عندما تولّى السير جون سيوارز منصب رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية «أم آي 6» في صيف العام الماضي ثارت ثائرة صحف يمينية انتقدت نشر زوجته صوراً «حميمية» له بملابس البحر على موقعها على شبكة الإنترنت. قال المنتقدون آنذاك إن «الفيسبوك» يُسهّل على أجهزة الاستخبارات «العدوة» جمع معلومات عن رئيس ال «أم آي 6» ومن هم أصحابه، أو أصدقاء زوجته، وأماكن إقامتهم، وبالتالي تكوين صورة عنه قد تكون كافية لتهديد «الأمن القومي». ومعروف أن أجهزة الأمن الاستخبارات والقوات المسلحة توصي باستمرار أفرادها بتجنّب استخدام موقع «الفيسبوك» (والمواقع الاجتماعية الأخرى) بطريقة يمكن أن تسمح ل «الأعداء»، من دون قصد، بكشف أسرار، سواء من خلال نشر معلومة قد تكشف مكان تواجد الشخص، أو من خلال وضع صورة له قد تسمح بمعرفة تفاصيل عن حياته وحياة أفراد أسرته وتتيح بالتالي إمكان تعريضه لخطر الابتزاز. جهاز الأمن الخارجي الليبي (الاستخبارات الخارجية) بدا أمس وكأنه يشذ عن هذه القاعدة. فبعدما جارى في الماضي أجهزة الاستخبارات الخارجية من خلال إنشاء موقع له على الإنترنت يتيح التواصل معه ويشرح أهدافه، لجأ الآن إلى إنشاء موقع جديد له على «الفيسبوك» ل «تسهيل تقديم أي معلومات من شأنها حماية أمن وسلامة الجماهيرية العظمى»، كما قال. ويتولى أبو زيد دوردة حالياً منصب مدير جهاز الأمن الخارجي الليبي، خلفاً لوزير الخارجية الحالي موسى كوسة. ويكرر الجهاز الأمني الليبي على «الفيسبوك» المعلومات التي يضعها على موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت، لكنه يشدد في صدر صفحته على البيان الرسمي الذي صدر العام الماضي وتضمن توجيهات من الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي في شأن ضرورة «تسهيل عودة» المعارضين السابقين الذين يودون العودة إلى بلدهم من مقرات إقامتهم في الخارج. لكن موقع «الفيسبوك» يتميّز عن الموقع الرسمي بأنه يسمح للزوار بالاطلاع أيضاً على قائمة «أصدقاء» الجهاز، وهو أمر يوحي للوهلة الأولى بأن أسراراً ما سيتم كشفها من خلال رسم «خريطة عملاء الجهاز» في أنحاء العالم. لكن زيارة مواقع هؤلاء «المعجبين» بالجهاز (157 حتى بعد ظهر أمس) تكشف أنهم في الغالب يستخدمون أسماء وهمية ويضعون صوراً ليست لهم. ف «حنان عمّار»، مثلاً، تضع رسماً لفتاة صغيرة على شكل ملاك بجناحين، و»ريمي أحمد» تضع صورة المغنية اللبنانية أليسا وتقول إنها تحب الكتب الثقافية والأفلام الكوميدية. أما «طارق الليبي» فيضع صورة شخص قد تكون صورته فعلاً ويحدد بالضبط تاريخ ميلاده، ويوضح أنه «مهندس حاسوب» يعمل في شركة ليبية في الزاوية بليبيا. ويكتب مشارك أطلق على نفسه اسم «صوت الثورة»: «مشكورون جهاز الأمن الخارجي على الدعم وإن شاء الله معاً يداً بيد سنقوم بكشف أي زمر متآمرة على أمن الجماهيرية العظمى». كذلك يكتب مشارك آخر باسم «محمد السلاك»: «ما أجمل أن تعود الطيور المهاجرة ويعم السلام والرخاء أرجاء الوطن الحبيب»، ويشكر «القائد» و «دكتور سيف» (سيف الإسلام نجل الزعيم الليبي) ويقول «هكذا عهدناكم دائماً وأبداً». وكان لافتاً أن الموقع على «الفيسبوك» بدأ بعد ظهر أمس بنقل أخبار من مشاركين مجهولين تتضمن إطلاق إشاعات في شأن أشخاص ليبيين وأجانب وتزعم أنهم «عملاء» لأجهزة غربية أو يتعاملون معها، وهو تصرف من أفراد «مجهولين» ولا يعني أنه يتم برضى جهاز الأمن الخارجي الليبي. ويقول الأمن الخارجي إن مهمامته الأساسية تتلخص في الحفاظ على «أمن وسلامة النظام الجماهيري» و «مكافحة الجاسوسية» و «حماية أسرار ومقدرات المجتمع الاقتصادية والعسكرية والسياسية» و»مكافحة الإرهاب». ويوضح أنه يعمل حالياً على «محاربة الإرهاب الدولي الذي يتخذ أشكالاً عدة (دينية وعرقية وغيرها)، ومكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات لتمويل الجماعات الإرهابية» ومكافحة «غسيل الأموال»، والتصدي ل «الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية» و «متابعة تطور الأوضاع الأمنية والسياسية وضمان أمن وأستقرار المجتمع والنظام الجماهيري وتقوية المقدرات الاقتصادية والسياسية للدولة».