أجمعت التصريحات التي استقتها «التجديد» حول الزيارة الملكية لدول إفريقية ودلالاتها على أهمية العمق الإفريقي بالنسبة إلى مستقبل المغرب، على اعتبار أن من روافد الهوية المغربية المتنوعة الرافد الإفريقي، وقد رأت بعض التصريحات أن الرحلة التاريخية هي تفعيل لما دعا إليه جلالة الملك من ضرورة نهج سياسة دبلوماسية هجومية عوض أخرى انكفائية ودفاعية، وهي أي الزيارة في الوقت نفسه مبادرة لتجاوز ضعف حاصل، سواء في الدبلوماسية المغربية أو مستوى علاقات المغرب بإفريقيا، بحكم وجود تقصير كما جاء في أحد التصريحات في تصور المغاربة ككل، وليس الجهاز الدبلوماسي فقط، لموقعهم في غرب القارة الإفريقية، والذي تربطهم بشعوبها روابط دينية وتاريخية قوية. عبد الفتاح البلعشمي، رئيس الجمعية المغربية للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات:"الزيارة سدٌ لفراغ وتطبيقٌ لما دعا إليه جلالة الملك من نهج دبلوماسية هجومية خدومة لمصالحنا" "إن الزيارة الملكية لدول إفريقية تنسجم وما كان ينادي به جلالة الملك منذ اعتلائه العرش، بحيث كان يدعو إلى تأهيل الدبلوماسية المغربية في محاولة لجعلها أكثر دينامية وفاعلية، وقد قال في افتتاح دورة أكتوبر البرلمانية للسنة الماضية بضرورة نهج سياسة هجومية، والمقصود بها هو المبادرة، والأكيد أن زيارته ستغطي فراغا والذي ربما لم تبادر أجهزة أخرى لسده كالجهاز التقنوقراطي أو حتى المجتمع المدني والفاعلين الآخرين الذين لم يتحركوا بالمستوى المطلوب. ولما يحدث تحرك من القمة وبهذا النوع فإنه سيفتح المجال لتكثيف أكثر لعلاقات المغرب بالدول الإفريقية، كما أن مشاركته الفاعلة في مجموعة دول الساحل ومجموعة خمسة زائد خمسة هي أيضا تدعيم بشكل غير مباشر لهذه العلاقات، سواء مع الدول الواقعة في شمال القارة أو في جنوب الصحراء، وقد جاءت الزيارة لتدعيم لتلك العلاقات في اتجاه دبلوماسية مغربية خدومة لمصالحنا الوطنية. كما تندرج هذه الزيارة في سياق تدعيم العلاقات بين دول الجنوب فيما بينها، وذلك اعتبار لأن المغرب هو الآن خارج منظمة الوحدة الإفريقية، وله قضايا لا بد من الناحية السياسية أن ترتبط بدول إفريقية نظرا للبعد الحضاري الذي يشكله المغرب داخل القارة، وكذلك من الناحية الاقتصادية، بحيث إن المجال الإفريقي وعاء يجب على المغرب أن يستثمره من خلال الاتفاقيات الاقتصادية التي يوقعها، ومن خلال البحث عن أسواق جديدة، وهو الأمر الذي لا يمكن استثناء قارة تضم عددا كبيرا من السكان منه، ولها روابط تاريخية وسياسية ودينية مع المغرب، والذي كان يشكل دائما قطبا إفريقيا ينبغي تكريسه، ثم إن العلاقات بين المغرب والدول الإفريقية هي ثابت من ثوابت السياسة الخارجية لبلادنا منذ زمن بعيد، وكان يحتاج إلى نفس جديد أعطته إياه الزيارة الملكية. والأكيد أنه سيكون للاتفاقيات الموقعة خلال الزيارة منافع متبادلة للمغرب وتلك الدول، بحيث إن بلادنا تبحث عن أسواق جديدة، والطرف الثاني يحتاج إلى اكتساب خبرات معينة في قطاعات متعددة، والملاحظ أنه تم التوقيع على اتفاقيات محددة وبحضور مسؤولين كبار، وهو ما سيعجل بتسريع وتيرة التعاون والتبادل وخدمة المصالح المشتركة. ومن جهة أخرى، فإن الزيارة تأتي في ظروف تمر فيها قضيتنا الوطنية الأولى (الوحدة الترابية) بمنعطف نحو ما نرغب فيه من حل سياسي في إطار السيادة والوحدة الوطنية وبالشروط التي حددتها الأممالمتحدة، ونعرف أن للدول الإفريقية دور في الموضوع بشكل أو بآخر، وأن التأثير الذي ستحدثه الزيارة خدمة للقضية الوطنية لن ينحصر على الدول التي زارها جلالة الملك، لأن كل دولة من الدول الأخيرة لها تأثير على محيط معين". عبد الهادي التازي، مؤرخ ودبلوماسي سابق:"بالرغم من غياب المغرب عن كرسيه بالمنظمة الإفريقية فقد ظلت صلاته بدول إفريقيا متينة" "إن هوية المغرب إفريقية، ولا يمكن للمغرب أن يكتب تاريخه إلا مرتبطا بتاريخ إفريقيا والعكس صحيح، ثم لا بد أن نذكر أن قطعة من عملة دولة إفريقية كانت إلى العهد القريب تحتوي على صورة للملك محمد الخامس، ومعنى ذلك أن جيراننا وإخواننا في إفريقيا كانوا يعبرون عن تلك الصلات بمثل هذه المبادرات الجيدة، ولا بد أن نذكر أن أول مهمة دبلوماسية قام بها الملك محمد السادس، وهو ما يزال آنذاك وليا للعهد سنة ,1980 كانت هي الرحلة التي زار فيها عددا من الدول الإفريقية، حيث تعرف وهو ما يزال ناعم الأظافر على جيرانه وإخوته في عين المكان. وإنه لا يوجد هناك إطلاقا ما يفرق بين المغرب وإفريقيا. وللتدليل على مدى متانة العلاقات بين الطرفين، فإن المغرب بالرغم من غيابه عن كرسيه بالمنظمة الإفريقية ظلت صلاته بدول إفريقية متينة باستمرار، وظل يشعر بأن خطواته في التنمية مرتبطة بخطوات إخوته في الدول الإفريقية، ومن ثمة نجد في كل بلد من البلاد الإفريقية حضورا مكثفا للمغاربة والعكس صحيح، فنحن نشاهد إخواننا وأبنائنا الأفارقة بمختلف المؤسسات الأكاديمية والعلمية المغربية، ولذلك اعتبر أن هذه الرحلة ستعطي نفسا جديدا للعلاقات بين المغرب وجيرانه، كما أنها تنعش الأمل بغد أفضل للمستقبل الذي يربطه بهذه الدول جميعها". محمد العربي المساري، كاتب صحفي ومهتم بالعلاقات الخارجية للمغرب:"هناك تقصير من المغاربة ككل في تصورهم لموقعهم في غرب القارة الإفريقية" "إن العلاقة مع إفريقيا ضرورية للمغرب، والواقع أن هذه دول القارة تتجاهلها بالقدر الذي نتجاهلها، مع أن للمغرب رصيد كبير فيها، سيما في غربها، والبعد الأساسي لهذا الرصيد هو البعد الإسلامي، ذلك أن أجدادنا رحمهم الله هيئوا الأرضية وأنشئوا روابط عميقة مع شعوب تلك المنطقة، كما أن المغاربة القاطنين هناك يحظون بسمعة طيبة، بحيث إن تعامل سكان تلك الدول معهم مختلف عن تعاملهم مع الآخرين، فنظرة إيجابية جدا للمغاربة. ولحسن الحظ أن الدول كلها التي زارها جلالة الملك متعاطفة مع المغرب في قضية وحدته الترابية ما عدا البنين التي كانت غير ذلك في فترات سابقة، فالسينغال مثلا تحمل الدفاع عن المغرب بقوة وشجاعة في غيبته، وكذلك الكاميرون وساحل العاج. بيد أن الملاحظ أن المغاربة ككل يتجاهلون إفريقيا، فرجال الأعمال يتجاهلون أن لهم فرص عظيمة في القارة، وكذا رجال الثقافة الذين يتجاهلون أن للمغرب حضورا قويا في غرب إفريقيا، والأمر نفسه ينسحب على السياسيين، فمن هو الحزب المغربي الذي له علاقات وطيدة بالأحزاب القائمة في تلك البلدان؟ ! صحيح أن الأوضاع متوترة فيها باستثناء السينغال الذي ينعم باستقرار ديمقراطي، وحدث فيه تناوب طبيعي وبمرونة، وأن هذا المعطى لم يساعد على إقامة علاقات سياسية، ولكن هذا لا يمنع من القول بأن هناك تقصير في ما يتعلق بتصور المغاربة ككل، وليس الدولة، لموقعهم في غرب القارة الإفريقية".