اعتبر الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة السيد محمد بن عيسى، مساء أمس الجمعة بأصيلة،أن المفكر والفيلسوف الراحل محمد عابد الجابري يعد، في حياته وفي رحيله، منارة فكرية شامخة وخالدة، وعقلا عربيا مشتعلا باستمرار. وأشار السيد بن عيسى خلال ندوة حول" محمد عابد الجابري: العقل المفقود" نظمتها جامعة المعتمد بن عباد الصيفية في إطار الدورة الثانية والثلاثين لموسم أصيلة الثقافي الدولي، إلى العطاء الفكري والعقلاني المتنور للراحل، الذي وافته المنية في ماي 2010، والتزامه الصادق بقضايا وطنه وبوحدة أمته وتقدمها. وذكر أن اللقاء يشكل مناسبة لاستعادة مسار فكري وفلسفي مؤثر وغني بالعطاء، وبالمصنفات الفكرية والفلسفية للراحل الجابري، الذي ساهم بشكل كبير"في إعادة قراءة تراثنا الفلسفي والفكري العربي الإسلامي". وأضاف السيد بن عيسى، خلال هذه الندوة التي عرفت حضور ثلة من الأدباء والمفكرين والباحثين العرب، أن "من الصعوبة أن نقول بتوقف تموجات أثر هذا النموذج الفذ، في عصاميته وجديته واستقامته"،مسجلا حرص الراحل على تحريك الساحة الفكرية والنقدية على مختلف الجبهات، وعلى مدى حدسه واستشعاره حاجة الفكر العربي إلى إعادة الابتكار والتطوير. ومن جهته، تطرق نجل المفكر المغربي الراحل، عصام الجابري، في موضوع حول "تحدي الحداثة"، إلى إسهامات والده الذي "أسس مشروعا فكريا نهضويا ينتج آفاقا تحليلية جديدة"، وكذا بلورة فكر عربي جديد ينفتح على عالم معاصر دون أن يسجن في تراثه. وسجل أن تعامل محمد عابد الجابري مع التراث ينطلق من هاجس الإرتقاء بطريقة التعامل معه إلى مستوى المعاصرة. وتناولت باقي المداخلات في هذا اللقاء، إسهامات الجابري الهامة في تحقيق ازدهار الفلسفة العربية، معتبرين أنه افتتح حقبة جديدة في الفكر العربي الفلسفي تتمثل في المشاريع النقدية، معتبرين أنه حقق نقلة نوعية من نقد الإيديولوجية إلى النقد المعرفي الإبستمولوجي للعقل. وسجل المتدخلون قدرة الراحل الجابري على "استيعاب متغيرات زماننا بتقديم إضاءات مفيدة اليوم وغدا في كثير من أسئلة التراث"، فضلا عن إسهامه في بلورة موقف فكري يضيء أفعال وتفاعلات المشهد السياسي. كما تطرقت المداخلات، التي استعرضت أيضا جوانب إنسانية من حياة الراحل، إلى إسهام الجابري في تصنيف حقول المعرفة داخل الثقافة العربية، داعين إلى إعادة قراءة المشروع الفكري الضخم الذي تركه الراحل، ومن ثم إعادة تمثل سيرة الذاتية والفكرية، معتبرين أنه سيظل بالنسبة للجميع قدوة فكرية ونموذجا إنسانيا. واستعرضت المداخلات أيضا تأثير الراحل على جيل كامل من الفلاسفة والمفكرين الجدد في المغرب والعالمين العربي والإسلامي، معتبرة أنه كان محفزا لأقرانه في التوغل في قضايا فكرية وفلسفية متشعبة، دون إغفال دوره الرائد في ترسيخ سبل التواصل والحوار المثمر بين المغرب والمشرق، والتواضع الذي طبع حياته، حيث انصرف إلى التأليف بعيدا عن الأضواء والصخب الإعلامي. وقد ألف المفكر محمد عابد الجابري،المزداد عام 1936 بمدينة فكيك(شرق المغرب)والحاصل على دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 من كلية الآداب بالرباط، العديد من المؤلفات من ضمنها بالخصوص ثلاثية نقد العقل العربي التي ضمت "تكوين العقل العربي" و"بنية العقل العربي" و"العقل السياسي العربي"، أعطى فيها للعقل دورا محوريا في إعادة قراءة العقل العربي. يذكر أن أشغال ندوات الدورة ال`25 لجامعة المعتمد بن عباد الصيفية تستضيف هذه السنة ثلة من المفكرين والأدباء العرب في مختلف الميادين، يساهمون في إثراء نقاشات الندوات.