وجاء في برقية جلالة الملك "تلقينا بعميق الأسى وصادق التأثر، نعي المشمول بعفو الله ورضاه، الأستاذ الجليل محمد عابد الجابري، تغمده الله بواسع رحمته، وتلقاه في عداد الصالحين من عباده، المنعم عليهم بالرضى والغفران، والمقام الأبدي بواسع الجنان، وعوضكم عن الرزء الفادح لفقدانه الأليم، جميل الصبر وحسن العزاء، و"إنا لله وإنا إليه راجعون".وأعرب جلالة الملك، بهذه المناسبة المحزنة، لأفراد عائلة الفقيد الموقرة، زوجة فاضلة وأبناء بررة، ولأسرته السياسية في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولكافة محبيه وأصدقائه من أهل الثقافة والفكر والإبداع، عن أحر تعازي جلالته وصادق مواساته، "في رحيل أحد كبار المفكرين المغاربة، الذين كانوا نموذجا عاليا في العصامية والجدية والاستقامة، والعطاء الفكري المتنور، المتميز بترسيخ منهج العقلانية، وقيم الوطنية والمواطنة الحقة، متحليا في كل عطاءاته وعلى مدى حياته، بمناقب المفكرين الأجلاء، في العمل والاجتهاد، ونكران الذات، وخصال المناضلين المخلصين، في الالتزام السياسي الصادق، بوحدة وتقدم وطنه، وخدمة قضاياه العادلة، بتفان وإخلاص".وأكد جلالة الملك أن الفقيد العزيز سيظل، خالدا في سجل الفكر المغربي والعربي، بما أنجز من أعمال فكرية قيمة، ومؤلفات رائدة رصينة، عن الثقافة المغربية والفكر العربي والإسلامي، امتد صيتها إلى كافة ربوعه، لما تميز به من إعمال للمفاهيم والمناهج العصرية، في تحليل وتقويم تراثه المعرفي والحضاري المشرق، ولما كان له من دور بارز بالجامعة المغربية، كأحد أساتذتها الرواد، والباحثين المرموقين، والمنظرين الأكفاء، ورجال الفكر التربوي والإعلامي، على امتداد أزيد من نصف قرن.وتضرع صاحب الجلالة إلى الله تعالى أن يجزي الفقيد خير الجزاء، عن جهوده العلمية والفكرية والتربوية، التي تركت أثرها العميق في أجيال متعاقبة، إلى أن لبى داعي ربه، راضيا مرضيا. المفكر صادق جلال العظم: الجابري أحدث حراكا كبيرا في الفكر العربي المعاصر قال المفكر السوري صادق جلال العظم إن محمد عابد الجابري, الذي وافته المنية أمس الإثنين عن سن75 سنة, "أحدث حراكا كبيرا في الفكر العربي المعاصر".وأضاف المفكر السوري, في حديث مع إذاعة (دويتشه فيله) الألمانية أن الجابري "أوجد توازناً في الفكر العربي بين المشرق والمغرب" العربيين, مذكرا بالمساجلات الحيوية التي دارت بين الجابري وجورج طرابيشي, والتي قال إنها ذكرته بالمناظرة التاريخية التي جرت بين الغزالي في المشرق وابن رشد في المغرب.وقال إن المفكر والفيلسوف محمد عابد الجابري كان "مالئ الدنيا وشاغل الناس على مستوى النقاش والفكر والبحث التراثي", مضيفا أن وفاته "خسارة كبرى للفكر العربي وخاصة الفكر النقدي الذي يعيد النظر في قضايا التراث".وأثار صدور كتاب الجابري "نقد الفكر العربي" باللغة الألمانية, سنة2009 , نقاشا هاما في الأوساط الإعلامية والثقافية والفكرية الألمانية, واحتضنت "دار ثقافات العالم" في برلين, خلال يوليوز الماضي, إحدى جلسات هذا النقاش. الصحافة اللبنانية تبرز المكانة المتميزة والإسهام الكبير للراحل الجابري في تطوير الفكر والعقل العربيين خصصت أغلب الصحف اللبنانية الصادرة اليوم الثلاثاء, حيزا هاما من صفحاتها الثقافية للحديث عن المفكر المغربي الكبير محمد عابد الجابري الذي رحل أمس إلى دار البقاء عن عمر ال75 سنة والتي كانت مليئة بالعطاء وإثراء الفكر والعقل العربيين تاركا وراءه إرثا فكريا واجتهاديا قل نظيره في تاريخ النهضة العربية الحديثة.فتحت عنوان "مشروع بحجم دولة" كتب الشاعر والأديب اللبناني عباس بيضون المشرف على القسم الثقافي بصحيفة (السفير) اليوم الثلاثاء, أن الجابري الرجل العصامي" صار له في كل جامعة وبلد مريدون بقدر ما صار له من خصوم ومخالفين. كثرة هؤلاء وأولئك تشي بدوران النقاش حوله وبقوة حضوره وانتشاره. لا نبالغ إذا قلنا إن فكره ساد على حقبة كاملة وإن كلا من مثقفي الثمانينيات كانت له حقبة جابرية, وأن الرجل غدا منذ ذلك الحين أحد معلمي الفكر العربي وسلطة فكرية وثقافية راسخة".واستطرد قائلا ""يرجع جزء من ذلك إلى أن الجابري انبرى لتشييد مشروع فكري عربي متكامل أجاب ذلك الحين عن جملة الأسئلة المعلقة: أين نحن من الغرب, وما هي هويتنا الفكرية, ومن أين نبدأ(..) كان للجابري من الجرأة والمجازفة أن بكر إلى اكتشاف هذه الحاجة المتأزمة وتلبيتها. حين كان الجابري ينقد العقل العربي كان يؤسس هذا العقل ويشعر بوجوده (..) ".واعتبر بيضون أن مشروع الجابري الفكري كان تقريبا النظير الإيديولوجي للدولة القومية حيث امتلك تقريبا تكاملها وأرضيتها التاريخية والمستقبلية, وهو بالتأكيد كان مصالحة كبرى بين الغرب والعرب وبين التراث والحاضر وبين الواقع والتاريخ.وبنفس الصحيفة نشرت شهادات لعدد من كبار المفكرين العرب حيث كتب المفكر السوري الطيب تيزيني بعنوان (صفحة طويت) أن خبر رحيل الجابري شكل له " فعلا صدمة كبيرة وعميقة", مشيرا إلى علاقته الأولى به تكونت في تونس " وقد نشأت بيننا علاقة جيدة ما فتئت أن انتهت بعد فترة قصيرة(..) لكن العلاقة الفكرية ظلت قائمة وشكلت حافزا لي في الكتابة في المسائل التي اشتغل عليها".واستطرد أن الجابري " مفكر كبير أثرى الفكر العربي, إيجابا وسلبا, كان حافزا لي ولغيري في التوغل في القضايا التي طرحها, وكنت طرفا في طرحها. وبهذا المعنى أشعر أن صفحة هامة من الفكر العربي طويت, أو لعلها نشأت مجددا لتبقى حافزا في الفكر العربي. أشعر الآن أن مكانا هاما قد فرغ بوفاة الأستاذ الجابري. لقد اشتغل وأثار مسائل كبرى, نبقى دائما مدعووين للبحث فيها".وأضاف أن الراحل الكبير اشتغل بطاقة كبيرة وبجهد بحيث "دخل في معظم حياة المثقفين والمفكرين العرب, ومهمتهم الآن تكمن في المتابعة, بكل أنواع المتابعة, وبهذا نكون قد حققنا شيئا من الأمانة في متابعته(..)". وفاة المفكر المغربي محمد عابد الجابري : حياة حافلة بالعطاء الفكري المشع عن خمس وسبعين عاما, فارق الحياة, اليوم الإثنين بالدار البيضاء, المفكر المغربى الكبير محمد عابد الجابري بعد حياة حافلة بالعطاء, الذي تجاوز إشعاعه المغرب إلى البلاد العربية بأجمعها, خصوصا فى مجالات دراسة التراث ونقد العقل العربي والديمقراطية والدولة الوطنية والهوية.من أهم مؤلفات المفكر الراحل, مبتكر مصطلح "العقل المستقيل" وهو العقل الذي يبتعد عن النقاش في القضايا الحضارية الكبرى, "نقد العقل العربي" في أربعة أجزاء (""""تكوين العقل العربي", و"بنية العقل العربي", و"العقل السياسي العربي", و"العقل الأخلاقي العربي.. دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية").ومن خلال دراسة المكونات والبنى الثقافية واللغوية التي بدأت منذ عصر التدوين, خلص الجابري إلى أن العقل العربي بحاجة اليوم إلى إعادة الابتكار.ومن مؤلفاته أيضا "العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي" (1971 ), و"نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي" (1980 ), و"إشكاليات الفكر العربى المعاصر", و"الديمقراطية وحقوق الإنسان", و"مسألة الهوية: العروبة والإسلام والغرب", و"مدخل إلى فلسفة العلوم: العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي", و"المثقفون فى الحضارة العربية: محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد", و"المشروع النهضوى العربي: مراجعة نقدية".كما صدر له "مدخل إلى القرآن", و"الدين والدولة وتطبيق الشريعة", و"معرفة القرآن الحكيم أو التفسير الواضح حسب أسباب النزول", في ثلاثة أجزاء فضلا عن سلسلة "مواقف", ومجلة شهرية بعنوان "نقد وفكر", ومقالات عديدة في جرائد ومجلات مغربية وعربية, وكذا "حفريات في الذاكرة.. من بعيد (سيرة ذاتية من الصبا إلى سن العشرين)".وتمثل النشاط الإعلامي للمفكر الراحل في اشتغاله بجريدة "العلم" ثم جريدة "المحرر" و""الاتحاد الاشتراكي", وساهم في إصدار مجلة "أقلام", وكذا أسبوعية "فلسطين" التي صدرت عام1968 .وكان محمد عابد الجابرى, المزداد بفكيك عام1935 , قد نال دبلوم الدراسات العليا فى الفلسفة عام1967 بالدار البيضاء, ودكتوراه الدولة فى الفلسفة عام1970 من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط التى عمل بها أستاذا للفلسفة والفكر العربى الإسلامي.بدأ نشاطه الوطني في الخلايا المناهضة للحماية الفرنسية منذ بداية خمسينات القرن المنصرم, وواصل نشاطه الحزبي عضوا قياديا بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبل أن يعتزل العمل السياسي في السنوات الأخيرة ويتفرغ للإنتاج الفكري والنشاط الأكاديمي منذ عام1981 .وقد حصل الجابري, عضو مجلس أمناء المؤسسة العربية للديمقراطية, على العديد من الجوائز المغربية والدولية.من بين هذه الجوائز جائزة بغداد للثقافة العربية اليونسكو (يونيو1988 ), والجائزة المغاربية للثقافة بتونس (ماي1999 ), وجائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي (مؤسسة إم.بي.آي. تحت رعاية اليونسكو في دجنبر2005 ), وجائزة الرواد لمؤسسة الفكر العربي ببيروت (دجنبر2005 ), وميدالية ابن سينا من اليونيسكو في حفل تكريم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة (نونبر2006 ) وجائزة ابن رشد للفكر الحر, (أكتوبر2008 ).