حققت العديد من المقاولات المغربية، خلال سنة 2009، أداء متميزا داخل سوق غرب إفريقيا، حيث يحتل فاعلون وطنيون كبار المراتب الأولى في قطاعات نشاطهم. ويندرج اهتمام الفاعلين المغاربة بهذه المنطقة الإفريقية، الغنية بمؤهلاتها، في إطار البعد الذي أكسبته إياها الزيارات التي قام بها جلالة الملك محمد السادس لعدد من بلدان غرب إفريقيا. وهي الزيارات التي أعطت دينامية جديدة للعلاقات الممتازة التي تربط المملكة بعدة بلدان بالمنطقة، ودفعت القطاع الخاص إلى التركيز على هذه الميزة، وتطوير جانب التعاون الاقتصادي في إطار منطق المنفعة المتبادلة. ومن شأن السوق الإفريقية التي تعيش أوج تنميتها، والتي تزخر بمؤهلات عالية من الموارد الطبيعية، أن تشكل، في سياق عالمي يطبعه احتدام المنافسة على أسواق الشمال، وجهة استراتيجية بالنسبة للمقاولات الوطنية. وقد استطاعت عدة مقاولات مغربية الاستقرار بنجاح في سوق غرب إفريقيا; خاصة في قطاعات المالية والنقل والصناعة الصيدلانية والاتصالات. ولعل أبرز الأمثلة على هذه الدينامية الجديدة للفاعلين المغاربة في هذه المنطقة من إفريقيا، مجموعة التجاري وفا بنك، التي نجحت بسهولة في فرض وجودها كإحدى أهم الأبناك الإفريقية، حيث تعتبر حاضرة في حوالي عشرين بلدا بالمنطقة. وأكد بنك "سي.بي.أ.أو مجموعة التجاري وفا بنك"، الذي تأسس إثر اندماج البنك السينغالي "سي.بي.أ.أو" والفرع المغربي "التجاري بنك السينغال" خلال سنة 2008، بعد بضعة أشهر، موقعه كرائد في الوسط البنكي السينغالي، وكذا على مستوى منطقة غرب إفريقيا. وحسب حصيلة نشرت سنة 2009، تتوفر مجموعة "سي.بي.أ.أو مجموعة التجاري وفا بنك" على 3ر26 في المائة من موارد السوق المالية، و2ر22 في المائة من "مناصب الشغل" و9ر29 في المائة من الالتزامات بالتوقيع. وواصلت المجموعة نجاحها وأبرمت تعاملات مالية ملموسة مكنتها من تعزيز موقعها في عدة بلدان غرب إفريقيا، حيث وقع البنك اتفاقية مع القرض الفلاحي الفرنسي سيحصل بموجبها على مساهمات المجموعة الفرنسية في خمسة أبناك إفريقية. ومن خلال هذه العملية التي تبلغ قيمتها الإجمالية 250 مليون أورو، سيستعيد التجاري وفا بنك حصص بنك الكونغو (81 في المائة من الرأسمال) والشركة الإفوارية للبنك (51 في المائة) والشركة الكامرونية للبنك (65 في المائة) والاتحاد الغابوني للبنك (59 في المائة) والبنك السينغالي (95 في المائة). ويقتحم البنك المغربي للتجارة الخارجية أيضا هذه السوق الإقليمية القوية التي تضم 200 مليون مستهلك، والتي تزخر بمؤهلات تنموية غنية. كما يعتزم، من خلال عمليات الاقتناء-الاندماج، فرض نفسه كفاعل من الدرجة الأولى في القطاع المالي بمنطقة غرب إفريقيا. وبفضل الخبرة المعترف بها وعامل القرب الجغرافي والثقافي مع مجموعة البلدان الفرنكوفونية بهذه المنطقة من إفريقيا، حقق فاعلون مغاربة آخرون استقرارا ناجحا في بلدان غرب إفريقيا. ويتعلق الأمر على الخصوص بالمكتب الوطني للكهرباء، الذي فتحت له خبرته الاسواق بالسينغال وغامبيا والنيجر وسيراليون والتشاد، إضافة إلى مجموعة "أونا"، أول مجموعة صناعية ومالية بالمملكة، والتي تعتبر حاضرة في المنطقة من خلال عدة فروع، والفاعل المغربي اتصالات المغرب، الذي يفرض وجوده في بوركينا فاصو والغابون ومالي. ويشهد على دينامية الفاعلين المغاربة بغرب إفريقيا أيضا، التقدم القوي الذي عرفته المبادلات التجارية بين المغرب وهذه المنطقة الإفريقية، رغم أنها تبقى دون مستوى مؤهلات الطرفين. وحسب إحصائيات وزارة التجارة الخارجية، فقد عرفت صادرات المقاولات المغربية في اتجاه السينغال والكوت ديفوار ارتفاعا على التوالي بنسبة 8ر35 و5ر43 في المائة. ولرفع المبادلات التجارية وتعزيز ممارسة نشاطها بالمنطقة، حدد المغرب خمسة قطاعات رئيسية تتمثل في الصيدلة والصناعة الغذائية والبناء والأشغال العمومية وتكنولوجيا الإعلام والاتصال والخدمات. وجالت قافلة للتصدير تضم حوالي مائة من أرباب المقاولات المغربية خلال دجنبر الجاري عدة بلدان بغرب إفريقيا بهدف استكشاف فرص الشراكة مع الفاعلين المحليين وتحديد القطاعات الواعدة بهذه السوق الصاعدة ذات المؤهلات القوية. وخلال اللقاءات التي انعقدت في إطار هذه القافلة، أعرب مسؤولون مغاربة وأفارقة عن رغبتهم المشتركة في التقدم في التعاون جنوب ` جنوب وتطوير علاقات المنفعة المتبادلة. وبناء على هذا المنطق، تتاح للمغرب أسواق جديدة بالمجموعة الإقليمية المتكونة من 15 بلدا، كما يتيح لشركائه ولوج حوالي 50 دولة بفضل اتفاقات التبادل الحر التي أبرمها مع عدة بلدان ومجموعات إقليمية. وسيمكن التوصل إلى اتفاق بين المغرب وفضاء الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، الذي يوجد قيد الإتمام، من التقدم في هذا الأفق وتقديم نموذج ملموس وبناء للرغبة المشتركة في التعاون جنوب ` جنوب.