انقلبت نظرات الفرح والتعاطف والتشجيع نحو المغربيات الحوامل، أخيراً، نظرات شفقة وقلق نتيجة ولادات متكررة في الشارع على مرأى من المارة والسيارات في الشارع العام! وكأن الحوامل اللواتي على وشك الوضع، اتفقن في ما بينهن في أكثر من منطقة في المغرب، على منوال تنسيقيات حركات الاحتجاج الاجتماعية القائمة حالياً، على «الاحتجاج» دفعة واحدة على خدمات المستشفيات العامة بهذه الطريقة الصادمة والمؤلمة. لكن الأمر، طبعاً، أبعد ما يكون من تنسيق أو احتجاج، مثلما هو بعيد من المصادفة البحتة، ففي أوقات متقاربة، وخلال فترة لم تتجاوز الشهر الواحد، وضعت أكثر من امرأة في أكثر من مدينة وبلدة مغربية، مولودها على قارعة الطريق، وذلك لأنهن لم يجدن طريقاً سالكة إلى أقسام الولادة في المستشفيات العامة التي قصدنها آملات في وضع أطفالهن في ظروف صحية ملائمة وفي نيل الرعاية الطبية اللازمة. وما زاد الطين بلة أن هذا الموقف الشاذ تعزز في الفترة ذاتها بحالات وضع أخرى في الطريق إلى المستشفى، لكن المواليد كانوا أسرع من سائقي السيارات فخرجوا إلى الوجود في ما يشبه حالة تضامن مع الوضعية اللاإنسانية ل «زميلات» أمهاتهم في المخاض. والحال إن استقبال الحوامل اللواتي ظللن على أبواب المستشفيات، عرقلته موانع مختلفة، تراوحت بين الرفض والتسويف والإهمال وسوء تقدير ميعاد الولادة، إضافة إلى نقص في الأسرّة أو في الكادرات الطبية المتوافرة، فتعددت الأسباب والكارثة واحدة، كما يقول المثل... وأحياناً الموت، إذ توفي مولود كانت أمه في حالة صحية متردية جداً جراء نزيف حاد بعد الوضع على عتبة المستشفى، وهي الحالة الوحيدة، على الأقل حتى الآن، التي فتح في شأنها تحقيق لتحديد الأسباب والمسؤوليات، لاسيما أن النُّفَساء التعيسة التي فقدت مولودها، واسمها الطاهرة، رُفض استقبالها في ثلاث مستشفيات عامة. هكذا، ترسم تلك الولادات خارج المستشفى العام، بدءاً من الدارالبيضاء -كبرى مدن المغرب- إلى مراكش وفاس والجديدة وبلدات تقع في محيط هذه المدن، خريطة مقلقة للوضع الهش للخدمات الصحية في البلد، خصوصاً شبكة مؤسسات العلاجات الصحية الأساسية، كالصحة الإنجابية، وتوزعها غير العادل في البلد وضعف تجهيزها. في ممرات المستشفيات ليست مصادفة أن تتكرر عمليات الوضع خارج المستشفيات، لكن المصادفة يختزلها وصول أخبار تلك الولادات المتعسرة إلى وسائل الإعلام المحلية في وقت واحد، مقدمة صورة مصغرة عن واقع مقلق لصحة المرأة والطفل. أما الحالات التي لا يعرف بها الإعلاميون فلعلها تثير قلقاً أكبر، إذ لا يجد أصحابها من يدعمهم. وقد يحصل أن تتجاوز حوامل عتبة باب المستشفيات العامة، فقط ليتمددن في ممراتها، كما يحدث أيضاً أن يضعن مواليدهن في المستشفى ولكن ليس على سرير ولا في قاعة توليد، بل على الأرض، لشحّ الطواقم والإمكانات اللوجستية الطبية. ولعل الحوامل اللواتي يلدن في مستوصفات عامة لسن أفضل حالاً، إذ تفتقر تلك المستوصفات إلى التجهيزات والمتخصصين. وهناك غير المحظوظات بتاتاً، في القرى والبوادي المعزولة، اللواتي يفاجئهن المخاض على ظهور الدواب في المنعرجات الجبلية. أحرجت حالة الطاهرة، ومعها ظاهرة الوضع خارج أبواب المستشفيات، الحكومة المغربية التي كانت تروج أخيراً لنظام صحي غير مسبوق طال انتظاره، يمكّن نحو 9 ملايين من المواطنين الفقراء وذويهم من الاستفادة من العلاج المجاني في المستشفيات العامة. وعلّق رئيس الحكومة على ما حدث للطاهرة قائلاً إنه «مؤلم ومؤسف وغير مقبول ولا ينبغي أن يتكرر». وعدم تكرار حالة الطاهرة يبدو مسألة برسم المستقبل غير المنظور، لجهة الاعتمادات الضخمة، المادية والبشرية واللوجستية لقطاع الصحة، وارتباط هذا الأخير بتنمية موازية عادلة تفك العزلة عن المناطق كافة. وكانت منظمة الصحة العالمية صنّفت المغرب ضمن 57 بلداً في العالم تعاني نقصاً حاداً في الخدمات الصحية، ما يضع البلد في آخر سلّم التنمية المعترف بها عالمياً. ولعل أحد مؤشرات هذا التأخر هو عودة نسب وفيات النساء وحديثي الولادة إلى الارتفاع، على رغم التراجع المعتبر في تلك النسب، خلال السنوات الأربع الأخيرة، إثر جهود لتشجيع النساء على الولادة في المستشفيات العامة... مجاناً.