كما كان متوقعا، اعتلى الدكتور العربي ولد خليفة متصدر قائمة حزب جبهة التحرير الوطني بالجزائر العاصمة، كرسي رئاسة المجلس التشريعي، الذي يضم مختلف التيارات والتوجهات السياسية في البلاد. ويأتي انتخاب الرجل على رأس الهيئة التي تنافس من اجلها 44 حزبا في الانتخابات التشريعية، في سياق المحافظة على توازنات السلطة التي تراعي الانتماء السياسي والجغرافي في عمليات تثبيت الشخصيات النافذة بمؤسسات الدولة. ويتجلى ذلك الحرص في تدخل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة شخصيا، من اجل إن يحظى ولد خليفة بالدعم الكامل، ليس من حزب جبهة التحرير فقط ، بل حتى من غريمه التجمع الوطني الديمقراطي الذي دعا مناضليه الى التصويت لصالح ولد خليفة بالنظر إلى جملة من العوامل التي رآها مجتمعة في الرجل. و ليس "التجمع" وحده الذي يدعم هذا المنحى، بل مجمل التشكيلات السياسية الممثلة في البرلمان الجديد التي ترى في "ولد خليفة" الشخصية التي يمكنها تحقيق الإجماع باعتبارها مدافعة عن ثلاثية الهوية الوطنية والدين واللغة. وحتى الأحزاب التي تصنف نفسها ضمن التيار الوطني، لن تجد أي مانع في تقبل الأمر نفسه ؛ فالتيار الإسلامي يرى في ولد خليفة ، شخصية محترمة لإعلانه في كذا مناسبة تشبثه بالمبادئ الإسلامية باعتبارها من مقومات الأمة،فضلا عن دفاعه عن العربية ، إذ كان رئيسا للمجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر. أما التيار الامازيغي الممثل في جبهة "القوى الاشتراكية" فلن يجد ما يتعارض مع تولي ولد خليفة المنصب منطقيا، و لعل ابرز العوامل التي تشجع حزب، آيت أحمد، على تقبل الرئيس الجديد كونه منحدرا من منطقة القبائل، المعقل التاريخي للحزب. ومن المؤكد أن تلك المواصفات رجحت الكفة لصالحه ، على حساب أسماء تداولتها بعض الصحف الجزائرية لتولي المنصب ،من قبيل عمار غول، وزير الإشغال العمومية السابق عن التيار الإسلامي وكذا وزير التعليم العالي، رشيد حراوبية، الذي خرج غاضبا من اجتماع "الافالان" يوم الجمعة الماضي بعدما فقد المساندة من اجل ترشيحه ،علما ان حراوبية، المنحدر من شرق الجزائر (سوق اهراس) مر بظروف صحية صعبة مؤخرا استدعت نقله الى الخارج من اجل العلاج. واذا كانت السلطة راهنت على "رجل الإجماع" داخل البرلمان، فإنها ترى ضرورة ضمان المرونة في المعادلة السياسية وفق رؤية مراعاة التوازنات بين مؤسساتها، في ضوء المؤشرات المحتملة بخصوص تعيين الوزير الأول الذي سيخلف أحمد حمد اويحي، المنحدر من منطقة القبائل. وبغض النظر عن طبيعة من سيقود الجهاز التنفيذي المقبل أو حتى في حال الإبقاء على، أويحي، في المنصب وهو أمر جد مستبعد، فان الحفاظ على التوازنات "الجهوية" التي لا تقل أهمية عن "السياسية" يظل معطى ثابتا في صناعة القرار بالجزائر بالنظر إلى ما إثارته هذه المسالة من خلال مراحل التاريخ السياسي للبلاد وكثيرا ما تم تبادل الاتهامات بخصوص احتكار منطقة جغرافية للحكم على حساب أخرى وهو ما كرس ما يسمى ب "الجهوية". وفي مقابل السعي لمسايرة تلك التوجهات، يراهن على شخص ولد خليفة(74 عاما) لكي يستجيب لتطلعات السلطة بخصوص إعطاء دفع نوعي للعمل البرلماني المتهم بالتقصير في الاستجابة لانتظارات الشعب، لا سيما وان الولاية التشريعية الحالية تتزامن مع الإصلاحات السياسية التي أعلنها الرئيس بوتفليقة. ويأتي اختيار ولد خليفة وفق قناعة توفره على مؤهلات تجعله قادرا على مجابهة التحديات الجديدة، فقد سبق له ان تولى مناصب هامة في هرم السلطة، بينها كاتب دولة مكلف بالثقافة والفنون الشعبية (1980 -1982) وكاتب الدولة للتعليم الثانوي والتقني (1982 - 1984) في حكومة محمد بن احمد عبد الغاني، كما شغل منصب عضو اللجنة التنفيذية لحزب جبهة التحرير الوطني في الفترة الممتدة ما بين (2005 -2010 ). *تعليق الصورة: العربي ولد خليفة