لا شك أن الزيارة الملكية لخمس دولة في غرب القارة السمراء (البنين، والكاميرون، والغابون، والنيجر، والسينغال) زيارة تاريخية بكل المقاييس وفتحٌ دبلوماسي، وذلك لاعتبارات مرتبطة بتوقيتها ومدتها ودلالاتها العميقة، فمن حيث الشكل فالرحلة الملكية تعد الأطول من نوعها التي يقوم بها جلالة الملك منذ اعتلائه العرش، فقد تجاوزت مدتها 10 أيام، وزار خلالها بلدان لأول مرة تطأ فيها قدم عاهل مغربي ترابها كدولة النيجر، أما من حيث دلالاتها العميقة فإن الزيارة تعكس رغبة المغرب في تقوية علاقاته بدول القارة الإفريقية التي تعد بعضها من أفقر الدول على البسيطة، وأكثرها اضطرابا على المستوى السياسي، لما تعرفه بين الفينة والأخرى من انقلابات مسلحة فضلا عن نزاعات دائمة وحروب أهلية. ومما يجدر ذكره في هذا السياق أن المغرب، وإن كان خارج منظمة الوحدة الإفريقية بسبب اعترافها بمرتزقة البوليساريو، فإن علاقته مع الدول الإفريقية لم تنقطع قط، بل بالعكس ما فتأ يعبر بالقول والفعل عن إحساسه العميق بانتمائه للقارة وارتباط مساره التنموي بمسارها ككل، وتجلى هذا في مبادرته المشهودة في القمة الإفريقية الأوروبية المنعقدة بالقاهرة في أبريل,2000 حيث أعلن جلالة الملك محمد السادس عن إلغاء جميع ديون البلدان الإفريقية الأقل نموا تجاه المملكة، وعن رفع كل الحواجز الجمركية أمام المواد المستوردة من هذه البلدان. كما تعد نجاح الوساطة المغربية لحل النزاع في منطقة نهر مانو إنجازا دبلوماسيا تاريخيا، بحيث استطاع المصالحة بين الأطراف المعنية في 27 فبراير ,2002 وهي ليبيريا وسيراليون وغينيا، وتوج الحدث بالتوقيع على وثيقة أرجعت المياه إلى مجاريها. وجاءت هذه الزيارة الأخيرة لتأكد هذا التوجه المغربي في سياسته الخارجية، بحيث تعتبر تقوية العلاقات مع الدول الإفريقية أحد ثوابتها، بيد أن هذه الحقيقة لا تخفي ما يلاحظه المتتبعون من ضعف على مستوى مبادلاتها الاقتصادية بين المغرب والدول الإفريقية مقارنة بمبادلاتها مع الاتحاد الأوروبي مثلا، ويزيد من هذا الوضع ضعف اهتمام رجال الأعمال المغاربة بالفرص الكامنة في الدول الإفريقية، وحتى العلاقات السياسية والثقافية بين القوى الفاعلة في المغرب من جهة والدول الإفريقية من جهة أخرى ما تزال هي الأخرى ضعيفة إلى منعدمة. والملاحظ بأن بعض الدول التي شملتها الزيارة الملكية وصلت علاقتها مع المغرب مستو متقدما إلى درجة الاتفاق على عقد شراكة استراتيجية نموذجية للتعاون بين دول الجنوب فيما بينها كحال المغرب والسينغال، أو إلى درجة الاتفاق على استكمال الإجراءات والمباحثات لتوقيع اتفاق للتبادل الحر كحال المغرب والغابون، في حين ما تزال علاقات المغرب بالبعض الآخر كالنيجر والكاميرون في بدايتها، وكانت الزيارة الملكية مناسبة لإعطائها دفعة قوية للنهوض بها. التجديد تقدم للقارئ ملفا حول الزيارة الملكية تتحدث فيه عن أبعادها التاريخية والسياسية والاقتصادية، والسياق الذي تندرج فيه، كما استقت شهادات في الموضوع لمتتبعين ومختصين في الشأن الدبلوماسي، وأنجزت جدولا توضيحيا لتفاصيل الزيارة من حيث رزنامتها الزمنية وحصيلتها والاتفاقيات التي أبرمت خلالها. إدريس الكنبوري/محمد بنكاسم § جولة جلالة الملك في القارة السمراء..التقارب المغربي الإفريقي أولا-تحليل * مختصون ومهتمون بالشأن الدبلوماسي ل "التجديد":الزيارة الملكية تفعيل لنهج دبلوماسية هجومية وهناك تقصير للمغرب تجاه علاقاته بإفريقيا