اقترح الداعية الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي مجموعة خطوات عملية للمسلمين للرد على ما نشرته صحيفة جيلاندز بوستن الدانمركية وصحف غربية أخرى من رسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، أبرزها قيام الحكومات العربية والإسلامية بالضغط على الهيئات الدولية لسن قوانين تحمي المقدسات والأنبياء ومقاطعة حكومات الدول، التي تصدر بها تلك الصحف سياسيا واقتصاديا.وفي ما يلي مقتطفات من خطبة الجمعة، التي ألقاها فضيلته بمسجد عمر بن الخطاب بالعاصمة القطرية الدوحة يوم الجمعة رابع فبراير الجاري. كان المسلمون في الزمن الماضي لا يستطيع أحد أن يمس لهم طرف أو يؤذيهم بكلمة، لأن الأمة كانت أمة، تستطيع أن تدافع عن نفسها، كانت تنصر بالرعب مسيرة شهر، فقد بلغ عمر بن عبد العزيز أن أسيرا مسلما أهين في بلاد الروم، فكتب إلى ملك الروم يقول له:بلغني أن مسلما أهين عندكم، فإذا بلغك كتابي هذا فخل سبيله وإلا غزوتكم بجنود أولها عندكم وآخرها عندي، ولم يملك ملك الروم إلا أن أطلق سراح الأسير المسلم وفي تاريخنا شاهد على عزة الأمة، فقد لطم رومي مسلمة فقالت، وهي في بلاد الروم: وامعتصماه! ورد المعتصم حين بلغه صرختها: لبيك أختاه! وجهز جيشا وكانت واقعة عمورية. أمة لا وزن لها هكذا كنا، وأصبحنا الآن يستهان بحرماتنا، تداس كرامتنا، كأننا أمة لا وزن لها، أمة تبلغ مليارا وثلث مليار أو تزيد، تكاد تبلغ ربع العالم، لكنها أمة لا يهتم بها أحد، ولا يقيم أحد لها وزنا، تؤذى في مقدساتها، ومع ذلك كثيرا ما سكتت، سدت أذنا من طين وأذنا من عجين، أهين القرآن وديس على المصحف، وفُعل ما فعل، وسكتت الأمة إلى أن طفح الكيل وطغى السيل وادلهم الليل، إلى أن أهين رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم عيانا بيانا جهارا نهارا، كان ذلك في غرفات مغلقة، أما أن يهان النبي محمد علنا وجهارا وفي الصحف، فهذا أمر لا يمكن أن تقبله الأمة بحال من الأحوال: هذه جريمة غير مسبوقة، لا نظير لها، جريمة كبرى، تقاس بمقدار المساء إليه والمعتدى عليه، فمن يسيء إلى المعلم غير من يسيء إلى التلميذ، ومن يسيء إلى الشيخ غير من يسيء إلى الشاب، فكيف بأعظم شخصية بشرية في الوجود، بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ختم الله به النبيين وختم برسالته الرسالات، وبعثه ليتمم مكارم الأخلاق، وأرسله رحمة للعالمين وحجة على الناس أجمعين. وتقاس الجريمة أيضا بمقدار من يتضرر بها، إنها ليست عائلة، إذا أسيء لكبيرها أو إلى شيخ من شيوخها تتضرر..هنا من المتضرر؟ إنها أمة محمد صلى الله عليه وسلم عربها وعجمها، سنتها وشيعتها، في مشارقها ومغاربها. غاية الإسفاف والسؤال:ما الباعث على هذه الجريمة؟ وما الدافع إليها؟ إنها جريمة بلا مقدمات، بلا أسباب، إنها جريمة غير مبررة، فهم يقولون إنها حرية الرأي، وحرية التعبير عن الرأي، وهذا كذب، وهذا افتراء: أي رأي هنا حتى نستطيع أن نناقشه ونحاججه بالرأي الآخر؟ ليس هناك رأي، حين يقابلك أحد ويقول: لعن الله أباك، هل هناك رأي تستطيع أن ترد عليه؟ هذا اعتداء علني.. إن هذه الجريمة لايستطيع أن يدركها إلا من رأى هذه الرسوم..إنها رسوم سيئة غاية في الإساءة، مسفة غاية الإسفاف.. لا يملك الحليم إلا أن يغضب إذا رأى هذه الرسوم، لا تبرير لهذا على الإطلاق.. هذا سباب علني. لذلك من الكذب الصراح والقبيح أن يقال إنها حرية الرأي، إن هذا سوء أدب وقلة أدب، مرفوضة من الأعراف والأخلاق والأديان، ويرفضها كل إنسان عنده أدب أو ذوق. ورغم أنها جريمة غير مبررة، فقد قبل المسلمون في الدنمارك أن تعتذر الجريدة عن هذا الأمر، وأبت الجريدة أن تعتذر، وقالت: هذا من حريتنا، طلب واحد وعشرون سفيرا إسلاميا وعربيا في الدنمارك أن يقابلوا رئيس الوزراء فأبى أن يقابلهم، وقال هذا شأن دنمركي يتعلق بحرية الصحافة ولا شأن لنا به، لو أنهم في أول الأمر وقفوا في منتصف الطريق وقالوا: لا نقصد الاساءة، ونحن نأسف لهذا وقبل لقاء السفراء لانتهى الأمر، لكنهم اصروا على الحنث العظيم.. وكانت النتيجة أنه بعد شهرين نشرت صحيفة نرويجية الرسوم مرة أخرى، وبذلك اشتعلت النار من جديد..هنا رأى الاخوة في الدنمارك أن يعرضوا القضية على أمتهم كلها، الأمر ليس أمرهم، إن نبينا محمدا ليس ملكهم، إن الإسلام ليس دينهم وحدهم، ولذلك أقول إنها جريمة كبرى. الغضب فريضة فما موقف أمتنا من هذه الجريمة؟ أن يعتدي على مقدساتها وعلى نبيها ورسولها وقد اعتدي من قبل على قرآنها؟ موقف الأمة يتحدد في هذه الأمور: أول شيء ان تغضب الأمة، أن تثور، لدينها، لربها، لقرآنها، لمحمدها، أن ترفض أن تقبل هذا بحال من الأحوال، الغضب هنا فضيلة، بل فريضة، فالصحابة ما كانوا يقبلون أي كلمة تمس رسول الله، يقولون: دعني يا رسول الله اضرب عنقه؟، لأنه تطاول بكلمة على رسول الله، كان حب رسول الله جزءا من الإيمان ولا يزال، وجاء في الحديث:لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين، وثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما..، وحينما وقف بعض الصحابة على خشبة الصلب ليصلب في مكة قال له المشركون: أتحب أن يكون محمد في مكانك وأنت بين أهلك في مكة؟ قال: والله لا أحب أن يكون رسول الله في مكاني تصيبه شوكة في قدمه!، فقال أبو سفيان: ما رأيت أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمداً.. لابد للأمة ان تغضب ..وقد روي عن الإمام الشافعي أنه قال:من استغضب ولم يغضب فهو حمار، ونحن لسنا أمة من الحمير، بل نحن أسود تزأر، تغار على عرينها، تثأر لحرماتها..(ولله العزة ولرسوله وللمومنين، ولكن المنافقين لا يعلمون).. وهذا يوم غضب لله ولرسوله ولكتابه ولكل أنبياء الله ورسله ولكل مقدسات الأديان..فإذا فقدت الأمة الغضب فقدت حيويتها ومعناها ورجولتها.. والأمر الثاني الذي يجب علينا: أن نقاطع من استهان بحرماتنا وتعدى على نبينا عليه الصلاة والسلام: أن نقاطع منتجاته وبضائعه.. هذا أقل الواجب! فكيف أروج بضائع هؤلاء الذين يشتمونني ويهينون نبيي؟ وأعطي مالي لهم؟ إن كل ريال أو دينار أو جنيه أو فلس تدفعه إلى هؤلاء يتحول في محصلته إلى صحفهم وجرائدهم، يتحول إلى كلمات مؤذية أو رسوم مخزية، أو تعليقات مؤذية تمس دينك ورسولك محمدا صلى الله عليه وسلم. فهل تقبل هذا؟ قبل ذلك رفضوا أن يعتذروا أو يقابلوا سفيرا، وحينما بدأنا بالمقاطعة بدأوا يلينون بالكلام ويعتذرون..أين كان اعتذاركم في أول الأمر؟ ونحن حينما نطلب من الأمة أن تضغط على حكوماتها لتقف موقفا ايجابيا، فالأمر ليس هينا، إنه محمد عليه الصلاة والسلام، يجب أن تسحب الحكومات سفراءها من هذه الدول، يجب أن تشعرهم أننا نغضب لنبينا، نحن نحيي الحكومات والجماهير الغاضبة في العالم العربي والإسلامي، لكننا نريد من الحكومات أن تستجيب لغضبة الجماهير وتقف موقفا إيجابيا حتى يعلم الجميع أن لحمنا ليس لحما سائغا، بل مسموما، لا نقبل الهوان في ديننا ولا لأمتنا بحال من الأحوال. وعلى الحكومات أن تطلب من الأممالمتحدة إصدار قرار أو قانون صريح يحرم بشكل قاطع إهانة الأنبياء، أنبياء الله ورسله وكتب الله المقدسة ومقدسات الأديان، بحيث لا يستطيع أحد مس هؤلاء بسوء، لقد أصدروا مثل هذا لحماية اليهود واليهودية، لا تستطيع ان تسخر من اليهود، فهم محميون بالقوانين التي تحمي السامية، لا يستطيع أحد أن يتحدث بكلمة في مناقشة أرقام المحرقة المزعومة الهولوكست، حتى لو كان يتحدث في رسالة ماجستير أو دكتوراه، ويناقش الأمر مناقشة علمية، لا يقبل منه هذا، جارودي حينما تحدث في هذا حكم عليه بالسجن بمقتضى القوانين: نحن نريد قوانين تحمي المقدسات والأنبياء، ونريد من الشعوب والجماهير أن تضغط على الحكومات لتقول للدنماركيين: يمكننا أن نتسامح معكم إذا اعترفتم بالدين الإسلامي وبالوجود الإسلامي عندكم وسمحتم للمسلمين بإقامة مساجدهم ومراكزهم أسوة بالبلاد الأوروبية الأخرى، وسمحتم للمسلمين أن يردوا في هذه الجريدة عن عرض محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يسمح لهم عدة أشهر بالكتابة دفاعا عن هذا الرسول، وبيانا لفضائله ودعوته ورسالته إلى العالم. نحن المسلمين لنا منهجنا المتميز الخاص: الإسلام يربي المسلم على عفة اللسان ونظافته، على الامتناع عن التعبير بالسباب لأي شخص ولأي ظاهرة، حتى سب الأشياء..إن خلق المسلم ليس باللعان، فنحن لا نجرم سب محمد وحده، بل كل من سب نبيا من الأنبياء إبراهيم أو يعقوب أو موسى أو عيسى أو أي نبي من أنبياء بني إسرائيل فقد ارتكب جريمة من جرائم الردة، نحن أول من يغار على من يسب عيسى عليه السلام أو أمه الصديقة عليها السلام، أما محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا له أمر آخر، فلا يسمح المسلمون بالتطاول عليه بحال من الأحوال.. تحذيرات هامة وهنا أحب أن أوجه بعض التحذيرات: الأول إلى حكوماتنا المتخاذلة التي تتحسس موقف أمريكا: هي ترضى عنا إذا غضبنا هذه الغضبة قبل أن ترضى، يسترضون الناس قبل أن يسترضوا الله.. هذه الحكومات المتخاذلة نقول لها: في وقفة شجاعة اثبتي أنك مسلمة تغارين على هذا الدين، فلا تنفصل عن شعوبها، فالجماهير في طول العالم الإسلامي وعرضه أثبتت موقفها وغضبها. والتحذير الآخر أوجهه إلى الغربيين: إلى الأمريكان وإلى من تبعهم من الأوروبيين، الذين يزعمون أنهم يقاومون العنف في العالم: أقول لهم: إنكم بسكوتكم على مثل هذه الجرائم التي تهين رسول الإسلام وتستهين بأمته الكبرى: إن هذا هو الذي يولد العنف، وهو الذي ينشيء الإرهاب، يجعل الإرهابيين يقولون إن حكوماتنا لا تفعل شيئا، فيجب أن نأخذ الثأر بأنفسنا، هذا ما يصنع الإرهاب ويولد العنف، لابد أن تقفوا أيها الناس وقفة فيها إنصاف وشجاعة وقولة حق أمام هذه الإساءات والإهانات. والتحذير الثالث أوجهه لبعض المسلمين: فبعض المسلمين ينتقمون من مثل هذه الأعمال بالذهاب إلى مواطنيهم من النصارى ليحرقوا كنائسهم، أو يعتدوا على بعضهم، وهذا خطأ محض.. فهؤلاء الدانماركيون وأمثالهم لا هم نصارى ولا مسيحيون ولا أهل كتاب، معظمهم أناس لا دين لهم، دينهم اتباع الشهوات والفواحش ومنها فاحشة قوم لوط ويرون أن لهم الحرية في كل شيء، فهؤلاء ليسوا نصارى حتى ننتقم من النصارى عندنا. ثم إن النصارى عندنا يستنكفون هذه الأمور، ويستنكرونها، فلا يجوز لنا أن نعتدي على مواطنينا ولا شعائرهم أو مقدساتهم فهذا هو العمل الخطأ. وإذا وقفت أوروبا مع هؤلاء وأصرت على أن تتضامن معهم، فنحن أيضا نتضامن لمقاطعة هؤلاء، والله تعالى يقول: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فلابد ان تقف الأمة الإسلامية وقفة الرجولة، نقول لهؤلاء الأوروبيين نحن نستطيع أن نستغني عنكم وأنتم لا تستطيعون ان تستغنوا عنا، ونقول ما قال الملك فيصل رحمه الله في 1973 نحن نستطيع أن نستغني عن البترول ونعود لحياتنا الأولى ونكتفي باللبن والتمر، حينما هددت الكرامة العربية، فإذا هددنا في نبينا وديننا نقول: نكتفي بأقل القليل: نعيش على الكفاف..وهذه هي أمة الإسلام، نحن مدافعون لا نعتدي على أحد، فهل يلام الإنسان إذا دافع عن نفسه؟