هل توجد قراءة صحيحة لبعض زوايا الوضع في مغرب ما بعد 20 فبراير؟ من هي الجهة صاحبة «الفتوى السياسية» بإنشاء حركة مضادة لحركة 20 فبراير تسمى ب«شباب 9 مارس»؟ هل لازال في المغرب من «يفتي سياسيا» بأعمال القاعدة القديمة القائمة على الحشد المضاد؟ إن المسافة السياسية بين 20 فبراير و20 مارس، تبين أن هناك خللا ما في تقييم احد جوانب حركة 20 فبراير، إما من خلال تقزيم حجمها في أرقام احتجاجية أو دعوة بعض المكونات الحزبية الحكومية إلى إغلاق أبواب الإعلام أمام بعض مكوناتها الشبابية. لكن، يبدو أن الذين يقدمون الوصفات السياسية للسلطات العمومية حول حركة 20 فبراير لا يجيدون طرح ما يسمى في السياسة بالأسئلة الاستراتيجية على شاكلة: لماذا خرج الشباب إلى الشارع يوم 20 فبراير في جل مناطق المغرب رغم عدم وجود قيادات ظاهرة تدعوهم إلى ذلك؟ أليس معنى هذا أن حركة 20 فبراير هي حركة مطلبية مفتوحة على كل من يرى نفسه مرتبطا بمطالبها؟ ولماذا تزايد العدد يوم 20 مارس إذا لم يكن هناك تجاوب مع مطالب الحركة كما يعتقد البعض؟ ألم ينتبه أصحاب وصفة «شباب 9 مارس» إلى توزيع الخارطة الاحتجاجية السلمية بين 20 فبراير و 20 مارس؟ أليس معنى هذا أن الحركة تكسب ثقتها في الشارع يوما بعد يوم؟ فكيف يتم قبول وصفة «شباب 9 مارس» مقابل حركة شباب 20 فبراير؟ وهل هناك إدراك لحجم مخاطر وصفة «شباب 9 مارس»؟ إن الجواب بفكرة «شباب 9 مارس»، يقودنا إلى إعادة استحضار مجموعة من الاختلالات في المسلسل السياسي المغربي، لا نعرف لحد الآن من يقدم الوصفات السياسية التي تقود إليها: الاختلال الأول، وهو توقف مسلسل الدمقرطة بعد أحداث 16 ماي. الاختلال الثاني، عدم الاشتغال على تعديل دستوري مباشرة بعد إنهاء هيئة الإنصاف والمصالحة لعملها. الاختلال الثالث، إنشاء حزب جديد بعد انتخابات 2007 وتحوله إلى فريق برلماني كبير في المؤسسة التمثيلية دون المشاركة في انتخابات 2007، وفوزه بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الجماعية لسنة 2009، وهو ما يبين أن الاحتجاج عليه اليوم ناتج عن أن جزءا من المجتمع كان يتابع السلوك السياسي للدولة في إنشاء هذا الحزب، ويتابع إمكانياته المادية مقارنة بالأحزاب الأخرى وموجة الهجرات نحوه والطريقة التي يقدم بها في الوصلات الإعلامية، وإعلانه أن التحالف مع الإسلاميين خط أحمر، وكل ما نتج عنها من صراعات، دون أن تنتبه قياداته إلى أن هذا الإعلان يأتي في زمن موت أسطورة الخوف من الإسلاميين، وبالتالي فرفع المحتجين لشعارات مضادة لهذا الحزب يبين أن شقوقا سياسية واجتماعية قد وقعت ولا يمكن التحكم فيها دون إعادة تحديد وظيفة هذا الحزب وتقليص سقفه . الاختلال الثالث، مرتبط بتدبير حدث مخيم «اكديم ازيك»، وهنا يمكن طرح سؤال واحد فقط يجب أن يتأمله أصحاب الوصفات السياسية، وهو ماذا لو تأخر حدث اكديم ازيك إلى شهر دجنبر أو يناير؟ الاختلال الرابع، وهو المتمثل حاليا في إنشاء حركة «شباب 9 مارس» التي تقول في بيانها إنها تسعى «إلى بعث نفس جديد في روح الشباب»، وهو خطاب لا يبتعد كثيرا عن ما رددته بعض الأحزاب السياسية خلال السنتين الأخيرتين. ويبين هذا الاختلال الرابع، أن واضعي الوصفة السياسية لم ينتبهوا إلى خطر تقسيم الشباب في المغرب إلى شبابين، أكثر من هذا أنهم لازالوا لم يستوعبوا حركة 20 فبراير، بمعنى أنهم يفكرون فيها كسحابة عابرة، وهو تقييم غير صحيح، وحتى لو عملنا بفرضية أن 20 فبراير حركة آتية من تأثيرات ربيع الديمقراطية في العالم العربي، فإن مخاطر عدم تلبية الجزء الذي له تمثيلية كبرى في مطالبها قد يقود، ولو توقف الآن، إلى حركة مطالب أكبر في المدى القصير أو المتوسط . ويبدو أن التيار الذي يقدم وصفة «شباب 9 مارس» لا يمارس أدوات التحليل السوسيولوجي،التي تبين أن جيل حركة 20 فبراير هو تركيبة جيلية متعلمة من شباب فقير في الأصل، أو شباب انتقل إلى الفقر بعد أن كان آباؤه ينتمون إلى الطبقة الوسطى قبل أن تموت منذ سنوات، فانتبهوا يا مقدمي الوصفات السياسية إلى مخاطر فكرة «شباب 9 مارس» الذين نزلوا إلى الشارع بلباس مختلف تبدو فيه إشارات الدعم، فحذار من عدم فهم واستيعاب شباب 20 فبراير الذي يربط جيدا بين مطلب الخبز والكرامة والدستور.