لأول مرة في تاريخ الحياة التشريعية في الهند ، أنهى البرلمان الهندي أمس الإثنين دورته الشتوية من دون عقد أي جلسة كاملة بسبب تصاعد المواجهة بين الحكومة وأحزاب المعارضة على خلفية قضية احتيال وفساد مالي طالت قطاع الاتصالات الهندي. فباستثناء اليوم الأول من الدورة الشتوية التي انطلقت في التاسع من نونبر الماضي ، لم ينجح البرلمان الهندي بمجلسيه "لوك سابها" و "راجيا سابها" في عقد جلسة واحدة كاملة ضمن الجلسات ال23 المقررة في الدورة ، لتصريف الأعمال التشريعية ، بعد الكشف عن خروقات شابت عملية منح عقود الجيل الثاني من الهاتف المحمول. وأضحت احتجاجات نواب المعارضة واحتشادهم أمام منصة رئيس البرلمان ، مرددين هتافات تطالب بتشكيل لجنة تقصي برلمانية في هذه القضية ، جزءا من "روتين العمل اليومي" لكلا المجلسين. ورغم انعقاد عدد من الاجتماعات بين الحكومة والمعارضة للخروج بتوافق من شأنه أن يساهم في انفراج الأزمة ، إلا أن أحزاب المعارضة بقيادة حزب "بهاراتيا جاناتا" ، تشبثت بمطلبها الرئيسي المتمثل في تشكيل لجنة برلمانية للتقصي في هذه الفضيحة المالية التي أطاحت بوزير الاتصالات الهندي نديموثو راجا في 14 نونبر الماضي. ووفقا لتقرير مجلس الحسابات الهندي ، فإن الوزير منح 85 من عقود الجيل الثاني للهاتف المحمول من أصل 122 ترخيصا لمشغلين يفتقدون في كثير من الحالات لمعايير الأهلية ، كما آخذ عليه التقرير بيعه للتراخيص بسعر حدد في عام 2001 ، في حين كانت خزينة الدولة ستجني أضعاف هذا المبلغ قبل سنتين لو تم بيع هذه العقود عن طريق طلبات عروض. وإذا كان المراقب المالي العام في الهند قد زكى طروحات المعارضة بكشفه عن أن العقود التي وقعها راجا لمجموعة مختلفة من شركات الاتصالات عام 2008 تسببت في خسائر لخزينة الدولة تقدر ب40 مليون دولار ، فإن ذلك لم يزد الأحزاب إلا إصرارا على المطالبة بفتح تحقيق برلماني مستقل ، وهو ما رفضته بشدة الحكومة الهندية بدعوى أنه تم بالفعل فتح تحقيق منفصل بشأن هذه الفضيحة التي شغلت الرأي العام الهندي لعدة أسابيع .( من جهة أخرى ، أكدت مصادر إعلامية هندية أن تأجيل جلسات البرلمان الهندي أدت إلى استنزاف مالية الدولة حيث قدرت الخسائر المالية ب75ر1 مليار دولار يوميا. ووفق بيانات رسمية فإن مجموع ميزانية البرلمان الهندي ووزارة الشؤون البرلمانية برسم موسم 2010- 2011 تصل إلى نحو 118 مليار دولار. ويجتمع البرلمان الهندي في ثلاث دورات كل سنة تسمى دورة "الميزانية " و الدورة "الموسمية " ثم الدورة "الشتوية". وتبادلت أحزاب المعارضة وحزب "المؤتمر" الحاكم الاتهامات بشأن مسؤولية الأزمة الحالية التي أعاقت العمل التشريعي وما ترتب عن ذلك من إهدار للمال العام. وأكد حزب "المؤتمر" "استعداد الحكومة لمناقشة جميع القضايا داخل قبة البرلمان الذي يشكل منتدى للحوار" ، متهما المعارضة ب"السعي إلى تدمير ركيزة أساسية من ركائز الأخلاق الدستورية من خلال إعاقة العمل البرلماني". ورد حزب "بهارتيا جاناتا" المعارض على هذه الاتهامات بالقول أن "على الحكومة أن تكون أكثر استعدادا لتبديد الشكوك التي أثارتها عملية الاحتيال هذه والتي أثارت استياء الرأي العام الهندي "، مضيفا أن "الحل يكمن في اعتماد الشفافية". وقبل رفعه للجلسة الأخيرة من الدورة الشتوية الحالية ، أعرب حامد الأنصاري نائب رئيس الجمهورية رئيس الغرفة الثانية بالبرلمان الهندي عن استيائه للحالة التي بلغها العمل التشريعي في البلاد . وقال في هذا الصدد " لم تشهد هذه الدورة أي نقاشات حول القضايا الملحة التي تشغل الرأي العام الهندي ، بل لم يرفع أي نائب من نواب البرلمان سؤالا شفهيا أو تدخلا كتابيا حول قضايا عاجلة تهم المواطن" ، داعيا النواب إلى "التأمل في هذا الوضع المتأزم". أما رئيسة البرلمان الهندي ميرا كومار فقالت ، عندما سئلت عن رد فعلها على استمرار المأزق الحالي ، "إنني أتألم بسبب هذا الوضع ، وآمل أن تمضي جلسات الدورة القادمة على نحو سلس". وأضافت أن "جوهر الديمقراطية يتمثل في عمل الحزب الحاكم والمعارضة يدا في يد لايجاد حلول وسطى لتصريف الأعمال التشريعية".