اقدم محمد البوعزيزي وهو شاب في مقتبل العمر على احراق نفسه في حركة احتجاجية على بطالته المستمرة لتطلق شرارة احتجاجات واسعة بمدينة سيدي بوزيدالتونسية ومدن مجاورة لها منذ عشرة ايام. اما محمد العماري البالغ من العمر 26 عاما فقد قتل برصاص الشرطة حين خرج يوم السبت الماضي في مظاهرة بمدينة بوزيان التابعة لسيدي بوزيد للمطالبة بالعمل بعد ان اصبح من العاطلين رغم انه حاصل على استاذية في الفيزياء منذ ثلاثة أعوام. مشهد قاتم دق ناقوس الخطر للحكومة التونسية التي تسعى لمواجهة هاجس البطالة كي تتفادى مزيد من الاحتجاجات الاجتماعية في البلاد. وأصبحت ظاهرة بطالة خريجي التعليم العالي في تونس من أبرز التحديات التي تؤرق الحكومة التونسية التي تحاول ان تحشد جهودها لايجاد فرص عمل لهذه الفئة التي تمثل خمس اجمالي العاطلين عن العمل البالغ عددهم نحو 500 ألف وفقا لارقام رسمية. ويشكك خبراء في هذه الارقام ويقولون انها أعلى بكثير. وتشير الارقام الرسمية الى ان الوضع لن ينفرج قريبا بعد أن ارتفع عدد خريجي التعليم العالي الى نحو 80 الفا سنويا بعد ان كان لا يتجاوز 40 الفا خلال السنوات الخمس الماضية. وكان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي تعهد العام الماضي بتوفير 415 الف فرصة عمل جديدة حتى 2014 والتقليص من نسبة البطالة التي تبلغ حاليا 14 بالمائة. والقى وزير الشباب سمير العبيدي في وقت سابق هذا العام باللوم على عدم اتقان العديد من خريجي التعليم العالي للغات الاجنبية مثل الانجليزية والالمانية. وقال "الشهادات الجامعية أصبحت لا تكفي لوحدها.. انها الحد الادنى المطلوب.. على الشبان الباحثين عن فرص عمل حقيقية اجادة لغتين أجنبيتين على الاقل والتمكن من وسائل التكنولوجيا الحديثة." واضاف انه من ليس له هذه المؤهلات فهو يفتقر لامكانيات التشغيل. لكن وزير التشغيل محمد العقربي قال ان بلاده تحشد جهودها للتقليص من هذه المعضلة من خلال تنظيمها لدورات مستمرة في اللغات الاجنبية والتكنولوجيات الحديثة لخرجي التعليم العالي ومن وحوافز ومنح مالية تقدم للمؤسسات التي تشغل هذه الفئة. واضاف ان الحكومة تشجع ايضا الشبان على احداث مشاريع خاصة من خلال تقديم مساعدات وقروض. وتعد مشكلة البطالة هاجسا يقلق الحكومة التونسية بعد ان شهدت الاعوام الماضية ارتفاعا في نسب المهاجرين غير الشرعيين الى اوروبا فعقدت تونس اتفاقيات مع بلدان اوروبية مثل فرنسا وايطاليا لارسال عمال في مختلف الاختصاصات بشكل منظم مما قد يقلص من حدة الظاهرة. ويضطر اغلب الحاصلين على شهادات جامعية للانتظار لفترات بين عامين وستة اعوام للحصول على وظيفة في القطاع الحكومي او الخاص. وفي مقهى بجهة لافيات انزوى الشاب ماهر يحتسي قهوة ويدخن السيجارة تلو الاخرى وبين يديه صحف بالعربية والفرنسية كان يفتش بين صفحاتها على امل العثور على فرصة عمل قد تحسن اوضاعه المادية السيئة وتضع حدا لبطالته المستمرة منذ أربعة اعوام بعد نال استاذية في التاريخ. ماهر الذي قال انه طرق كل الابواب وقدم العديد من المطالب لمؤسسات حكومية وخاصة وسجل اسمه في مكتب تشغيل خريجي التعليم العالي فقد الامل بعد هذا الانتظار في العثور على عمل واصبح يفكر جديا في الهجرة الى اوروبا ولو عبر احدى مراكب الموت. واختار الاف الشبان ممن سئموا البطالة العمل في مراكز الاتصالات الاجنبية كحل وقتي في انتظار حصولهم على عمل رسمي. وتقول نائلة وهي حاصلة على استاذية في تدريس الرياضة منذ 2004 ل "رويترز" "طال انتظاري لوظيفة في القطاع الحكومية.. وجدت الحل في العمل في مركز نداء (مركز اتصالات) فرنسي يتم فيه استغلالنا بشكل فظيع من خلال الاجر القليل الذي نأخذه رغم ساعات العمل الطويلة التي نقضيها بالعمل." وتضيف "لكن يبقى العمل هنا ارحم من بطالة قد تعمق من المشاكل المادية وتؤدي الى الجمود الفكري والجسدي." وتعتبر نائلة اكثر حظا من الاف الشبان الاخرين ممن فشلوا في ايجاد فرص عمل تتلاءم مع امكانياتهم العلمية. وفي عام 2008 ايضا اشتبك متظاهرون في قفصة بجنوب البلاد مع الشرطة للمطالبة بتوفير فرص عمل في احتجاجات نادرة الحدوث في تونس تسببت في مقتل متظاهر. وقال مسؤولون تونسيون انهم يسعون لجذب مزيد من الاستثمارات الاجنبية لتونس لخلق مزيد من فرص العمل. لكن خبراء قالوا انه يتعين على تونس تحسين مناخ الاستثمار والقيام بمزيد الاصلاحات. وقال فتحي الجربي الخبير الاقتصادي "يجب على تونس تحسين مناخ الاستثمار لجلب شركات اجنبية كبرى توفر عددا كبيرا من فرص الشغل." واعتبر ان الشركات الموجودة في تونس لا تساهم بشكل فعال في التقليص من بطالة حاملي الشهادات العليا داعيا الحكومة الى اقامة مشاريع ذات قيمة مضافة عالية لتسريع النمو الاقتصادي واستيعاب الطلبات على العمل.