"الشرق الأوسط" القاهرة: عمرو أحمد وسط كل رموز الربيع العربي، يحتفظ المستشار الليبي مصطفى عبد الجليل، بمكانة خاصة، فهو المسؤول الليبي الوحيد الذي رفض من اليوم الأول القمع الوحشي للمتظاهرين في بلاده، ليحول دفته شطر الثوار رغم علمه التام أن قراره مقامرة تجعل العقيد الليبي السابق معمر القذافي يريده معتقلا أو مقتولا. ويعد عبد الجليل من أبرز الشخصيات التي عارضت القذافي، فرغم أنه تقلد منصب وزير العدل في عهد القذافي، فإنه خرج عن الانصياع الأعمى لنظام العقيد، حيث قدم استقالته من قبل احتجاجا على عدم تنفيذ أحكام القضاء واستمرار الأجهزة الأمنية في اعتقال أكثر من 300 سجين سياسي في المعتقلات السياسية (عين زاره) وسجن «بوسليم»، ورغم أن محاكم ليبية قضت ببراءتهم، فإن القذافي رفضها حينها. كان عبد الجليل قاضيا ووزير عدل سابقا في فترة حكم القذافي (أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل)، عمل في نظام معمر القذافي لأربع سنوات من 2007 وحتى فبراير (شباط) 2011، وعرف عنه أيضا أنه هو من حكم على الممرضات البلغاريات في قضية الإيدز الليبية بالإعدام قبل تخفيف الحكم إلى المؤبد، ثم إطلاق سراحهن أثناء ثورة 17 فبراير. وانتقد عبد الجليل في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2009 تدخل جهاز الأمن الداخلي على أحكام القضاء، وذاع صيت عبد الجليل بعد أن أعلن استقالته من نظام القذافي في 21 فبراير 2011 بمدينة البيضاء، بعيد تفجر ثورة 17 فبراير، محتجا على الأوضاع الدامية واستعمال العنف المفرط ضد المتظاهرين، ثم ذاع صيته كرئيس للمجلس الوطني الانتقالي، وتمكن من خلال إدارته للمجلس من تحرير معظم المدن الليبية وتحقيق انتصار الثورة الليبية على قوات القذافي، وإلقاء القبض تباعا على الدائرة الضيقة من أسرة ومعاوني القذافي. ولد مصطفى محمد عبد الجليل في مدينة البيضاء الواقعة شرق ليبيا عام 1952 ودرس بمدارسها خلال المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، انتقل عام 1970 للدراسة في جامعة قار يونس ببنغازي، ثم عاد إلى البيضاء بعد انضمام الجامعة الإسلامية إلى الجامعة الليبية، وتخرج في قسم الشريعة والقانون بكلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية بتقدير ممتاز عام 1975. وتقلد عبد الجليل الكثير من المناصب حيث عين بعد تخرجه بثلاثة أشهر وكيل نيابة في البيضاء، ثم عين قاضيا عام 1978، ثم مستشارا عام 1996، وفي عام 2002 تم تعيينه رئيسا لمحكمة الاستئناف، ثم رئيسا لمحكمة البيضاء عام 2006، قبل أن يختاره مؤتمر الشعب العام في ليبيا أمينا للجنة الشعبية العامة للعدل (وزيرا للعدل) عام 2007. وبعد أيام من اندلاع ثورة 17 فبراير ضد نظام القذافي، أعلن عن تأسيس المجلس الوطني الانتقالي في 27 فبراير ليكون الممثل الشرعي للثورة واختير مصطفى عبد الجليل رئيسا له يوم السبت 5 مارس (آذار) 2011. ونجح عبد الجليل في قيادة حملة عربية ودولية لكسب اعتراف العالم بالمجلس الانتقالي مسافرا إلى الكثير من البلدان العربية والأجنبية، لحثها على الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي لإدارة شؤون البلاد بديلا عن نظام القذافي. ولعبد الجليل مواقف وطنية بارزة لعل أبرزها رفضه نزول أي جندي أو طائرة أجنبية على الأراضي الليبية، مؤكدا أن الشعب الليبي سيحرر أرضه بنفسه. وبين الحين والآخر، كان عبد الجليل يتوجه إلى جبهات القتال لرفع الروح المعنوية للثوار على الرغم من عدم توفر الأمان آنذاك، ويتمتع عبد الجليل بشعبية كبيرة وحب الليبيين الذين يثقون به فهم يرونه الرجل الذي قاد البلاد في أصعب الظروف ووصل بها إلى بر الأمان، وعرف عنه بساطته وتدينه وحبه للرياضة وبخاصة كرة القدم، كما كان لاعبا ورئيسا لنادي الأخضر الليبي بالبيضاء. ولعل أجمل ما حكي عن عبد الجليل، هو ما جاء على لسان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي قال إن عبد الجليل هو المسؤول العربي الوحيد الذي طلب أخذ استراحة أثناء لقائه معه من أجل إقامة الصلاة.