سانت لوسيا تشيد بالتوافق الدولي المتزايد لفائدة الصحراء المغربية بقيادة جلالة الملك (وزير الشؤون الخارجية)    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    بعد إضراب دام لأسبوع.. المحامون يلتقون وهبي غدا السبت    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    زياش: عندما لا يتعلق الأمر بالأطفال يفرون    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    وسيط المملكة يعلن عن نجاح تسوية طلبة الطب ويدعو لمواصلة الحوار الهادئ    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التريكي ل«الحياة»: عرف القذافي باندلاع حرب أكتوبر 1973 فقال «بدأت المسرحية» (1/2)
عرض على صدام تزويده طائرات حربية إذا وافق على تسليمه محمد المقريف

ما أصعب أن تكون وزيراً للخارجية ويحملك الأخ القائد رسالة إلى زعيم عربي يستهلها بعبارة «انت رجل عميل». وما أصعب أن ترافق القائد في أسفاره أو مشاركته في القمم لأن باب المفاجآت يبقى مفتوحاً على مصراعيه. وما أصعب أن تكون رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة ويأتي زعيم بلادك ليرمي ميثاقها ويحقرها. وما أصعب أن تلتقي بوكاسا وعيدي أمين وموبوتو سيسي سيكو وأن يحاول نظيرك الأفريقي السطو على الطائرة الخاصة التي أقلتك.
إنها مهمة شاقة أن تحاول تسويق ما لا يمكن تسويقه. وأن تحاول تحسين صورة بلد تعتمد أجهزته الأخرى ديبلوماسية التسليح والتفجير واصطياد «الكلاب الضالة». إنها مهمة شاقة أن تكون وزير خارجية رجل مريض يزعم أن التاريخ انتدبه لمهمة كبرى وأنه قادر على تغيير العالم بكتيب ساذج ما كان العالم ليحفل به لولا الذهب الأسود النائم تحت ثياب الصحراء المترامية.
بعد روايات عبد المنعم الهوني وعبد السلام جلود وعبد الرحمن شلقم كنت ابحث عن الدكتور علي عبد السلام التريكي، الذي أمضى أربعة عقود في شؤون ديبلوماسية الجماهيرية وشجونها. اغتنمت مروره في باريس فوافق على مغادرة صمته. تعمدت أن يكون الحوار أشبه بدردشة طويلة لإنعاش ذاكرته. سألته عن معمر القذافي وعلاقاته بزعماء وقادة ولم يبخل بالإجابات.
غضب القذافي من «خيانة» عبد الرحمن شلقم الذي انحاز إلى الثورة وقرر تعيين التريكي خلفاً له مندوباً لليبيا لدى الأمم المتحدة. تظاهر التريكي بالقبول وحين خرج انشق عن النظام وهو يقيم مذذاك في القاهرة. تسلط رواية التريكي الضوء على أسلوب ومواقف وعلاقات وهنا نص الحلقة الأولى:
ما هو شعورك بعد هذه التجربة الطويلة؟
- الحقيقة إنني سعيد بهذه التجربة في العمل الديبلوماسي. عملت وزيراً للخارجية ثلاث مرات ومندوباً لدى الأمم المتحدة ثلاث مرات وتوليت رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس وزراء الخارجية العرب ومجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية وتوليت رئاسة مجلس وزراء الخارجية للبلدان الأفريقية اكثر من مرة. كما مثلت ليبيا في قمم عربية وأفريقية مرات عدة. إنها تجربة طويلة التقيت خلالها 128 زعيم دولة وقسم منهم مرات عدة.
ذهبت باكراً إلى أفغانستان؟
- نعم ذهبت إلى أفغانستان والتقيت الملك ظاهر شاه. كان الهدف من إحدى الزيارات فتح كلية إسلامية بعدما فتح الاتحاد السوفياتي الشيوعي معهد بوليتكنيك بناء على طلب بعض المسؤولين. وأنشأنا أيضاً إذاعة اسمها «صوت الإسلام». كان ذلك في عام 1973. ثم كرت سبحة الانقلابات فالتقيت من تعاقبوا على موقع القرار محمد داود خان ثم حفيظ الله أمين ثم بابراك كرمل. أي أنني التقيت الملك ثم الذين انقلبوا عليه وتقاتلوا وكانت سلسلة الأحداث دموية.
في أثيوبيا حدث الشيء نفسه تقريباً. التقيت الإمبراطور هيلاسيلاسي ثم لاحقاً من انقلبوا عليه خصوصاً منغيستو هايلي مريام. هذا الأمر أتاح لنا متابعة التحولات التي كانت تشهدها بعض الدول. في العلاقات بين الدول يجب أن تعرف مع من تتحدث وما هي سياسته وتحالفاته ومصالحه.
كيف وجدت شخصية هيلاسيلاسي؟
- كان ديكتاتوراً لكنه كان زعيماً تاريخياً للمسيحيين في أثيوبيا ولقبيلة الأمهرة بالذات. كان أيضاً احد المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية وكان يحظى باحترام في صفوفها خصوصاً انه أقام علاقات جيدة ومتينة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
ماذا كان موقف ليبيا حين حصل التدخل العسكري السوفياتي في أفغانستان؟
- كان موقفنا شبيهاً بموقف معظم الدول في العالم الإسلامي وهو معارضة هذا التدخل. اعتبرنا أن التدخل يمثل خطورة على العالم الإسلامي والعالم العربي. طبعاً من دون أن ننسى أن قيام ثورة في أفغانستان ضد نظام متخلف أثار آمالاً بتحقيق تقدم. كنا في الواقع نشعر بقلق على باكستان من سياسة الاتحاد السوفياتي ولم يكن يريحنا وجود نظام ماركسي شيوعي في أفغانستان المتاخمة لباكستان. وقد قمت في تلك الفترة بوساطة بين أفغانستان وباكستان لتبريد الخلافات على الحدود بينهما وتكللت بالنجاح.
كيف كانت علاقة القذافي مع هيلاسيلاسي؟
- لم تكن للقذافي علاقة طيبة معه. السبب العلاقات المميزة التي كانت قائمة بين أثيوبيا وإسرائيل. طلب معمر نقل مقر منظمة الوحدة الأفريقية من أديس أبابا إلى القاهرة. كنت مديراً للدائرة الأفريقية واعترضت على الطلب وقلت انه يعطي للأفارقة انطباعاً أن العرب يريدون الهيمنة على المنظمة الأفريقية. اقترحت نقل المقر إلى عاصمة أفريقية أخرى وكان التجاذب شديداً فميثاق المنظمة انطلق من أديس أبابا واستمرت الحال على ما هي عليه ثم جاءت الثورة في أثيوبيا.
كيف تعاطيتم مع التغيير الذي حصل في أثيوبيا؟
- كنت أول اجنبي يزور أديس أبابا بعد التغيير. كانت السلطة في ايدي لجنة عسكرية برئاسة ضابط برتبة لواء. اكتشفت خلال اللقاء أن اللواء عندوم كان يتحدث بعبارات عامة ويؤكد لي أن ما سمعته من الأعضاء الآخرين في اللجنة العسكرية هو الحل. وحين اجتمعت بأعضاء اللجنة قبل ذلك لفت نظري أن ضابطاً برتبة رائد بدا صاحب نفوذ بينهم وقالوا لي إن اسمه منغيستو هايلي مريام. أدركت خلال زيارتي أن اللواء مجرد ستارة تشبه ما كان عليه محمد نجيب في مصر أي واجهة بانتظار انتقال المقاليد إلى الرجل القوي وهو منغيستو وهذا ما حدث. كتبت بعد عودتي تقريراً بهذا المعنى. وقعت تجاذبات بين الثوار وكان منغيستو الأكثر قوة ودموية وتولى تصفية رفاقه.
كيف كانت علاقة القذافي بمنغيستو؟
- كانت جيدة على رغم أن منغيستو ماركسي. في تلك المرحلة كان السوفيات يفضلون الجناح الحزبي المدني في حين قدمنا نحن مساعدات عسكرية للجناح العسكري أي لفريق منغيستو. كنا نعتبر أن إسرائيل تفرض حصاراً على الأمة العربية من أديس أبابا إلى السنغال. أقامت إسرائيل علاقات مع هذه الدول وكان لا بد من كسر هذا الحصار. في 1973 ساهمت الجهود العربية والليبية في كسر هذا الحصار وأقنعنا هذه الدول بقطع علاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل.
هل افهم أن القذافي كان يكره الشيوعية والشيوعيين؟
- نعم.
كيف كانت علاقته مع الاتحاد السوفياتي؟
- يجب أن نتذكر هنا أننا نتحدث عن مرحلة مختلفة في العالم العربي وفي العالم ككل. كان هناك عالم القطبين وكانت الانقلابات العسكرية والانتفاضات شائعة. حتى بالنسبة إلى القذافي يجب التمييز بين السنوات الأولى والسنوات التي تلتها. الشعارات التي رفعها القذافي في السنوات الأولى حول الوحدة وقومية العمل الفدائي وغيرها وكانت استعادة لشعارات عبد الناصر أثارت حماسة كثيرين. بعد محاولة الانقلاب ضده في 1975 تغير القذافي. لم يعد يثق بأحد وانهمك بالمحافظة على سلطته وتفكيك أي مصدر محتمل للخطر. هكذا بدأت الممارسات التي تحولت كارثة في النهاية.
رافقت القذافي في محادثاته مع الزعماء السوفيات كيف كانت؟
- التقى القذافي خلال زيارته بكل من ليونيد بريجنيف وقسطنطين تشيرنينكو وميخائيل غورباتشوف. كان معمر في البداية يكره الشيوعية والشيوعيين. وكان يعتقد أن الاتحاد السوفياتي لم ينفذ تماماً تعهداته لعبد الناصر. وفي 1973 كان للرئيس الجزائري هواري بومدين ملاحظات من هذا النوع تحدثا فيها. وقد دفعت الجزائر نقداً للاتحاد السوفياتي ثمن الأسلحة التي احتاجها عبد الناصر في تلك المرحلة.
لم يكن القذافي مؤيداً لأي هيمنة سوفياتية على حركة عدم الانحياز. وفي قمة الحركة في الجزائر في 1973 قال القذافي إن الدول المؤيدة للاتحاد السوفياتي ليست في الواقع دولاً غير منحازة. ثم إن القذافي كان يريد إقامة علاقات مباشرة مع الجمهوريات ذات الأكثرية الإسلامية في الاتحاد السوفياتي ومن دون المرور بموسكو. كلفني القذافي بزيارة هذه الجمهوريات لإقامة مثل هذه العلاقات فما كان من السوفيات إلا أن احضروا هؤلاء إلى موسكو والتقيتهم في الكرملين ولم يتح لي زيارتهم في جمهورياتهم وكانت الرسالة واضحة.
كيف تعامل السوفيات مع معمر القذافي؟
- كانوا حريصين على فتح علاقات واسعة مع العرب بعدما تبنوا عبد الناصر وفكرة السد العالي وكانوا يتطلعون إلى وجود كبير في الوطن العربي. لهذا كانوا يحرصون على مراعاة الفئات التي أطاحت أنظمة مؤيدة للغرب. والواقع انهم سايروا القذافي على رغم صدامات أو ممارسات مستغربة كانت تحدث أحياناً. على سبيل المثال كانت المحادثات تجري في الكرملين والتفت القذافي إلى ساعته وقال حان موعد صلاة العصر. وهكذا توقفت المحادثات ليصلي القذافي في الكرملين. ولعلها كانت المرة الأولى التي يقيم فيها السوفيات حفلاً على شرف زعيم زائر ولا يقدمون الخمر. كان القذافي يكره أميركا ويحمل على الدول الحليفة لها أو الصديقة وربما يتحرش بها لكنه لم يكن سوفياتياً في حساباته ولا تابعاً على رغم شراء السلاح من السوفيات.
لم يكن القذافي يشرب الخمر؟
- لا. على الأقل هذا ما اعرفه.
الم يكن يدخن؟
- قليلاً جداً. وقصة التدخين في المؤتمرات أحياناً كانت مقصودة.
على ماذا أيضاً كان يصطدم بالسوفيات؟
- كانت لديه مآخذ على أوضاع الجمهوريات الإسلامية المنضوية في الاتحاد السوفياتي. ناقش السوفيات أحياناً في طبيعة علاقاتهم بدول حلف وارسو وكان يعتبرها نوعاً من الهيمنة. كان يريد من موسكو موقفاً اشد في النزاع العربي -الإسرائيلي. كان بومدين أيضاً يريد مثل هذا الموقف من السوفيات لكنه كان يعتبر أن على العرب أن يقدموا شيئاً بدورهم، لهذا اقترح في قمة الصمود والتصدي التي عقدت في دمشق وبعد اختيار مصر طريق كامب ديفيد إقامة تحالف استراتيجي مع السوفيات لكن ذلك لم يتحقق. في السنوات الأولى لم يسمح القذافي للأسطول السوفياتي بزيارة الموانئ الليبية، في سنواته الأخيرة كان الموقف مختلفاً.
أرغمت ليبيا طائرة قادة الانقلاب على الرئيس جعفر نميري على الهبوط في أراضيها وسلمتهم للنميري الذي اعدمهم وقام بتصفية الحزب الشيوعي؟
- كنت رئيساً للدائرة العربية في وزارة الخارجية. تمت العملية بموجب اتفاق بين القذافي والرئيس أنور السادات. للأسف قام النميري بإعدام قادة الحزب الشيوعي ومن تسلمهم من طرابلس.
كيف كانت علاقات القذافي مع السادات؟
- كان القذافي مستقبلاً وزير الدفاع في غينيا كوناكري حين ابلغ باندلاع حرب 1973 فسارع إلى القول: «بدأت المسرحية». كان القذافي مطلعاً على وجود استعدادات للحرب وقدمت ليبيا بعض المساعدات بما فيها قوارب استخدمت في العبور لكنه لم يكن مطلعاً على موعد الحرب وكان لديه شعور بأنها مدبرة. على رغم ذلك انتقل القذافي إلى القاهرة وزار غرفة العمليات. استنتج معمر أن الجيش المصري لم يهزم عسكرياً بل بسبب القرار السياسي المصري. بدأ التوتر في العلاقات وبلغ مرحلة الصدام على الحدود. أنا في الحقيقة كنت أرى مخاطر القطيعة مع مصر مهما كانت الخلافات مع النظام القائم فيها. بوساطة من الرئيس الغيني احمد سيكوتوري التقيت نائب رئيس الوزراء المصري حافظ غانم في كوناكري والتقيت بالدكتور محمد رياض وزير الدولة المصري للشؤون الخارجية بمبادرة من أياديما رئيس توغو. القطيعة العربية مع مصر كانت من القرارات المكلفة. في أول قمة للصمود والتصدي صغت مع عبد العزيز بوتفليقة، وكان وزيراً لخارجية الجزائر، بياناً قلنا فيه إن الأمة العربية ضعيفة بلا مصر ومصر لاشيء بلا الأمة العربية.
حضرت قمة بغداد التي قررت معاقبة مصر ونقل مقر الجامعة العربية منها من كان متحمساً من القادة العرب لطرد مصر؟
- اكرر القول إن الرد العربي الأول لم يكن ذكياً وجر السادات إلى استخدام أسلوب العنجهية والمكابرة. في القمة كان صدام متحمساً لاتخاذ موقف متشدد من مصر. وكان حافظ الأسد متحمساً هو الآخر. هناك مأساة في العلاقات العربية لا تغيب حتى في أصعب الظروف. كان الود مفقوداً بين صدام والأسد وانعكس ذلك بوضوح في تصرفات الأول الذي استبعد أطراف جبهة الصمود عن المشاورات ما دفعنا إلى مقاطعة الاجتماع إلى أن تغير الأسلوب فشاركنا. شعرنا أن صدام يتشدد في الموقف من مصر وأن هدفه الآخر إضعاف الأسد. طبعاً لم يكن صدام قد تولى الرئاسة بعد لكنه كان المهيمن على القرار العراقي من موقعه نائباً للرئيس. لم يحضر القذافي تلك القمة وكان الوفد الليبي برئاسة أبوبكر يونس جابر رحمه الله.
من يرث دور عبد الناصر؟
كيف كانت علاقات القذافي مع صدام حسين؟
- كانت سيئة ومتوترة والأسباب كثيرة. ترك غياب جمال عبد الناصر فراغاً في العالم العربي أو على الأقل في جزء منه. هناك من حلم بملء هذا الفراغ. بعد زيارة السادات إلى القدس تعامل صدام مع مصر بوصفها «الرجل المريض». كان يعتقد أن حزب «البعث» قادر على وراثة دور الناصرية خصوصاً أن العراق بلد يملك إمكانات مالية وثروة نفطية. السلطة المطلقة تشجع صاحبها على هذا النوع من الأحلام. المشكلة أن بعض الذين يخوضون في هذا النوع من التجارب يتجاهلون الحقائق الإقليمية والدولية وغالباً ما يكونون عاجزين عن فهم موازين القوى. لهذا تأتي النتائج كارثية. وقد دفعت الأمة العربية أثماناً باهظة لحروب الزعامة والأدوار والمبالغات وسوء التقدير.
معمر القذافي أيضاً وقع في وهم الدور الكبير ووراثة دور مصر أو التأثير في قرارها. مشكلة بعض الرجال انهم لا يعرفون العالم ويتوهمون القدرة على تغييره من دون الالتفات إلى الحجم الحقيقي لبلدانهم. القذافي وقع في وهم تغيير العالم بأسره.
كانت هناك كراهية متبادلة بين صدام ومعمر ترجمت على الأرض. خلال النزاع الليبي - التشادي قدم صدام أسلحة متطورة لحسين حبري لمعاقبة القذافي. في المقابل ايد القذافي دائماً حق الأكراد في إنشاء وطن قومي لهم وقدم دعماً لهم واستقبلت ليبيا جلال طالباني ومسعود بارزاني وشخصيات عراقية معارضة. طبعاً كان ذلك يتم بالتنسيق مع سورية التي تسعى إلى إضعاف صدام حسين. حصل صدام مباشر بين القذافي وصدام في قمة عربية عقدت في الدار البيضاء وتدخل حافظ الأسد مؤيداً القذافي. كان صدام يتعامل مع القذافي بنوع من التعالي.
طبعاً ترسخت القطيعة حين وقفت سورية وليبيا إلى جانب إيران وقدمتا لها دعماً في حربها مع العراق. ارتكبت السلطات الليبية خطأ حين أصدرت في ختام زيارة علي خامنئي لطرابلس، وكان يومها رئيساً للجمهورية، بياناً سحبت فيه اعترافها بالنظام العراقي. وللأسف لعب الرائد عبد السلام جلود دوراً في هذه المسألة. هذا التشدد غير المبرر أدى إلى قطع العلاقات. لاحقاً وبعد وساطات عربية عقد في المغرب لقاء حضره من الجانب العراقي طه ياسين رمضان وطارق عزيز ومن الجانب الليبي الخويلدي الحميدي وأنا. لم يتم التوصل إلى اتفاق. بعدها اجتمعت مع طارق عزيز في صنعاء. الحقيقة أن الملك الحسن الثاني لم يكن جاداً أو مصراً على إنهاء الخلاف العراقي - الليبي. يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة إلى الأزمة بين مصر وليبيا. التجربة تقول إن السياسة الفعلية لمعظم الأنظمة العربية هي تصفية الحسابات. كثيراً ما تحكمت النظرة الضيقة بالسياسات والقرارات.
من كان في القيادة الليبية متحمساً لتزويد إيران صواريخ استخدمتها في قصف المدن العراقية؟
- الرائد عبد السلام جلود كان الأبرز في هذا الاتجاه. أنا لم اكن راضياً على هذا التوجه فالعراق في النهاية بلد عربي.
هذا يعني أن القذافي كان يكره صدام؟
- كان الكره متبادلاً. طبعاً صدام توقف في ليبيا والتقى القذافي في طريقه للمشاركة في قمة «أوبك» في الجزائر حيث التقى شاه إيران ووقعا ما عرف ب «اتفاق الجزائر».
طعام من بغداد
التقيت صدام اكثر من مرة ما هو انطباعك؟
- انطباعي انه كان يعيش في عالمه الخاص تماماً كما حدث للقذافي. تصور أن يأتي وزير لمقابلة رئيس دولة وتتولى المراسم نقله من مكتب إلى آخر إلى ثالث لينتهي به الأمر في حضرة الحاكم. كان يعطي انطباعاً انه رجل مغرور. في طريقة حديثه ومشيته وحركاته وكذلك في سلوكه إبان القمم التي يشارك فيها. في قمة تونس وخلال العشاء الرسمي تم إحضار طعام خاص لصدام اصطحبه الوفد العراقي معه. اعتبر الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الأمر بمثابة إهانة وعدم ثقة بأجهزة الأمن التونسية فهاجم صدام بحدة وكان الموقف سيئاً. حصل صدام آخر بين الرجلين أثناء أعمال القمة. الحقيقة أن صدام كان يتصرف على أساس انه الزعيم الأبرز أو الأقوى.
في قمة تونس تم التطرق إلى المشكلة في لبنان وكان الرئيس الياس سركيس حاضراً. شعر بعض المشاركين بشيء من عدم الارتياح حين تحدث الرئيس ياسر عرفات وكأنه رئيس لبنان. بعدها عقد اجتماع في جناح صدام. كان اللقاء على مستوى الزعماء لكننا دعينا أنا ووزير خارجية الجزائر محمد بن يحي. كان بين الحضور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وولي العهد السعودي الأمير فهد بن عبد العزيز والرئيس حافظ الأسد. اهتم صدام بالتشاور مع بعض الحاضرين خصوصاً الأمير فهد في حين كان المسكين الرئيس جعفر نميري مثلاً يلجأ إلي لمعرفة ماذا يجري. طبعاً أنا وزميلي الجزائري دعينا ربما لنشارك في أي التزامات مالية قد تقر. القذافي لم يكن حاضراً.
فجأة قال صدام: «أوجدنا حلاً لمشكلة لبنان». سألته كيف؟ فرد «سنعطي لبنان بليوني دولار». الأمر غريب فعلاً. أي متابع للمشكلة كان يدرك حجم التعقيدات فيها. هناك الخلاف اللبناني - الفلسطيني. والخلاف اللبناني - اللبناني. ومسألة الحساسيات بين دمشق ومنظمة التحرير الفلسطينية. كلام صدام يعطي فكرة عن القمم العربية وطرق المعالجة. هكذا تم ترحيل الموضوع ولا اعتقد أن لبنان حصل على شيء من البليونين. هناك سوء تقدير وتبسيط للمشكلات ورغبة عميقة في إرجاء الحلول الفعلية. أسلوب المعالجة يقوم على لملمة متسرعة للموضوع وإصدار بيان ويغادر الزعماء ولا يتغير شيء.
كانت علاقة صدام مع معمر سيئة للغاية. قام كل منهما باحتضان معارضي الآخر. كانت النظرة أن المعارض شخص خطر يجب بذل كل شيء من اجل التخلص منه. على سبيل المثال قدم معمر عرضاً سخياً لصدام في حال موافقته على تسليم طرابلس المعارض الليبي محمد المقريف.
عرض عليه كمية محترمة من الطائرات المقاتلة في مقابل تسليم المقريف. وكان ذلك في أيام الحرب العراقية - الإيرانية. لم تصل المسألة إلى نتيجة. كان القذافي يدعم المعارضة الكردية والإسلامية في العراق ربما كان مستعداً لإجراء مقايضة. لم تنجح المسألة مع صدام لكنها نجحت مع المغرب فقد أدى عرض سخي من القذافي إلى الملك الحسن الثاني إلى قيام المغرب بتسليم عضو مجلس قيادة الثورة الليبية المقدم عمر المحيشي إلى طرابلس حيث تم قتله.
هناك من يقول إن القذافي شهد شخصياً عملية قتل المحيشي بعد استعادته من المغرب؟
- لا علم لي بهذا التفصيل بالذات. هذه الممارسات القاسية تناولت أيضاً شخصاً فاضلاً هو وزير الخارجية السابق منصور الكيخيا.
ما هي قصة الكيخيا؟
- الكيخيا رجل سياسي ومحترم. ذهب ضحية عملية سيئة وقذرة من جانب النظام الليبي. خطفوه من القاهرة ولم يعثر على جثته. ظهرت روايات متعددة حول موعد قتله. كان منصور مناضلاً.
لماذا قتله القذافي ما دام لا يشكل خطورة على نظامه؟
- إنها عقلية تصفية كل معارض. لعبت الأجهزة الليبية دوراً قذراً في تصفية المعارضين.
الصدر لم يصل عبر الخارجية
ما هي قصة اختفاء الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان؟
- نتحدث هنا بأمانة. أنا لا علم لدي بالتفاصيل. لم يأت الإمام الصدر إلى ليبيا عن طريق الخارجية. الدور الوحيد للوزارة كان مقتصراً على دعوة نقلها القائم بالأعمال الليبي في بيروت إلى الصدر. بعد ذلك تم التنسيق مع جهات أخرى. أنا لم ألتق الصدر. ما كنت أسمعه هو أنه رجل مناضل وصاحب موقف قومي.
ماذا قيل في طرابلس بعد شيوع نبأ اختفائه؟
- نحن في الخارجية لم نعرف لا كيف وصل ولا متى. لاحقاً وبعد تركي منصب وزير الخارجية اهتمت الوزارة بإجراء اتصالات مع الإيطاليين فقد قالت السلطات يومها انه غادر طرابلس إلى روما. شاع لاحقاً أن نقاشاً حاداً حصل بين القذافي والصدر وأدى إلى ما أدى إليه. والقصة غريبة إذ لم تكن لهذه الحادثة الخطرة والمؤسفة أي فائدة لليبيا أو للعمل القومي وألحقت الكثير من الأضرار. إنها جريمة غريبة ولا أعرف لمصلحة من تمت وفي أي سياق.
*تعاليق الصور: علي عبد الله التريكي - القذافي مع «ملوك غابات أفريقيا»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.