يعد الطاهر بن جلون (1944) الذي يزور لبنان كأحد أعضاء أكاديمية «غونكور»، أحد أكثر الكتّاب العرب الفرنكوفون إثارة للجدل. هذا الروائي الذي وفد إلى الأدب من بوابة علم النفس، أبهر قراء الأدب المغاربي في فرنسا منذ نصوصه الأولى في السبعينيات. من «حرودة» (1973) إلى «موحا المجنون، موحا الحكيم» (1978)، تكرس اسمه كأحد أبرز رموز النقلة المفصلية بين جيل الرواد (محمد ديب، كاتب ياسين، إدريس الشرايبي)، وجيل «الروائيين الجدد» الذين راهنوا آنذاك على المغايرة لإحداث قطيعة جذرية مع الآباء المؤسسين. على صعيد المضامين، ابتدعوا عن الهم القومي الذي واكب حركات التحرر الوطنية لدى الجيل الذي سبقهم، مفسحين المجال لبروز تيمات شخصية وهموم أكثر حميمية. أما على صعيد الشكل، فقد تجاوز هذا الجيل الجديد النظرة الاستشراقية للأدب المغاربي بوصفه أدباً مكتوباً من قبل «برابرة قام الاستعمار بتحضيرهم»، وانخرطوا في المدارس الأدبية العصرية التي نشأت في فرنسا في أعقاب الهزة التي أحدثتها الثورة الطلابية في نهاية الستينيات، وفي مقدمة تلك الأنماط الأدبية الناشئة «الرواية الجديدة» التي عملت على تثوير الكتابة وكسر نمطية القوالب الأدبية التقليدية. وكان بن جلون إلى جانب رشيد بوجدرة أبرز رموز تلك النقلة المفصلية التي كان عقد السبعينيات مسرحاً لها. لم يكذب عقد الثمانينيات الآمال التي عقدها النقاد على الروائيين المغاربيين الجدد. كان لبن جلون الحظ الأوفر في استقطاب الأضواء على الساحة الفرنسية، وفيما فضل روائيون آخرون العودة إلى بلدهم للمشاركة في معارك البناء الوطني، من كاتب ياسين إلى رشيد بوجدرة، اختار بن جلون الانخراط في المؤسسات الثقافية الرسمية في بلاد موليير. أسهم في ذلك، النجاح الكبير الذي حققته ثلاثيته «صلاة الغائب» (1981)، «طفل الرمال» (1985) و«الليلة المقدسة» (جائزة «غونكور» 1987)، لكن بن جلون الذي بدأ مشواره الأدبي مدافعاً عن حقوق المهاجرين ومناضلاً ضد العنصرية، لم يلبث أن وقع في فخ الكتابة الاستشراقية التي تتعمد دغدغة المخيلة الغربية، عبر اعادة ترويج الأفكار المسبقة والاختزالية المسيئة إلى العرب والمسلمين. برز ذلك عبر سقطات أدبية متوالية تمثلت في «الملاك الأعمى» (1992)، و«الحب الأول هو الأخير دوماً» (1995)، و«قصص الحبّ والسحر» (2003) التي صوّرت المجتمعات المغاربية المعاصرة كمجتمعات غيبية تتحكم فيها الخرافات والسحر. وإذا بالطاهر بن جلون الذي كان احد أكثر أبناء جيله تميزاً وتجديداً يقع في فخّ الاستسهال وينساق نحو سطحية الأدب التجاري. ما عرّضه لانتقادات العديد من أقرانه الذين اتهموه بأداء دور «العربي الخادم»، وخصوصاً بعد انخراطه في مؤسسة الفرنكوفونية الفرنسية، التي تعارضها غالبية النخب الثقافية المغاربية بوصفها «مشروعاً استعمارياً جديداً». لكن شيخ الفرنكوفونية لم يلبث أن استبد به الحنين إلى صباه. وبدأ يستعيد ألق بداياته. في 2008، أصدر رواية (عن أمي) بيوغرافية عن والدته ومعاناته معها خلال سنواتها الأخيرة بسبب إصابتها بالزهايمر. رأى كثيرون في تلك الرواية انبعاثاً جديداً للطاهر بن جلون بعد ربع قرن من التيه. وإذا بروايته «السعادة الزوجية» (غاليمار) التي صدرت الشهر الماضي، تؤكد هذا التوجه. يستعيد هنا المنحى النفسي الذي صنع شهرة أعماله الأولى، ليسلط نظرة تشريحية على إشكاليات الحب والزواج والسعادة. وتروي الرواية قصة تشكيلي شهير يقعده المرض، فيجد نفسه وحيداً في بيته الريفي، بعدما أوكلت زوجته مهمّات العناية به إلى خادمة. ولا تلبث رغبة الانتقام من زوجته التي لم تقف بجانبه أن تنفعه لكتابة نص يروي فيه مغامرات ومطبات ثلاثين عاماً من الحياة الزوجية، لكن الزوجة تقع على ذلك المخطوط الذي أخفاه زوجها، فتبدأ بتدوين وجهات نظرها المغايرة. ما يحول النصف الثاني من الرواية إلى مسرح للعبة مرايا مبهرة تمنح هذا العمل ألقاً خاصاً، رغم أنّ الإشكاليات التي يتصدى لها جاءت نمطية لا يكاد يخلو منها عمل أدبي.