في الصورة جانب من مسيرات 20 مارس - تصوير: منير امحيمدات (تفاعلا مع مقال الزميل جواد غسال) كتب الزميل المحترم "جواد غسال" مقالا تفاعليا مع جانب من جوانب الحراك الذي أحدثته، وما تزال، حركة 20 فبراير، مركزا رؤيته، هذه المرة، على جانب مهم في البنية الداخلية لحركة 20 فبراير، ومحذرا من أن تنزلق جماعة العدل والإحسان إلى "مطب كبير" تحاول الدولة أن توقعها، و20 فبراير، في أثونه (مقال: العدل والإحسان والمطب الكبير). وقد خلص الكاتب إلى القول بأن العدل والإحسان "تساوقت" مع "المطب" و"الفخ" الذي أرادته لها أجهزة أمنية وإعلامية، من خلال "سعيها تدريجيا إلى التمايز على باقي التنظيمات، وخلق مسافات تسمح للإعلام بقراءة قوتها التنظيمية، وطبيعة حجمها في الشارع المغربي". لتسمح لي أخي جواد، وأنت بالمناسبة صاحب قلم أنيق وأفكار نافذة، أن أختلف معك فيما توصل إليه، وأناقشك في مضمون ما قدّمتَ، مع يقيني بسلامة نيتك بقدر قناعتي بخطأ الأفكار التي عرضتَ. وأسجل عليك في البدء ملاحظتين شكليتين قبل النفاذ إلى الجوهر: أولا: خلا مقالك من البعد الاستدلالي لتعزيز الاستنتاجات التي تُرجِّحها، فخلاصة تساوق الجماعة مع المطب الذي أريد لها رسميا، وسيرها التدريجي إلى الفخ المنصوب لها، يحتاج منك إلى استدعاء قول وفعل الجماعة المثبت لذلك. وحديثك عن "سعيها تدريجيا إلى التمايز على باقي التنظيمات...." يتطلب منك أن تقدم مؤشرات هذا "السعي" وحركة هذا "التدرج" كي نلحظها جميعا. وهو ما كان غائبا تماما عن مقالك. ثانيا: وقعتَ في خطأ منهجي ثلاثي التركيب، أربكتَ معه من يريد أن يتابع مقالتك لفهمها، وفهم جدوى بعض فقراتها: * صعّبتَ من جهة على القارئ تَبيُّن القول الذي تتباه أنت من قول جهازي الأمن والإعلام الذي أوردته كخلاصات على لسانك. فعندما تخوّفتَ في فقرتك الثانية من مسار مجهول "قد تتخذه "الثورة" المغربية، والمطب الكبير الذي تسعى العديد من الجهات، أمنية وإعلامية، إلى صنعه، من خلال التركيز على جماعة العدل والإحسان"، رَجَعتَ في الفقرة الرابعة، بعد استطراد امتد لفقرة بأكملها (الفقرة الثالثة)، لتواصل الحديث عن تحليل الدولة، من خلال جهازيها، عن خلفيات الجماعة وراء انخراطها في حركة 20 فبراير، وقلت "جماعة العدل والإحسان، بداية ووفق القراءة الأولى للجهازين،...."، ولم يسبق فيما كتبت أن ذكرت الجهازين، مما صعّب الفهم ونسب الأفكار، أهي قناعاتك أم قناعات السلطة توردها في سياق العرض والتحليل؟ * ثم واصلت عرض الأفكار على طول المقال تقريبا بنفس الخلط "وأنها، ثانيا، تقوم بمواجهة التنظيمات الحزبية الأخرى"، و"أنها تركز، ثالثا، على الخطوات التكتيكية، غير المحسوبة، وتغفل محاور التخطيط الاستراتيجي"، وصولا إلى القول بأن تحالف الجماعة مع اليسار الراديكالي تحالف تكتيكي وليس استراتيجي إذ "سرعان ما تبخر مع أول عزم لها على استعراض القوة (نموذج الرباط)". وكل هذه الأفكار وما ورد بين ثناياها لا نعلم أهو تحليلك المقتنع به أم آراء الدولة أوردتها على قلمك؟. * غير مفهوم أيضا، وأنت تحذر العدل والإحسان من "المطب الكبير"، أن تملأ مقالك بمجموعة من الأقوال المتعسّفة والأفكار الجاهزة والرؤى المشككة التي يروج لها الجهازين الأمني والإعلامي، حتى أثقلت عليه، وبدا لوهلة وكأنه يسوق لها من حيث لا يريد صاحبه. وقد كان يستحسن، حسب وجهة نظري، نقاش لماذا تريد السلطة إيقاع العدل والإحسان، ثم حركة 20 فبراير، في هذا المطب؟ أو المحاذير العملية والتصورية التي على الجماعة تجنبها حتى لا تنزلق إلى هذا الفخ؟ أو غيرها مما هو أفيد من تكرار وإعادة إشاعة ونشر أقوال السلطة المهترئة. وفيما يلي نقاش الفكرة الجوهرية: بدا واضحا لكل متتبع أن ثمة خطة رسمية، تصرفها بعض وسائل الإعلام ومنابر السياسة في المقام الأول والأجهزة الأمنية في المقام الثاني، تستهدف ضرب لحمة تنسيقيات 20 فبراير والتنظيمات السياسية الداعمة لها، وكان الخيار السهل/ الصعب هو العزف على وثر "الفزاعة" الإسلامية، من خلال العدل والإحسان ما دامت هي التيار الإسلامي الأبرز المنخرط في مطالب الشعب المغربي بالتغيير الشامل التي انطلقت منذ فبراير الماضي. وتراوح العزف ما بين التخويف من ركوب الجماعة على الحركة والهيمنة على قراراتها وحراكها الميداني، والدفع بالمغرب نحو القلاقل والمجهول من خلال توتير الأوضاع وافتعال التأزيم وإن انعدمت مبرراته، واللعب على الاختلافات الإيديولوجية والسياسية مع اليسار الجذري الطرف الثاني الرئيسي في الحركة والحراك، والتفرقة بين مطالب الشباب المشروعة والجهات الأخرى (الجماعة واليسار) صاحبة الأجندات الخاصة. وإذا كان سعي النظام السياسي لا غبار على وضوحه في الدفع بالحركة الاحتجاجية نحو توهم هذه الخلافات والتناقضات والتخوفات، فإن القول بأن العدل والإحسان قد وقعت فعليا في هذا "المطب الكبير"، إما قلة وعي سياسي منها أو رغبة في اكتساب أرباح ذاتية تنظيمية على حساب "20 فبراير ومكوناتها"، فيه تجنٍّ كبير وسطحية واضحة وتبسيط مخل بالحقيقة. بل على العكس من ذلك يمكنني القول بأن جماعة العدل والإحسان أثبتت أنها أحرص ما تكون على العمل المشترك والفعل الجماعي والتنسيق مع مختلف المكونات داخل "حركة 20 فبراير"، وهذا دليلي: أولا: تصوّريا: أصبح من ثابت قراءة أدبيات العدل والإحسان ورؤاها النظرية وتصورها السياسي أنها لم تنفك منذ زمن بعيد، وقبل انطلاق الثورات العربية وحركة 20 فبراير، تدعو لشيء اسمه "الميثاق"، حرصا على البناء الجماعي لمستقبل المغرب. وبات من مسلمات دعوتها هذه، لدى كل متتبع منصف، أنها لا تقصي أحدا، بل تطالب بانخراط الجميع وعلى أعين الشعب صاحب السيادة. ويمكن لمن أراد الوقوف عند صدقية هذا القول الرجوع إلى الكتب الحوارية لمرشد العدل والإحسان مع النخب والفضلاء والديمقراطيين (من أجل حوار مع النخبة المغربة، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، حوار مع صديق أمازيغي، حوار الماضي والمستقبل)، أو البيانات الرسمية للجماعة وآخرها البيان الختامي ل"المجلس القطري للدائرة السياسية" بتاريخ 15/16 يناير الماضي، أو الوقوف عند ذلك بنوع من الإمعان مع مبادرات العدل والإحسان وآخرها مبادرتي نداء "حلف إخاء" و"جميعا من أجل الخلاص" الصادرتين على التوالي عن مؤسسات الجماعة في دجنبر 2006 ودجنبر 2007. ثانيا: إعلاميا: لم يصدر عن المتحدثين باسم الجماعة لوسائل الإعلام طيلة هذه المدة الفاصلة عن انطلاق الحركة الاحتجاجية، ما يفيد بأن العدل والإحسان حريصة على التميز عن "باقي التنظيمات، وخلق مسافات تسمح للإعلام بقراءة قوتها التنظيمية، وطبيعة حجمها في الشارع المغربي" كما أورد صاحب المقال. بل على العكس من ذلك تماما دفعت كل التصريحات إلى ذوبان الجماعة وسط المجموع، من خلال حرص الخطاب السياسي والإعلامي للعدل والإحسان على التأكيد على أنها جزء من الشعب مطالبه مطالبها وما يعنيه يعنيها. ويكفيني هنا أن أقول بأنه حتى الوقفات التي تنظمها الجماعة يوم الجمعة تضامنا مع الشعبين الليبي واليمني، والتي فاقت 100 وقفة في الجمعتين الأخيرتين 11 و18 مارس، لم ينسبهما البلاغان الصادران عن الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، التابعة لجماعة للعدل والإحسان، إلى رصيد الجماعة بل إلى الشعب المغربي (طالع البلاغين على الرابطين الآتين في موقع الجماعة الإلكتروني: البلاغ الأول http://www.aljamaa.net/ar/document/40391.shtml، البلاغ الثاني: http://www.aljamaa.net/ar/document/40640.shtml ). ثالثا: تنسيقيا: حرص شباب العدل والإحسان ضمن التنسيقيات المحلية ل"حركة 20 فبراير" على تغليب الروح الجماعية إلى أبعد مدى، وتنازلوا في كثير من الجزئيات والتفاصيل، المؤثر بعضها، لإنجاح هذا التنسيق غير المسبوق في المغرب، ويمكن لمن أراد التدقيق، وليس إطلاق الأحكام على عواهنها، أن يرجع ليستفسر باقي الأطراف في التنسيقيات المحلية أو المجلس الوطني الداعم لهذه الحركة الشريفة. وأعتقد أن استنكار غزلان بن عمر، إحدى منسقات حركة 20 فبراير بالدار البيضاء، توظيف تصريحها للقناة الثانية الذي اجتُزِئ خدمة ل"المطب الكبير"، أو رفض شباب الحركة في البرامج الحوارية، التي تكاثرت كالفِطر في قناتي "العام زين"، الإشارة إلى "خطر توظيفهم من قبل العدل والإحسان"، أو الرفض القاطع للمناضل الحقوقي والسياسي عبد الحميد أمين لأكذوبة "فزاعة الإسلاميين" على القناة الثانية، مؤشرات أولى على قناعة تلك الأطراف باتزان و"تقدمية" الجماعة في التزامها التنسيق، ورفضها الاستفراد والاستحواذ. رابعا: ميدانيا: كل ما سبق يصدقه أو يكذبه الميدان والفعل في الواقع، وأرى، وكل منصف، أن شباب وأعضاء الجماعة حريصون على الالتزام بما هو مسطر ومتفق عليه بين شباب التنسيقيات والمجالس الداعمة. فهل رفعت العدل والإحسان شعارات خاصة بها؟ ولافتات تعبر عن وجودها؟ وتكتل أعضاؤها في مسيرات خاصة بعيدة عن التأطير المشترك للتنسيقيات؟ وأتحدى أن يأتينا أحد بصورة تظهر لافتة مكتوب عليها "جماعة العدل والإحسان" منذ أن خرجت الاحتجاجات في شوارع المغرب. ومن غريب التضخم المزمن والمَرَضي لبعض المنابر المأجورة، التي تنظر ل"الأحداث" بالنظارات المخزنية وليس "المغربية"، اعتبارها حضور الجماعة بحجم كبير وعدد ضخم سطو واستعراض عضلات واستعراض القوة رغم حاجة الاحتجاجات والمسيرات إلى كل مواطن ومواطنة. وهذه الاتهامات يمكنها أن تكون صحيحة إذا وقع الاتفاق داخل التنسيقيات على إنزال عدد مضبوط ومقدّر ومحدّد كتكتيك معين في مرحلة ما من معركة التدافع الميداني مع السلطة، أما وأن نحتاج إلى حشد وتعبئة أكبر الأعداد لإعطاء مطالب "20 فبراير" شرعية شعبية فإن الاتهام ساقط من الإعراب ولا محل له. وعلى العموم هؤلاء لن ترضيهم مهما فعلت وكيفما تصرفت، فأن تنزل بأعداد قليلة فهذا علامة ضعفك الجماهيري وانحباسك العددي، وأن تحضر بكثافة فأنت تستعرض العضلات والقوة (غريب: أصبحت "الجماهيرية" تهمة!). فعلا يحتار الحليم مع هذه المنابر ويعجز عن فهم منطق تفكيرها. وفي الختام أقول: للأخ الفاضل جواد غسان، وأصحاب الرأي: لا شك أن بلورة النقاش وتقديم النصح والنقد لحركة الشارع المغربي اليوم والأطراف الفاعلة في "20 فبراير" شيء حميد ومطلوب، دفعا لكل الاختلالات ما دامت في مراحلها الأولى، قبل أن تكبر وتتعاظم مخاطرها، غير أن هذه العملية تصبح لها أثارا عكسية ونتائج سلبية وأعباء مضافة عندما تخطئ التقدير وتفتقد التدقيق وتعوزها المعلومة وتنبني على التسرّع. وفعلا "النية الحسنة وحدها لا تكفي". ل"التنسيقيات المحلية والمركزية لحركة 20 فبراير": لا أتصور أن ذاتً واحدة يُستهدف عضو منها، لضرب الذات بضربه، دون أن تتعبأ وتتجنّد دفاعا عنه، ودفعا للخطر المحيط به وبها، فإذا كان شباب التنسيقيات قد رفض ترويج المخزن أنّ طرفا، العدل والإحسان في خطة الدولة هذه المرّة، يريد السطو على حركتهم ويوظفهم لأهداف خاصة، وهو الشيء الإيجابي واليقظة المحمودة، فإن "المطب الكبير" يستدعي، ما دام مستمرا وآخره تقرير القناة الثانية عن مسيرتي الرباطوالبيضاء في 20 مارس، إصدار بيانات واضحة وقاطعة تدين رداءة هذا الأسلوب وقصوره عن بلوغ أهدافه المكشوفة، ولم لا تنظيم وقفات احتجاجية أمام هذه المؤسسات المشبوهة. [email protected]