تقترن متعة السينما، عادة، بالتمتع بنعمة البصر، وأن يتمكن فاقد هذه النعمة من الاستمتاع بها ، فهي المعادلة الصعبة التي استطاع المهرجان الدولي للفيلم بمراكش أن يفك شفراتها للسنة الثالثة على التوالي من خلال تقنية "الوصف السمعي" التي تجعل الكفيف يشحذ حواسا أخرى بقدرة عجيبة وخارقة لا يستطيعها "المبصر". ولوج فاقد البصر إلى عالم السينما قد يبدو "سرياليا"، لكن أن يتيح مهرجان مراكش هذه الإمكانية، يخرج هذا الأمر من هذه الخانة ليصبح "واقعا حقيقيا"، وللمعنيين بهذا الموضوع رأيهم في ذلك، وأن يصدر هذا الرأي من شخص عاش لحظات تجربتي مشاهدة السينما ، قبل وبعد فقده لنعمة الإبصار وليس البصيرة ، فسيكون هذا الرأي "استثنائيا". عاش الأستاذ والقاص حسن إغلان (كفيف)، التجربتين، فأسر لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن مشاهدته على سبيل المثال لفيلم محمد عبد الرحمان التازي "البحث عن زوج امرأتي" بين التجربتين ، "أمر مختلف" . "ففي إنصات الكفيف واستماعه للفيلم تغييب للمخرج وحضور للمنصت"، يفسر إغلان، إذ يتحول المتلقي (الكفيف) إلى كاتب لنص الفيلم، وبالتالي فإن "تقنية الوصف السمعي" تملأ اللحظات الميتة في العمل السينمائي، وتجعل الكفيف يتلقى وصفا للحركات الصامتة، يشحذ من خلالها قوى إدراكية أخرى، ويلامس المسافات الفاصلة بين المشاهد الصامتة والناطقة، لتتحول المتعة السينمائية إلى "متعة مستفزة للكفيف وللسينما أيضا". استفزاز الكفيف للفن السابع يكمن في أن للضرير الحق، كغيره، في مشاهدة السينما، ويبقى سؤال اختراق الكفيف للعوالم الجمالية للسينما استفزازا، ، يؤكد الاستاذ إغلان، وهنا تبرز أهمية تعميم تقنية الوصف السمعي في المؤسسات التعليمية لتمكين الناشئة الضريرة، عموما، من ضبط حواشي الجمال ولمس كل تلاوينه وتفاصيله. أما الأستاذ الجامعي محمد الدكالي، الذي نشط اليوم الخميس ، من ضمن آخرين، ندوة في إطار فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش حول موضوع "دور السينما في ولوج المكفوفين وضعاف البصر إلى عالم المعرفة"، فقال إن في كل الأعمال السينمائية، بما فيها الأفلام التي عرضت ضمن فقرة السينما بتقنية الوصف السمعي، مشاهد طويلة صامتة ، الضرورية في التعبير السينمائي، فضلا عن تعابير ملامح الشخصيات، إلا ان تقنية "الوصف السمعي" تتيح للمكفوفين وضعاف البصر إدراك كل هذه التفاصيل الدقيقة. ولا تهم هذه التقنية فقط هذه الفئة، بل تتجاوزهم إلى من يتمتعون بنعمة الإبصار ، يضيف الأستاذ الدكالي (كفيف) ، التي "تمكنهم من إدراك حدة أو رقة تعبير سينمائي صامت". وقد فتح المهرجان الدولي للفيلم بمراكش أبوابه منذ أول أمس الثلاثاء في وجه المكفوفين وضعاف البصر من خلال إدراجه سبعة أفلام بتقنية الوصف السمعي لفائدة مجموعة منهم، منها الفيلم المغربي "السمفونية المغربية" لكمال كمال، وهو ثاني فيلم مغربي يتم إعداده من قبل مؤسسة المهرجان بهذه االتقنية الجديدة. كما يشتمل برنامج هذه الفقرة، على أفلام "تشاو بونتان" (100 دقيقة) للمخرج الفرنسي كلود بيري، و"دروس في البيانو" لجين كامبيون و"الكراهية" لماتيو كاسوفيتش و"الابن المفضل" لنيكول كارسيا و"كل يبحث عن قطه" لسيدريك كلابيتش و"كل صباحات العالم" للمخرج آلان كورنو، وتعرض كلها بشراكة مع (آر.تي.أو).