- عبد الواحد سهيل: حان الوقت لنقول لحركة 20 فبراير إن مطالبكم ليست كلها مشروعة - سعيد لكحل: الحركة قدمت هدية إلى جماعة العدل والإحسان وستتحكم فيها وفي مطالبها بشكل «ما»، وجدت جماعة العدل والإحسان نفسها جنبا إلى جنب مع من كان مفترضا فيه أن يكون خصما لذوذا: النهج الديمقراطي. وُضعت المسألة في أول الأمر، على شكل مصادفة غريبة، فالعدل والإحسان التي ألفت الاحتجاج بشكل خافت ك»نصيحة» لأولي الأمر، لم تر غضاضة في أن تصادق يساريين راديكاليين كانت أجندتهم على الدوام، خالية من الإسلاميين، أو بالأحرى،لقد شكل «الظلاميون» بالنسبة إليهم، مادة خصبة لاستثارة مشاعر العداء. لم يلتق الخصمان إلا بفضل حركة هي الأخرى صارت أكثر غموضا من هذه العلاقة الجديدة بين العدل والإحسان والنهج الديمقراطي، وإن كان جزء كبير من الغموض المذكور بدأ يرتفع ،وهو يرتبط بشكل أساسي بالارتباك الواضح لدى من يسمون أنفسهم شباب حركة 20 فبراير؛ أي أنه في منتهى السير بالنسبة إلى الطرفين معا؛ العدل والإحسان والنهج الديمقراطي ،وهما اللذان باتا يتحركان كما لو أن الهم هو (إسقاط النظام)؛ وإن اختلفت تسميات الهدف بينهما. لدى العدل والإحسان قاعدة انبنت بصلابة منذ عقود على مفهوم القومة، ولطالما شدد قادة الجماعة على أن القومة ليست في كل الأحوال ثورة، بل تتجاوزها لتمحو عن نفسها سمات العنف، لكنها في الوقت نفسه، تضع القومة في رهانات إستراتيجية مفتوحة، لم تكن يوما واقعية. بالنسبة إليهم، فإن وضع الإستراتيجية السياسية للجماعة في وضع سقوط حر، يجعلها أكثر انفتاحا على المستقبل وغير مقيدة بأي موقع يفرضه الواقع السياسي. مثل هذا اللاوضوح، جعل المراقبين أكثر حذرا من جماعة العدل والإحسان، ومن ثم، فإنهم يتوقعون منها دائما الأسوأ . وفيما شرعت حركة 20 فبراير، في خوض وقفاتها، لم تكن التجربة السياسية لشبابها التي تتراوح بين القليلة والمتوسطة، تسمح بفهم الحدود بينها وبين من يضعون نصب أعينهم قومة تثير الكثير من الريبة. ولم ينتظر المتتبعون كثيرا حتى باتت «سلمية» التظاهر تتحول شيئا فشيئا، إلى عنف. وبالرغم من أن هذا العنف لم يكن له من مبرر، حيث أن تفريق القوات العمومية للمحتجين شابته تجاوزات، إلا أن الجماعة بدت أكثر ارتياحا من نتائجه. الباحث سعيد لكحل، وهو متابع متخصص في موضوع الجماعات الإسلامية، أقل ارتياحا من النفوذ المتزايد لجماعة العدل والإحسان على حركة 20 فبراير. «في نهاية المطاف، لن ترضى العدل والإحسان لنفسها بمطلب غير إسقاط النظام» يقول لكحل. هذه خلاصة مزعجة، لكن الوقائع تؤكدها: «لدى العدل والإحسان تكتيكات معروفة؛ ولأن الخيار الديمقراطي بالنسبة إليها بات محسوما فشله، فإن الجماعة تهيئ نفسها اليوم لخيار القومة». كيف ذلك؟ يشرح لكحل بالقول إن أتباع عبد السلام ياسين، يتبعون خططا معدة على نحو دقيق لإغلاق منافذ التنفس على حركة 20 فبراير وتحويل أجندتها نحو طريق غير قابل للرجوع منه. بالفعل، فإن «ملاحظة طريقة تحرك عناصر الجماعة في الشارع، توحي بأن العدل والإحسان مازالت أقل تأثيرا في الشارع لحدود اليوم، لكن الحقيقة أن الجماعة هي من ترفض أن تأخذ بزمام المبادرة الآن، ومن ثم ظهر بأنها لا تستعجل أمرا، بل تشارك بما تيسر وتنتظر». مثل هذه السمة الأساسية في السلوك السياسي لدى جماعة العدل والإحسان، تضع المراقبين أمام سيناريو مرعب. ولدى لكحل صورة واضحة عما سيحدث: «ظهر أن حركة 20 فبراير قدمت هدية على طبق من ذهب لجماعة العدل والإحسان، حيث جعلت منها سببا وجيها للخروج إلى الشارع، ولم تضعها في الواجهة منذ الوهلة الأولى». بعدها يضيف لكحل : «تمكنت العدل والإحسان من التسلل إلى أعماق الحركة ووضعت أتباعها داخل التنسيقيات المحلية لحركة 20 فبراير، أي وسط صناع قرارها، ودفعت بشبيبتها إلى المشاركة بشكل محدود، في كافة المظاهرات». ثم تتحول اللعبة إلى احتيال، تتصنع الجماعة لنفسها مظهرا ماكرا. بالنسبة إلى الخبير في الجماعات الإسلامية، فإن ما تبدو عليه الأمور الآن، أن العدل والإحسان «تلتزم بالشعارات التي ترفع من قبل حركة 20 فبراير، لأن تلك الشعارات تخدم مصالحها في المرحلة الراهنة فهي تحاول أن تبعد عن نفسها صفة المثير للفتنة. وبينما هي على هذا الحال، تتربص بالحركة حتى تزيد شدة الاحتجاجات ونطاقها. ثم تنتقل إلى المرحلة التالية، بمزيد من التحكم في أجندة حركة 20 فبراير والدفع إلى وقوع أحداث عنف. وما ستنكب عليه الجماعة بعدئذ، هو العمل بجهد على دفع القوات العمومية إلى المواجهة، فتبرز بالتالي، تشابه النظام المغربي مع مثيليه التونسي والمصري. وكلما زادت المواجهات عنفا، زاد الاحتجاج وقعا، فتكون فرصة للعدل والإحسان لرفع سقف مطالبها إلى إسقاط النظام». في أحداث 13 مارس بالدارالبيضاء، كانت عناصر جماعة العدل والإحسان في الواجهة. لكن قمع السلطات لمظاهرة دعت إليها حركة 20 فبراير لم يكن له من مبرر، بل نظر إليه كسقوط في فخ نصبته الجماعة. وفي خريبكة، لم تكن الأمور واضحة مثلما كان عليه الحال في الدارالبيضاء، لكن الرواية الرسمية ألحت على القول بأن العدل والإحسان كانت وراء ما جرى. ولأن أجندة حركة 20 فبراير باتت تشكل تهديدا لمن يعارضها، فقد أصيب الكثير من الفاعلين بالهلع، ولزم البعض الصمت. «إلا أن ما يتعين عمله هو أن نجهر بالحقيقة»، يقول عبد الواحد سهيل عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية. «لقد تحولت المناقشات مع هذه الحركة إلى تلويح مستمر بالتخوين ورمي الناس في شرفهم وأعراضهم وقذفهم بما لا يحتمله أي أحد، بل نسبت إليهم أشياء لا يرتضيها لا الحق ولا القانون، يضيف سهيل. لكن الشجاعة السياسية تقتضي أن يقول المرء الحقيقة وأن يقذفها في وجوههم، لا أن ينحني لهم وأن يصاب بالخنوع». شكل سهيل وهو القيادي في حزب طالما عبر عن مخاوف عميقة من مشاريع جماعة كالعدل والإحسان، صورة عما يحدث: « لم يعد خافيا أن جهات لديها أجندة خاصة تحاول الركوب على حركة 20 فبراير، أجندة لا علاقة لها بالإصلاح». ولنكن واضحين، يضيف المتحدث ذاته، « إن جماعة العدل والإحسان وجزء كبير من النهج الديمقراطي أيضا، لديهم حساب ينوون تصفيته مع نظام الحكم، بعضهم يعلنها مباشرة، وآخرون يتسترون عليها في الوقت الحالي». «من المؤكد أن جماعة العدل والإحسان تسعى إلى التصعيد وتبحث بكل الطرق عن الاستفزاز، وتتصيد الأخطاء المرتكبة من قبل السلطات، لكننا نجهل ماذا يريد هذا الكل الذي يدعو نفسه ب «حركة 20 فبراير» من وراء مطالبه: حل البرلمان، حل الحكومة، وحتى حل الأحزاب السياسية، ثم ماذا بعد؟» يتساءل سهيل. «نعيد كتابة التاريخ من خواء؟ نصبح صومالا جديدا؟». بالنسبة إلى عبد الواحد سهيل، فإن المطالب مرتبكة بقدر ما أن الحركة مبهمة. وفيما تضع تلك الحركة نفسها أمام كل الاحتمالات، ف«إن الوقت حان لنقول لهم إن مطالبكم ليست كلها مشروعة».