ظهر الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك اليوم الأربعاء بالقاهرة داخل قفص الاتهام في أولى جلسات محاكمته التي تعد الأولى من نوعها في العالم العربي حيث لم يسبق أن توبع قائد دولة حضوريا أمام قضاء بلاده دون تدخل أجنبي. فإذا كان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين قد وقف أمام القضاء وشكلت صوره داخل قفص الاتهام مادة إعلامية دسمة على مدى قترة زمنية فإن محاكمته بدت كجزء من انتقام المنتصر في الحرب أي القوات الأمريكية التي غزت العراق سنة 2003 وتمكنت من تقويض أسس نظام البعث الحاكم فيه. أما الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي الذي فر خارج البلاد بفعل ثورة الياسمين فإن جلسات محاكمته تجري غيابيا لحد الآن. وسادت الشارع المصري خلال اليومين الماضيين شكوك حول احتمال إحضار حسني مبارك من شرم الشيخ على البحر الأحمر حيث يرقد في أحد المستشفيات، لمحاكمته في القاهرة التي لم تطأها قدمه منذ يوم 11 فبراير الماضي، اليوم الذي أعلن فيه نائبه آنذاك عمر سليمان عن تنحيه وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية بتسيير شؤون البلاد. وكان تسريع وتيرة محاكمة رموز النظام السياسي السابق في البلاد أحد المطالب التي دأب المتظاهرون على رفعها في ميدان التحرير في جميع المظاهرات التي دعت إليها مكونات المشهد السياسي المصري ما بعد ثورة 25 يناير. وقد حضر الرئيس السابق حسني مبارك إلى مقر أكاديمية الشرطة بالقاهرة صباح اليوم وظهر في قفص الاتهام وهو يرقد على سرير يقف على طرفيه نجلاه جمال وعلاء بطريقة جعلت من الصعب على كاميرا التلفزيون المصري، المخول الوحيد بتصوير أطوار المحاكمة ، الاقتراب كثيرا من الرئيس المخلوع. ويتابع مبارك، إلى جانب وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وكبار مساعديه ، بارتكاب جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار ضد مشاركين في التظاهرات السلمية بمختلف محافظات مصر اعتبارا من 25 من يناير الماضي وذلك من خلال تحريض بعض ضباط وأفراد الشرطة على إطلاق الأعيرة النارية من أسلحتهم على المجني عليهم ودهسهم بالسيارات وترويع المواطنين. كما أوضحت النيابة العامة في التهم التي وجهتها لمبارك أن هذا الأخير "قبل بصفته رئيسا للجمهورية وأخذ لنفسه ولنجليه علاء وجمال مبارك عطايا ومنافع عبارة عن قصر على مساحة كبيرة و4 "فيلات" وملحقاتها بمدينة شرم الشيخ تصل قيمتها إلى 40 مليون جنيه (نحو 7 مليون دولار) بأسعار صورية ومكن كمقابل لذلك رجل الأعمال الهارب حسين سالم من الحصول على قرارات تخصيص وتملك مساحات من الأراضي بلغت 4 ملايين من الأمتار المملوكة للدولة بمحافظة جنوبسيناء بالمناطق الأكثر تميزا في مدينة شرم الشيخ السياحية". كما وجهت إلى الرئيس السابق تهمة الاشتراك مع وزير البترول الأسبق سامح فهمي وبعض قيادات وزارة البترول والمتهم حسين سالم في ارتكاب جريمة تمكين الأخير من الحصول على منافع وأرباح مالية بغير حق تزيد على الملياري دولار بإسناد شراء الغاز الطبيعي المصري للشركة التي يمثلها ورفع قيمة أسهمها وتصديره ونقله إلى إسرائيل بأسعار متدنية أقل من تكلفة انتاجه وبالمخالفة للقواعد القانونية. وقد نفى الرئيس المصري السابق ونجلاه جمال وعلاء في الجلسة الأولى، التي استغرقت زهاء ساعتين وربع الساعة ، جميع التهم التي وجهها اليهم أحمد رفعت رئيس الدائرة الخامسة لمحكمة شمال القاهرة الذي يرأس المحاكمة التي من المؤكد أن تستغرق وقتا طويلا نسبيا بالنظر إلى طبيعة الملفات التي سيتم فتحها (ملف القضية يضم لحد الآن أكثر من 4 آلاف ورقة) وعدد المحامين الذين يمثلون الدفاع والمطالبين بالحق المدني. وتقرر وفق مصدر رسمي الإبقاء على حسني مبارك داخل المستشفى الواقع بمبنى أكاديمية الشرطة التي تحتضن أطوار المحاكمة لضمان استمرار حضوره وقائع محاكمته والتي أعلن رئيس المحكمة انها ستتم بشكل متعاقب وفي جلسات متتابعة دون التقيد بالأيام المحددة لتوزيع العمل عادة في المحاكم. وسيكون مسار محاكمة الرئيس السابق ورموز نظامه عاملا محددا آخر لملامح المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر منذ 11 فبراير الماضي حيث شكل تباين المواقف بخصوص وتيرة محاسبة هؤلاء أحد مصادر الاحتقان التي أثرت سلبا على إنجاز مراحل الانتقال نحو نظام سياسي جديد.