جرت، بعد عصر أول أمس الأربعاء، بالرباط، مراسيم تشييع جنازة شيخ المادحين والمسمعين المغاربة، الأستاذ عبد اللطيف بنمنصور، الذي وافته المنية، مساء الثلاثاء المنصرم، بأحد مستشفيات الرباط، عن سن 84 عاما بعد معاناة مع المرض. وبعد صلاتي العصر والجنازة بالمسجد الأعظم، نقل جثمان الراحل إلى مثواه الأخير بالزاوية الحراقية بالمدينة العتيقة للرباط، حيث ووري الثرى، في موكب جنائزي مهيب بحضور أفراد أسرته والحاجب الملكي، إبراهيم فرج، وجمع غفير من المسمعين والمنشدين من مختلف مدن المملكة، وأصدقاء الفقيد ومحبيه وعارفي فضله، وشخصيات تنتمي إلى عالم الفن والفكر والإبداع. وتليت بهذه المناسبة الأليمة، آيات بينات من الذكر الحكيم على روح الفقيد، كما رفعت أكف الضراعة إلى الله العلي القدير، بأن يتغمد الراحل بواسع رحمته، وأن يشمله بمغفرته ورضوانه، وأن يجعل مثواه فسيح جنانه، ويتلقاه بفضله وإحسانه في عداد الأبرار من عباده المنعم عليهم بالنعيم المقيم. وتوجه الحاضرون بالدعاء الصالح لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس بأن يطيل سبحانه وتعالى عمر جلالته ويحفظه ويحيطه ويكلأه بعنايته الإلهية، وأن يقر عينه بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد أزره بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، ويحفظه في كافة أفراد الأسرة الملكية الشريفة. كما رفعت أكف الضراعة إلى الباري تعالى بأن يمطر شآبيب الرحمة والرضوان على روحي جلالتي المغفور لهما محمد الخامس، والحسن الثاني قدس الله روحيهما. ويعد الأستاذ عبد اللطيف بنمنصور واحدا من أبرز أعلام فني المديح والسماع في المغرب ومن رواد الموسيقى الأندلسية، ومن المجددين في هذه الفنون التراثية المغربية، إذ استحق عن جدارة واقتدار أن يلقب بشيخ المادحين والمسمعين والمنشدين المغاربة. ازداد الراحل سنة 1926 بحاضرة الرباط، وكان من حسن حظه أن يلازم متصوفا رفيع الطبقة، غزير السر، كامل الذوق، وهو جده لأمه الفقيه عبد السلام اكديرة المنتسب للطريقة الحراقية الدرقاوية ومقدمها وشيخها بالرباط، وعلى هذا الشيخ تتلمذ، وعنه أخذ، وبه اعتمد، ومنه استمد ليظهر أثر ذلك عليه في ما بعد. في سنة 1958 كان الفقيد بنمنصور ضمن الأعضاء المؤسسين لجمعية هواة الموسيقى الأندلسية بالمغرب، وأسهم طيلة مساره بحظ وافر في تجديد عدد من الميازين الأندلسية وإثرائها، وتشذيب عدد من القصائد وتصحيحها، وأبرز للوجود مجموعة من ميازين الأدراج، التي لم تكن موجودة في النوبات الإحدى عشرة للموسيقى الأندلسية، كما أخرج عددا من الإنشادات التي كانت مفقودة. في سنة 1962 سجل للإذاعة الوطنية مع جوق الموسيقى الأندلسية بها تأليفا شعريا ونغميا رائدا اختار له من الأسماء "الكواكب اليوسفية"، وأتبع ذلك بقصيدة "الفياشية"، وأدراج في طبوع الرصد وغريبة الحسين والعشاق. وحظي رحمه الله بشرف تنسيق برامج دينية صوفية في الحضرة الملكية، ومن مؤلفاته "الرائية الفارضية في الأمداح النبوية" المسماة "الكواكب اليوسفية" (1970)، و"تهذيب الأذواق في جيمية الشيخ الحراق" (1962). وشارك الفقيد عبد اللطيف بنمنصور في مجال النظم بمجموعة من القصائد والموشحات ضمنها ديوانه بعنوان "نفحات العرف والذوق في مدح طه سيد الخلق"، بالإضافة إلى ذلك نسق بنمنصور برامج للسماع والمديح في مناسبات شتى. إلا أن إسهامه المتميز كان إصداره سنة 1977 لمجموع الأشعار والأزجال والبراول المعروف ب "كناش الحائك" متضمنا، إلى جانب المتن الشعري المصحح والمنقح، أهم نظراته النقدية لأساليب أداء النوبة في هذا العصر. وقام الفقيد بالتنسيق الفني لدورات العديد من ملتقيات المديح والسماع، واختير ما بين سنتي 1989 و1992 عضوا في اللجنة الوطنية المكلفة بالإشراف على تسجيل "أنطولوجية الآلة"، وأنجز لوزارة الثقافة، تحت إشرافه وبحضور نخبة من المسمعين من مختلف مدن المملكة، تسجيلات لقصائد "البردة"، و"الهمزية"، و"الفياشية"، و"المنفرجة"، و"الغوثيات"، وحصص من فن السماع، صدرت كلها في أقراص مدمجة ما بين 1994 و1998.