بعد مرور قرابة أربعة أشهر على تشكيلها، سلمت (اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور)، أمس الأحد توصياتها بشأن التعديلات المقترحة على الدستور للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والتي جاءت لتشكل دعامة لجهود الإصلاح الشامل بهذا البلد، عبر توسيع المشاركة الشعبية في الحياة السياسية وترسيخ الفصل بين سلطات الدولة. وقال الملك عبد الله الثاني، في كلمة بمناسبة تسلمه التوصيات، إن الأخيرة هي "خير دليل على قدرة الأردن على تجديد حياته وتشريعاته، والسير نحو المستقبل برؤية إصلاحية اجتماعية وسياسية تقوم على ركن أساسي يتمثل في مشاركة شعبية أوسع وفصل بين سلطات الدولة". وتتمثل أبرز مقترحات التعديلات التي أوصت بها اللجنة، في الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، بما يضمن عدم تجاوز إحداها للأخريين، وإنشاء محكمة دستورية للنظر في دستورية القوانين والأنظمة، ومحاكمة الوزراء أمام القضاء المدني وليس أمام مجلس النواب، والطعن في نتائج الانتخابات أمام القضاء. كما نصت مقترحات اللجنة على تشكيل حكومات من الأغلبية البرلمانية، بعدما كان اختيار الشخص المرشح لرئاسة الوزراء من اختصاص العاهل الأردني. وطالت هذه المقترحات أيضا مجلس الأمة (البرلمان)، الذي سيمتد العمل في دوراته العادية إلى ستة أشهر، قابلة للتمديد لثلاثة أشهر أخرى، وكذا تخفيض سن الترشح للانتخابات من 30 إلى 25 سنة. أما بخصوص حل البرلمان وتأجيل الانتخابات، فقد اعتبرت اللجنة أن الحكومة التي يتم حل مجلس النواب في عهدها، يتعين عليها أن تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، على أن تجري انتخابات جديدة خلال أربعة أشهر، وفي حال عدم إجراء الانتخابات في هذه الفترة يعود البرلمان كأنه لم يحل. وتجدر الإشارة إلى أن معظم التعديلات المقترحة من قبل اللجنة، والتي أملاها الحراك الداخلي الذي يشهده الأردن منذ مطلع السنة الجارية، وكذا المتغيرات الإقليمية، اشتملت على العودة إلى دستور سنة 1952، الذي أدخلت عليه اللجنة 40 تعديلا تضمنت إلغاء مواد انتفت الحاجة إليها ووضع مواد جديدة تتساوق مع روح العصر، لاسيما تلك المتعلقة بمؤسسات أو هيئات جديدة، فضلا عن التنصيص على الحريات وتعزيزها وحمايتها. ولعل ذلك ما عبر عنه رئيس اللجنة، رئيس الوزراء الأردني الأسبق أحمد اللوزي حينما أكد، في تصريح صحفي أمس، أن "الهدف الأساس من المراجعة الدستورية كان هو إعادة الدستور للعهد الذي نفذه جلالة الملك طلال (جد الملك عبد الله الثاني) وكان هدفنا الأول إعادة هذا الإرث الأردني إلى نبراسه الأول وإلى ألقه، وقد تحقق ذلك بإزالة التعديلات التي لم تعد تصلح لهذا الزمن واقتراح تعديلات عديدة". وعلى الرغم من هذه العودة إلى دستور 1952، فقد رأى عدد من الملاحظين أن التعديلات المقترحة جاءت منسجمة مع مطالب الشارع الأردني بتسريع وتيرة الإصلاح السياسي بالبلاد في أفق تعزيز الحياة الديمقراطية وإقرار مبادىء الشفافية والمحاسبة. كما اعتبروا أن من شأن هذه التعديلات أن تغير من بوصلة الإصلاح الذي يتطلع إليه كافة الأردنيين، بحيث تساهم في النهوض بالحياة السياسية وترسيخ التوازن بين السلطات وتعيد إليها هيبتها، والارتقاء بالأداء الحزبي والنيابي، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام عملية تطوير شاملة بالبلاد. ورأوا أيضا أن التعديلات جاءت لإزالة الشك حول المسيرة الإصلاحية بالبلاد ومدى جديتها، معتبرين أن العملية الديمقراطية والتنمية السياسية في الأردن لن تتقدم في غياب هذه التعديلات الجوهرية التي تكفل سيرورة الإصلاح واستدامة العمل السياسي. وبالمقابل، اعتبر مراقبون وملاحظون أن رفع هذه التعديلات ليس سوى بداية الطريق وليس نهايته، وذلك أحذا بعين الاعتبار مخاضا إقليميا ألقى بظلاله على المشهد الداخلي، وقاد عملية الإصلاح في الأردن بشكل مبكر". وشددوا، بهذا الصدد، على ضرورة وجود توافق وطني وحوار شامل وشفاف حول هذه التعديلات وتنوير الرأي العام الأردني بخصوص آثار ها وانعكاساتها على تطور الحياة السياسية في البلاد، مبرزين أهمية المشاركة الواسعة في مناقشتها بروح عالية من المسؤولية والتوافق، وذلك للخروج من مربع الانتظار والمراوحة إلى مربع الانجاز، خاصة أنها تساهم في مأسسة واستدامة التحولات الإصلاحية بالأردن خلال السنوات المقبلة. وكان العاهل الأردني قد شكل (اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور)، يوم 26 ابريل الماضي، للنظر في أي "تعديلات دستورية ملائمة لحاضر ومستقبل الأردن"، وحدد الإطار العام لمهمتها في "العمل على كل ما من شأنه النهوض بالحياة السياسية في السياق الدستوري". ويشهد الأردن منذ مطلع يناير الماضي، مسيرات شعبية سلمية، للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وكذا بإصلاحات سياسية واقتصادية ودستورية ومحاربة الفساد.