لم يكن المغرب هو المنتصر في الانتخابات الثانية للمجلس الفرنسي للدين الإسلامي التي جرت يوم الأحد 19 يونيو ,2005 ولم تكن الجزائر ولا غيرها هي الخاسرة، بل المنتصر هم جموع المسلمين ببلاد العلمانية والجمهورية الذي شاركوا بكثافة في تلك الانتخابات بنسبة وصلت إلى 85 بالمئة. نسبة جعلت وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، الرجل الذي ساهم بفعالية في ظهور المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عام ,2003 يعبر عن سروره بالحدث لدرجة وصفه له بالحشد العظيم. ولم يكن الفائز هو الإسلام المعتدل ولا الإسلام القنصلي، ضدا على الإسلام المتطرف، بل كان الفائز هو الإسلام الفرنسي أو الإسلام الأوروبي، والخاسرون هم المتربصون بالإسلام في بلاد العلمانيات والمسيحيات والحداثيات. وباختصار ليس هناك خاسرون. لا يوجد إلا مسلمون فائزون كما قال مراد الزفراوي رأس اللائحة المستقلة. وبالنظر إلى الظروف الدولية والإقليمية والفرنسية، يصبح إجراء الانتخابات بتلك النسبة العالية والنجاح فيها استمرارا لمؤسسة قانونية دينية تمثل مسلمي فرنسا، وهي المؤسسة الفريدة في أوروبا رغم حداثة سنها، كما يعتبر حدثا ذا أهمية كبيرة جدا، بحيث سقط في أيدي الذين كانوا يراهنون على انفجار هذه المؤسسة الفتية بسبب خلافات داخلية، وبذلك تعتبر هذه الانتخابات ونتائجها رسالة أخرى تضاف إلى رسائل سبقت في هذا السياق منها نجاح المؤتمر السنوي الموحد لمسلمي فرنسا في شهر أبريل ,2005 وتراجع فؤاد العلوي وفتيحة أجبلي عن تجميدهما لعضويتما في المجلس بعد حل الخلافات. الفوز المغربي الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام شيء طبيعي بالنظر إلى أن الجالية المغربية تعتبر أولى الجاليات من الناحية العددية، ومن أكثرها تدينا وتأثرا بما يجري في المغرب وتجربته مع الحركات الإسلامية. وثانيا، فإن المغاربة موجودون بكثافة في كل من الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا التي يقال عنها إنها تميل إلى المغرب، وفي اتحاد المنظمات الإسلامية التي يرأسها المغربي الحاج التهامي ابريز وينوب عنه المغربي الآخر فؤاد العلوي، وهي منظمة يردد عنها الإعلام المغرض أنها تميل إلى الإخوان المسلمين، في حين أن قادتها ما انفكوا يرددون أنهم معجبون بالتجربة المغربية، وقد أظهروا كثيرا من هذا في المؤتمر السنوي الأخير الذي ينظمونه كل عام بحيث حرصوا على التجميع لا على التفريق. وقد قامت هذه المنظمة بتقديم قراءة تفصيلية دقيقة لنتائج الانتخابات في مجموع التراب الفرنسي على الموقع الإلكتروني. ومن أهم النتائج التي خلص إليها التقرير، أن اتحاد المنظمات الإسلامية احتفظ بالصف الأول من حيث نسبة الأصوات التي حصل عليها (98,24 بالمئة) متقدمة بذلك على المستقلين، وفيهم مرشحون من الاتحاد، وعلى الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا، وعلى التنظيمات الأخرى. هناك نتيجة تلفت الانتباه في هذه الانتخابات وهي التي حصدتها الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا بمنطقة إيل دو فرانس إيست: 82 بالمئة من الأصوات، وهو رقم قياسي لم تحققه أي منظمة في أي منطقة بفرنسا، وهذا يعكس كثافة الهيئة الناخبة من جهة وقوة الفرع الموجود بهذه المنطقة. الآن، وبعد انتهاء الانتخابات، واستقرار النفوس، يتجاوز مسلمو فرنسا حالة القلق والترقب والتخوف، وينتقلون إلى حالة الاطمئنان والاستقرار النفسي، ويصبح لزاما عليهم النظر في شؤونهم الدينية الروحية والثقافية والاجتماعية بكل شفافية ووضوح ومسؤولية بالتعاون مع جميع الأطراف، وهي المهام التي أخرج المجلس الفرنسي للدين الإسلامي من أجلها. وإذا كان تأثير البلدان الأصلية لهؤلاء المسلمين الفرنسيين ما يزال قويا وحاضرا، فإن ذلك شيء طبيعي ولا يعتبر تدخلا في شؤون بلد آخر، إذا حصل التعاون والتفاهم بين الحكومات المعنية من أجل المصلحة العامة. ومع مرور الأيام وتداول الأجيال قد يخف هذا التأثير عندما تنضج الأحوال والعقول. حسن السرات