سنة 2011 ستبقى عالقة في ذاكرة الشعوب العربية؛ سواء التي عرفت ثورات على غرار تونس ومصر وليبيا، أو البلدان العربية الأخرى، التي، وإن لم تبلغ فيها الأحداث والتطورات مستوى الثورة، فإنها استفادت بطريقة غير مباشرة، وذلك باعتبار أن الثورات الثلاث المشار إليها قد أسست لمستقبل لا يشمل فقط البلدان التي احتضنتها، بل إنه يشمل كل الشعوب العربية والإسلامية كافة. فالحدث الأكبر في هذا العام هو عربي بامتياز. وهو ليس حدثا عاديا من السهل أن يجود به التاريخ، إنما هو من صنف وخانة الأحداث النادرة والاستثنائية التي يُعبر عنها بالحدث التاريخي، الذي يحصل بدوره في لحظة توصف بالتاريخية، ويتذكره المعنيون به بشكل دوري، لكونه حدثا يُؤرخ من خلاله لمنعرج حاسم في تاريخ الشعوب. لذلك فإن الرأي عندنا أن سنة 2011 هي سنة تاريخية عربيا، وسيظل العرب يتذكرونها لسنوات وعقود طويلة مقبلة. ففي عام 2011، حصل ما كنا نخاله مستحيلا؛ ثورة في تونس وفي مصر وفي ليبيا.. وبصرف النظر عن الأسباب والمسببات والملابسات التي رافقت الثورات العربية والمعلن والمسكوت عنه فيها، فإن الذي يهم أغلب الشعوب العربية أنها ودعت إلى الأبد مرحلة الديكتاتورية والحكم الواحد والفقر السياسي والقمع والتضييق على الحريات، ودخلت بذلك مرحلة من الديمقراطية الجادة على أسس حقيقية، من أهمها المشاركة السياسية والتعددية الحزبية والفكرية، كما أن صندوق الاقتراع الذي عُنف تزويرا بدأ يكتسب مصداقيته. من هذا المنطلق، فإن الانتقال إلى مرحلة المشاركة السياسية والإطاحة بالأنظمة الشمولية يعنيان جوهريا وعمليا أن النقلة النوعية والجوهرية والحقوقية قد تحققت، وأن ريح الحرية قد هبت، ولن تقفل راجعة. ومن ثمة فنحن مقبلون على ثقافة جديدة ترد للفرد العربي ما انتزع من إنسانيته وحريته، وتكسبه المواطنة واقعا لا مجرد شعارات فضفاضة لا تغني من جوع. لذلك، فإن مثل هذا الإنجاز ليس بسيطا، بدليل أنه استغرق عقودا عدة بعد الاستقلال، واستوجب شهداء وقلوبا تحترق. ونعتقد أن تصدير هذه الثورات لأفكار المشاركة والتعددية وتجاوز الحكم الشمولي إلى باقي الدول العربية، على الرغم من أن شرارتها الأساسية اقتصادية بالأساس، ربما يكون كافيا إذا عرفت النخب السياسية الحاكمة فيها كيف تتدارك وتتجدد وتلتقط رسالة ثورات تونس ومصر وليبيا، وتثور على أساليبها وخصائص الحكم الذي تمارسه، قبل أن يُثار ضدها، حيث إن الرغبة في صنع الثورة باتت عدوى تطارد أحلام أكثر من شعب عربي ومسلم اليوم. إن أهم إنجاز سنة 2011 هو قتل النظام السياسي الشمولي الذي لطالما أعاق الشعوب العربية وأثقل كاهلها بأمراض الخوف والسلبية والخنوع والمحسوبية، مما شوه الشخصية العربية وأهدر طاقاتها وأضعف فيها روح الإبداع والعطاء. لقد تمت في عام 2011 بداية كتابة التاريخ الجديد للإنسان العربي، وأغلب الظن أن سنة 2012 ستكون ضربة البداية للبناء والوداع الشامل للحكم الشمولي في العالم العربي، إذ فقد صلاحيته المنتهية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، وفقد أنصاره وخصوصا فقد من يقبلون به حكما يسوسهم.