتفهم، والآن الأبناء المولودون هناك بفرنسا لا يعانون من عقدة الأجنبي، ولكن المفروض >بارد وسخون أمولاي يعقوب< كما يقول المغاربة في مثلهم العامي، وإذا نجحنا في تحقيق الاستئناس بنا داخل فرنسا وأوروبا، فهذا مكسب كبير إن شاء الله تعالى والسلام عليكم. حاوره: عبدلاوي لخلافة/حسن صابر