إذا كان يحق للهند أن تفتخر بكونها من أوائل بلدان العالم التي انتخبت ديموقراطيا امرأة رئيسة للوزراء،عندما تقلدت أنديرا غاندي سدة الحكم عام 1966 ، فإن المشاركة السياسية للمرأة وتمكينها السياسي ما زالا يواجهان عقبات ثقافية ومجتمعية ترسخها سيطرة العقلية الذكورية في سن القوانين. ورغم أن الهند كرمت النساء وجعلتهن يرتقين أعلى المراتب في هرم السلطة في البلاد ، إلا أن المرأة الهندية لا زالت تعاني من تهميش وإقصاء في الحياة السياسية يعكسه بجلاء تمثيليتها الضعيفة في البرلمان الهندي التي لا تتجاوز نسبتها 11 في المائة. وسعيا منها لرفع هذا الحيف الذي طال النساء، قامت الحكومة عام 1992 بتعديل الدستور لإضافة حصص الجنسين في كافة المناصب المحلية المنتخبة، مما أتاح لأكثر من مليوني امرأة شغل مناصب منتخبة لا سيما في مجالس البلديات والقرى. غير أن تمرير قانون مماثل يمنح النساء ثلث مقاعد البرلمان الهندي ومجالس الولايات أثار نقاشا سياسيا حادا ظل المشروع بسببه يراوح مكانه لأربعة عشر سنة في ظل غياب إجماع سياسي حوله. ويصادف مناقشة البرلمان الهندي اليوم الإثنين هذا المشروع حلول الذكرى المئوية لإعلان اليوم العالمي للمرأة، حيث سعت العديد من الجمعيات النسائية الحقوقية إلى استغلال هذا اليوم للتأثير على الأحزاب لتمرير مشروع قانون حول الحصة "الكوطا" النسائية. وترى الجمعيات أن هذا النظام يمثل واحدة من الآليات الجادة لتخطي الحواجز والعقبات التي تعيق تمثيل النساء في الحياة السياسية بشكل متكافئ مع الرجل ويستهدف تهيئة المرأة وإعدادها للعمل السياسي إلى أن تستطيع إثبات ذاتها وقدراتها ووصولها إلى مواقع صنع القرار. وفي السياق ذاته نزلت سونيا غاندي زعيمة حزب "المؤتمر" الحاكم، بكل ثقلها من أجل الحصول على تصويت إيجابي عليه،وقالت في هذا الصدد "ستكون أحسن هدية تمنح للمرأة الهندية في يوم المرأة العالمي". وقال رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ أن حكومته عازمة على تمرير هذا المشروع الذي يضمن حدا أدنى للمقاعد التي تشغلها المرأة داخل البرلمان، خاصة وأنه يحظى حاليا بتأييد غالبية الأحزاب ومن ضمنها حزب "بهاراتيا جاناتا"المعارض ، مؤكدا التزام حكومته ب"التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمرأة ، مهما كان حجم الجهود والموارد التي سيكلفها ذلك".( لكن الإقتراح في شكله الراهن يلقى معارضة شديدة من بعض الأقليات في المجتمع الهندي ، ومن ضمنهم المسلمون.فبينما أيدوا المشروع من حيث المبدأ إلا أنهم يطالبون بتخصيص حصة فرعية داخل "الكوطا" النسائية مخصصة للأقليات،إذ يخشون أن تستحوذ نساء الطبقات العليا من الهندوس على كافة المقاعد المخصصة للمرأة ، وبالتالي سيرتفع تمثيل هذه الطبقات بشكل مخيف داخل البرلمان. وقال منصور علام الأمين العام لمجلس الملي الإسلامي أنه سينظم مسيرة احتجاجية اليوم في نيودلهي ضد هذا المشروع وللمطالبة بحقوق الأقليات ،داعيا الأحزاب السياسية إلى الاضطلاع بدور بناء في توفير العدالة للفئات المهمشة. يذكر أن 14 امرأة مسلمة فقط انتخبن في جميع الانتخابات البرلمانية ،وعددها خمسة عشر، التي جرت في شبه القارة الهندية خلال الفترة من 1952 الى 2009 . والواقع أن ضعف التمثيلية النسائية داخل البرلمان أمر مثير للدهشة في بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 2ر1 مليار نسمة، فالمرأة تمثل 11 في المائة فقط من المقاعد داخل المجلس رغم أن عدد النساء اللائي حق لهن التصويت في الانتخابات الأخيرة بلغ 340 مليون ناخبة من أصل 710 مليون ناخب. وفي المقابل فإن نسبة الكوطا المخصصة للنساء في البرلمانات الوطنية لمنطقة آسيا تصل إلى 5ر18 في المائة ،وهي حصة تظل في حد ذاتها ضئيلة بالنظر إلى المعايير الدولية ، لكن بلدان مجاورة للهند تخصص حصصا "عادلة" للنساء كالنيبال "33 في المائة" وباكستان "22 في المائة" ، وبنغلاديش "19 في المائة". ولا غرابة إذن في أن يصنف الاتحاد البرلماني الدولي الهند عام 2007 في المرتبة 108 من أصل 189 بلدا على مستوى عدد النساء الأعضاء في برلمانها. وكما هو الحال في أي تعديل دستوري فإن مشروع القانون هذا يحتاج لتصويت ثلثي المجلس لصالحه ،بمعنى تصويت 155 عضوا من أصل 245.وتحظى الحكومة الهندية بدعم واضح من حزب "بهاراتيا جاناتا" المعارض وبعض أحزاب اليسار والأحزاب الصغيرة ، مما يرفع عدد الأصوات إلى 165 ، وهو أكبر بكثير من العدد المطلوب. لقد أكد جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند في إحدى خطبه أنه "يمكنك وصف حالة البلد من خلال النظر إلى وضع النساء فيه"، وهو مشهد تسعى المرأة الهندية إلى تغييره لوضع بصماتها في الطفرة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.