نظم بالدارالبيضاء لقاء خصصه عدد من أهل الثقافة والأدب عرفانا وامتنانا لذاكرة العلامة والمفكر والسياسي والمربي الراحل عبد الهادي بوطالب، الشخصية التي تركت آثارا جلى طيلة مسيرة حافلة في مجالات شتى. وتعد هذه المبادرة، التي تنظم في إطار الدورة ال16 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، الثانية التي قامت بها وزارة الثقافة بالإضافة إلى إطلاق إسم هذا العلامة على إحدى قاعات فضاء المعارض المخصصة للندوات. وفي هذا السياق، أبرز المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) السيد عبد العزير بن عثمان التويجري أن مبادرة الالتفات لعبد الهادي بوطالب، الذي رحل عن الدار الدنيا في السنة المنصرمة ، "مظهر من مظاهر الوفاء لشخصية فذة من الشخصيات الرائدة التي خدمت بلادها فأخلصت، وأجادت، وتفوقت، وتألقت، وأعطت للفكر وللعلم وللثقافة والوطن وافر العطاء". وذكر السيد التويجري بحفل تأبيني نظمته الإيسيسكو الشهر الماضي بالرباط لمديرها العام السابق عبد الهادي بوطالب "الذي أرسى قواعد هذه المنظمة ونهض بمسؤولياتها للانطلاق بها نحو أهدافها السامية في ظل ظروف عصيبة وإمكانات محدودة". ووصف التويجري شخصية الفقيد بمتعددة جوانب النبوغ وبمتنوعة نواحي التفوق وغزيرة العطاء من مختلف المواقع التي شغلها .. سواء على مستوى وطنه المغرب، الذي كان حبه له يملأ شغاف قلبه، أو على صعيد العالم العربي الإسلامي الذي كان عارفا بمشاكله، ومهموما بقضاياه وعاملا من أجل مصالحه. وخلص التويجري، الذي عمل مع الراحل لمدة ست سنوات مديرا عاما مساعدا للثقافة، إلى أن المناصب التي شغلها عبد الهادي بوطالب لم تشغله عن الاهتمام بقضايا الفكر والعلم والثقافة واللغة والأدب. أما وجيه القاسم (أبو مروان)، فأشار إلى أن القضية الفلسطينية حظيت في تفكير عبد الهادي بوطالب بالمركزية، موضحا أنه حمل هذه القضية وهمومها في جميع المناصب التي شغلها. وأضاف أن عبد الهادي بوطالب يستحضر على الدوام القضية الفلسطينية في بنيانه التفكيري، كما عمل من أجلها محاضرا وفاعلا سياسيا وثقافيا، وكان مع القضية بفكره وعقله وسخر لها معارفه . وقال ان الفقيد كان يؤمن أن المواقف الغربية تجاه القضية الفلسطينية لا تنبع من التعاطف الذي يكنه الغرب لإسرائيل ولكن من تحيز هذا الغرب ضد العرب والمسلمين. وكان الفقيد، حسب أبو مروان، مثقفا عربيا كبيرا آمن بدور المثقف في الدفاع عن قضايا الأمة العربية والإسلامية ، كما كان ضد الانتظارية، ويغتبط من إنتاج عربي فكري، مذكرا في هذا السياق بإعجاب عبد الهادي بوطالب بكتاب "الإستشراق" للراحل إدوارد سعيد. وتناول الأستاذ الباحث عبد المجيد القدوري، من جانبه، عبد الهادي بوطالب انطلاقا من الذاكرة الفردية، المتميزة بمسار غني وممتد في الزمن. واعتبر الباحث أن الذاكرة الفردية تنطوي على مسارات فيها ما هو "ذاتي وما هو ميكرو اجتماعي" ، كما أن الذاكرة الفردية تدخل في علاقة بالذاكرة الجماعية. ف"عند الحديث عن عبد الهادي بوطالب، نتحدث عن ذاكرة فردية في إطار ذاكرة جماعية ، فهو مساهم وموجه لأحداث بلورت ما يعيشه المغرب اليوم، أي أن ما نعيشه اليوم هو نتيجة لمسيرة فردية وجماعية في الآن ذاته" يضيف عبد المجيد القدوري. وقارب الباحث عثمان أشقرا ذاكرة الفقيد من الناحية الأكاديمية السوسيولوجية المحضة، ومن جوانب تتعلق بالخصوص بإشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة. كما قارب أشقرا ذاكرة بوطالب من هذا المنطلق مقارنة مع العلامة محمد داوود والتهامي الوزاني وسعيد حجي، موضحا أن الفقيد كان عالما مثقفا مارس السياسة بكل تجلياتها وعاش العلاقة بين ما هو سياسي وثقافي واجتماعي. وأضاف الباحث أن الراحل مارس السياسة بمنطق المثقف، كما مارس السياسة بمعناها النبيل. وحضر الجانب التربوي في هذا اللقاء بحضور مجيد بوطالب نجل الفقيد، الذي قال في كلمة بالمناسبة ، إنه "بالرغم من المسؤوليات الجسام التي تقلدها والأمانة الثقيلة التي تحملها لم يتراخ يوما عن الاهتمام بعائلته وتدبير أمور أسرته". وأضاف أن الراحل كان جامعا، بالإضافة إلى الأب المثالي والمربي، لصفات العالم والمناضل المخلص والمحاضر والسياسي المحنك ورجل الدولة والأكاديمي والمفكر والمثقف، وكان أيضا كاتبا صحفيا نشيطا وقلما سيالا وقارئا نهما". وذكر بقولة للعلامة المحتفى به " ثمانون سنة من حياتي كانت فيها القراءة والكتابة زادي وغذائي وطعامي وشرابي. أعيش بهما وأكرع من ينابيعهما ما يساعدني على العمل الدؤوب، وهو الآخر جزء من حياتي".