أجمعت شهادات الكثير من مجايلي ومريدي وتلامذة الراحل عبد اللطيف بنمنصور، الذي وافته المنية مساء أمس الثلاثاء بأحد مستشفيات الرباط، أنه برحيله تفقد المشهد الفني الوطني علما من أعلام فني المديح والسماع وطرب الآلة، وموسوعة في النظم والاستحضار والتلقين والتجديد. وأكدوا، في تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء، اليوم الأربعاء خلال تشييع جنازة الراحل بالزاوية الحراقية بالمدينة العتيقة للرباط، أن الفقيد يعد واحدا من أبرز أعلام فني المديح والسماع في المغرب، ومن رواد الموسيقى الأندلسية، ومن المجددين في هذه الفنون التراثية المغربية، ويستحق أن يلقب فعلا بشيخ المادحين والمسمعين والمنشدين المغاربة. وبتأثر كبير، قال محمد التهامي الحراق، المدير الفني والثقافي لمؤسسة الذاكرين وباحث في التراث المغربي، إن المرحوم عبد اللطيف بنمنصور كان شيخ المسمعين والمادحين بالمغرب، واستطاع أن يؤسس مدرسة سماعية حراقية طبعت النصف الأخير من القرن الماضي، مؤكدا أن تأثيرها سيظل قائما بفضل ما تركه هذا الرجل من درر قيمة. وأضاف أن فني المديح والسماع فقدا برحيل الأستاذ بعد اللطيف بنمنصور، صاحب التلاحين الألف، علما محافظا وعدلا وناقدا وراوية ومجددا ومبدعا، شعرا ولحنا وأداء وتلقينا، مشيرا إلى أن الرجل كان معلمة بكل المقاييس وموسوعة في الشعر وفي استحضار التراث وفي تلقينه وتجديده وتحليله للأجيال القادمة، داعيا تلامذته ومريديه إلى السير على نهجه. ومن جهته أكد عبد الإله بنعرفة، باحث في التصوف والسماع، أن الراحل أفنى عمره في خدمة فني المديح والسماع، فأحدث ثورة في هذين الفنين وأضحى أحد شيوخهما، مبرزا أن اهتمام الراحل لم يقتصر على هذا الفن وإنما شمل أيضا موسيقى الآلة وغيرها من الفنون التراثية. أما الباحث الموسيقي عبد السلام الخلوفي فيرى أنه من الصعب حصر الأبعاد المعرفية والفنية لشخصية عبد اللطيف بنمنصور، فهو المريد للزاوية الحراقية الدرقاوية، والملم بالأنغام والطبوع النادرة والمتداولة، والمجدد والمضيف للعديد من ميازين الأدراج والملحن للكثير من الصنائع، والجامع ل`"كناش الحائك" الذي كان سباقا إلى تحقيقه وضبطه وتوثيقه بعد سنوات من جمعه من طرف الفقيه محمد بلحسين الحائك. والمغرب، يضيف الخلوفي، فقد برحيل هذا المبدع علما فريدا ومتفردا في مجال البحث العلمي المتعلق بتراث طرب الآلة الأصيل، فضلا عن إبداعه الأكبر في مجالي المديح النبوي والسماع الصوفي بالمغرب الأقصى، مشيرا إلى أنه بعد رحيل هذا الهرم الفني سيتعين على تلامذته ومريديه، الذين نهلوا من معينه، حمل المشعل، ليكونوا خير خلف لخير سلف.
وشدد الباحث الموسيقي عبد العزيز بنعبد الجليل، في شهادته، على أن رحيل بنمنصور يعتبر خسارة للفن بكل ما للكلمة من معنى، وأن المغرب بوفاته فقد أحد أهرام فني المديح والسماع، بل ويمكن القول أنه برحيله أسدل الستار على مدرسة من مدارس هذا الفن الأصيل بمفهومه العميق والأصيل والحديث أيضا. وأشاد محسن نورش، أحد تلامذة الفقيد ورئيس مجموعة الأصالة، بإسهاماته الجمة والوفيرة من تحقيقات وتلحينات في فني المديح والسماع، مؤكدا أنه كان عمدة وقدوة الكثيرين من المادحين والمسمعين وهرما من أهرام هذا الفن الأصيل والموروث التراثي القيم، والذي بصمه ببصمته الخاصة التي ستظل نبراسا للأجيال القادمة. وبعبارات تخنقها الدموع ويغالبها التأثر قال عبد المجيد الصويري، من مسمعي ومنشدي جهة الدارالبيضاء الكبرى، أن كل من جايل وعاشر وجالس المرحوم عبد اللطيف بنمنصور فقد فيه صديقا وهرما من أهرام السماع والمديح، وأنه رحل وهو مرتاح البال على هذا التراث الأصيل، كما أكد أيام قبل وفاته، بأنه تركه خلفا قادرا على الحفاظ على الموروث الأصيل من الفن المغربي. وفي كلمة باسم الزاوية الحراقية، قال محمد الحراق ابن الشيخ الغالي الحراق شيخ الزاوية الحراقية بتطوان، إنه بوفاة هذا الصوفي الحراقي الذائق انفرطت جوهرة ثمينة ودرة فريدة من عقد كبار المادحين والمسمعين بالمغرب وفقدت الطريقة الحراقية هرما شامخا وشيخا راسخا في الأدب والفن والعلم، والتربية الذوقية والسلوكية. ومن جهته قال نور الدين المجاطي، رئيس جمعية الإبداع للمديح والسماع بالرباط، إن الراحل يعتبر ركنا من أركان هذا الفن وبرحيله فقد المادحون والمسمعون أحد كبار شيوخ هذا الفن وذاكريه، الذين كرسوا حياتهم لهذا اللون، وتتلمذ على يديه العديد من الأساتذة الذي أضحوا يدلون بدلوهم في هذا المجال. وفي شهادته، تطرق محمد ابريول، مدير المعهد الموسيقي بفاس وأحد حملة مشعل طرب الآلة بالمغرب المخضرمين، إلى إسهامات المرحوم عبد اللطيف بنمنصور في مجال الطرب الأندلسي، مبرزا أن الراحل يعد من المراجع الكبرى في هذا الباب، بتصحيحه شعر الموسيقى الأندلسية واشتغاله على أدراجها وممن أبدعوا فيها.