بدأت ترتسم شيئا فشيئا ملامح تركيبة المجلس الوطني التأسيسي التونسي المنبثق عن انتخابات تاريخية الأحد مع تقدم حزب النهضة الإسلامي متبوعا بحزبين يساريين، بحسب ما أعلنت مصادر حزبية اليوم الاثنين غداة انتخابات نظمت بعد تسعة اشهر من الثورة على نظام زين العابدين بن علي. ولا يتوقع ان تعرف النتائج النهائية الرسمية التي ستعلنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قبل يوم الثلاثاء لكن المؤشرات الاولية والتصريحات تؤكد تقدم النهضة الذي كان متوقعا. وتمثلت اولى مفاجأت هذا الاقتراع في هزيمة الحزب الديمقراطي التقدمي (وسط يسار) الذي قدم نفسه خلال الحملة الانتخابية بديلا رئيسيا للنهضة. وغداة اقتراع تاريخي شهد إقبالا كثيفا من الناخبين التونسيين، كان الإسلاميون اول من أعلن تقديراتهم الخاصة عن نتائج الانتخابات. وقال سمير ديلو عضو المكتب السياسي للنهضة لوكالة فرانس برس انه يتوقع ان يحصل حزبه على "نحو 40 بالمائة من الأصوات". وأوضح مسؤول آخر ان ذلك سيعني الحصول على 60 مقعدا على الاقل في المجلس التأسيسي. وإسلاميو النهضة الذين قمعوا بشدة في عهد بن علي وأشير اليهم منذ اشهر باعتبارهم سيحصلون على أفضل نتيجة في الاقتراع، سيسجلون في حال تأكيد هذه النتائج، دخولا من الباب الكبير للساحة السياسية التونسية. والنهضة التي سيتعين عليها عقد تحالفات، ستكون في موقع قوة في المجلس التأسيسي الذي تعود بانتخاب أعضائه الشرعية لمؤسسات الدولة وسيكلف أساسا بوضع دستور "الجمهورية الثانية" في تونس المستقلة ولكن أيضا بتقرير السلطات التنفيذية وبالتشريع. وتبنى حزب النهضة طوال الحملة الانتخابية لهجة تصالحية مكررا انه يأمل في حال فوزه في تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة. وقال نور الدين البحيري عضو المكتب السياسي للنهضة في تصريحات الاثنين "تونس لكل التونسيين وقدر التونسيين ان يعيشوا مع بعضهم وان يحترموا التنوع والتعدد"، مضيفا "نحن مع التوافق والعمل التجميعي وضد تقسيم المجتمع التونسي على اساس ايديولوجي لان بلادنا في حاجة لكل أبنائها وكفاءاتها" مؤكدا "نحن ضد كل إقصاء او استثناء". ويتنافس حزبا المؤتمر من اجل الجمهورية بزعامة منصف المرزوقي والتكتل من اجل العمل والحريات بزعامة مصطفى بن جعفر على الموقع الثاني خلف النهضة في هذه الانتخابات مع نسبة تحوم حول 15 بالمائة لكل منهما. وقال المنصف المرزوقي المعارض المعروف في عهد زين العابدين بن علي وزعيم حزب المؤتمر الذي يتوقع ان يحصل على ما بين 15 و16 بالمائة من الأصوات بحسب تقديرات متطابقة، لوكالة فرانس برس "نأمل ان نحل في الموقع الثاني". وأضاف "في كل الأحوال ما يهم هو انه أصبحت لدينا خارطة سياسية حقيقية. لقد حدد الشعب التونسي وزن كل طرف". وقال خليل الزاوية المسؤول الثاني في حزب التكتل "النهضة هي بالتأكيد التي حصلت على أكثر الأصوات لكننا كيانان ديمقراطيان في التكتل والمؤتمر كانا ضعيفين جدا في بداية السباق لكنهما كسبا شعبية مكنتهما من مكانة وطنية تتيح لهما بناء الحياة السياسية وإرساء حداثة عقلانية في بلد عربي مسلم". وأكد المرزوقي المتهم من خصومه بالتحالف مع النهضة، مجددا انه "لم تحصل اي تحالفات قبل الانتخابات" مشيرا مع ذلك الى انه سبق واكد أيضا انه "مع المشاركة في حكومة وحدة وطنية" على اساس برامج سياسية. في الأثناء اقر الحزب الديمقراطي التقدمي الذي كان أسسه احمد نجيب الشابي ويتوقع ان يحصل على ما بين 8 و10 بالمائة من الأصوات، بهزيمته. وقالت مية الجريبي الامينة العامة للحزب لوكالة فرانس برس "المؤشرات واضحة جدا والحزب الديمقراطي التقدمي في وضع سيء. هذا قرار الشعب التونسي وانا انحني أمام خياره واهنئ من حازوا تزكية الشعب التونسي". وأضافت "سنكون دائما هنا للدفاع عن تونس الحداثة المزدهرة والمعتدلة" معتبرة ان البلاد بصدد عيش "منعطف تاريخي".