قال الأكاديمي السوري فيصل دراج، اليوم الثلاثاء ببيروت، إن المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري "همش النزوعات الأيديولوجية المختلفة، القومية والليبرالية والسلفية والماركسية، منتهيا إلى عقل عربي متجانس". وأضاف دراج، في مداخلة بعنوان " نقد الفكر العربي المعاصر" قدمها في ندوة تكريمية للجابري، أن هذا الأخير أكد أن "حقيقة العقل قائمة في بنيته لا في ما يدعي الانتماء إليه. فلا فرق بين القومي والسلفي والليبرالي والماركسي، ذلك أنهم في تباينهم الأيديولوجي ينتمون إلى بنية فكرية واحدة". وفي السياق ذاته، رأى المؤرخ اللبناني وجيه كوثراني، أن "المنطلق الإبستمولوجي للنقد الذي يمارسه الجابري حيال الخطابات العربية منذ زمن النهضة، والتي شهدت توزعا على إيديولوجيات قومية ليبرالية وماركسية وسلفية، هو أنها تنطلق جميعها من عقل واحد ومحكومة جميعها في رأيه بعقل واحد". وأوضح كوثراني، في هذه الندوة التي عقدها مركز دراسات الوحدة العربية في موضوع " العقلانية والنهضة في مشروع المفكر محمد عابد الجابري "، أن هذا العقل ينتمي حسب الجابري إلى "بنية فكرية واحدة وإن اختلفت المضامين والإيديولوجيات في هذه الخطابات". وفي ورقة بحثية معنونة ب "إشكالية التراث والحداثة في الفكر الجابري " تساءل أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية رضوان السيد، "هل حقق الجابري هدفه في حل إشكالية التراث والحداثة لصالح الدولة القومية التقدمية، المتكئة على تراث عريق لكنه حي ومتحرك". وقال الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية وجيه قانصو، في تعقيبه، "لعل المشكلة الأصعب في محاولة الجابري تجاوز الفهم التراثي للتراث إلى فهم حداثي ورؤية عصرية يتم من خلالهما مواكبة التقدم الحاصل على الصعيد العالمي، كانت في عدة النقد وآليات الاشتغال التي اعتمدها لهذا الغرض". وعد الباحث اللبناني أنطوان سيف، في مداخلة بعنوان "الاشتغال الإبستمولوجي على التراث"، كتاب (مدخل إلى فلسفة العلوم) لمحمد عابد الجابري، "معلما أساسيا مميزا له". وأوضح أنه "بالرغم من أنه كتاب توليف أكثر مما هو كتاب تأليف، فإنه مع ذلك نموذج راق في مجال الكتب التدريسية العربية، المدرسية والجامعية، ينبغي عدم الاستهانة بقيمته التربوية الفلسفية في هذا المجال". وفي ورقة لأستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة حسن حنفي بعنوان (نقد العقل العملي: السياسة والأخلاق)، قال "كان يمكن تثوير الماضي من أجل فك الحصار عن الحاضر، وإعادة بناء الموروث الأخلاقي القديم حتى يصب في الوعي الأخلاقي المعاصر". ورأى المفكر المصري أن "المهم هو كيفية الانطلاق من أزمة الحاضر إلى حاضر المستقبل. وهو يقتضي فك إزار الماضي وعدم الاكتفاء بتحليله". وذكر فهمي جدعان، في تعقيبه، بأنه نبه، حين أصدر الجابري كتابه (نقد العقل العربي) ووقف فيه عند نظم البيان والعرفان والبرهان، إلى "خطورة العقل العملي، وبخاصة الأخلاقي، وغياب الاهتمام به، ظنا من كثيرين بأن القول في الأخلاق لا يليق إلا بعلماء الدين وخطباء المساجد والدعاة". ولاحظ مسؤول الإعلام في الجمعية التونسية للدراسات الفلسفية فريد العليبي حضور ابن رشد داخل مؤلفات الجابري واهتمامه الكبير به. وقال "إن النص الرشدي يؤدي دورا مهما في تشكل فكر الجابري، الذي تمت صياغته تحت تأثير ابن رشد الجارف". وقال وجيه قانصو في بحث بعنوان (في تفسير القرآن الكريم: المنطلقات والأدوات) "لسنا هنا أمام تأسيس علوم جديدة للقرآن أو تفسير جديد له، بقدر ما نحن أمام محاولة من الجابري لإعادة القرآن إلى أصوله البيانية، بإرجاعه إلى بيئته التأسيسية الأولى ووضعه داخل مجاله التداولي الصحيح". ورأى رضوان السيد، في تعقيب على هذه المداخلة، أنه يمكن اعتبار ما قدم الجابري تفسيرا للقرآن "عصريا أو حديثا في القرن الحادي والعشرين". وأضاف السيد أنه "ليس مهما هنا هل خالف نهجه عندما فسر القرآن أم لم يخالفه، بل المهم أن قارئ مدخل التفسير لا يستشعر الدوافع ولا المقاصد من وراء هذا العمل المضني وغير المجدي". وكان المدير العام لمركز دراسات الوحدة العربية يوسف شويري، قال في مستهل الندوة، "إن أكثر آراء الجابري إثارة للجدل، هي تلك التي تعطي انطباعا أن ثمة حاجزا شاهقا بين المغرب والمشرق لجهة التفكير العقلاني والخطاب الفلسفي والمطارحات الفكرية".