سلط الأستاذ محمد جمال حسن السيد أبو الهنود، مستشار وزير الأوقاف والشؤون الدينية بفلسطين، الأضواء على علاقة المغاربة بالقدس عبر التاريخ، انطلاقا من قول الله تعالى "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"،وذلك خلال الدرس الديني الخامس الذي ترأسه العاهل المغربي الملك محمد السادس، مرفوقا بالأمير مولاي رشيد، والأمير مولاي إسماعيل، عشية اليوم الاثنين، 14 رمضان، بالقصر الملكي بمدينة الدارالبيضاء. وحرص المحاضر على استعراض علاقة أهل المغرب ببيت المقدس على مر القرون، ومشاعرهم النبيلة المستدامة نحو إخوانهم الفلسطينيين، من خلال ثلاث مباحث يتعلق أولها بمكانة بيت المقدس في التاريخ القديم عند المسلمين، وثانيها بتعلق المغاربة ببيت المقدس والمسجد الأقصى عبر التاريخ، فيما يتطرق الثالث إلى أوقاف المغاربة وأملاكهم الخاصة في القدس. وتطرق المحاضر بكثير من التفصيل إلى مجمل الأحداث التي كانت القدس مسرحا لها، منذ القدم، وتوقف مطولا عند مشاركة المغاربة في الدفاع عن بيت المقدس ضد الغزو الصليبي.. واستحضر في هذا الإطار، ماحفلت به المجلدات، ومنها أن كتب التاريخ نقلت، على الخصوص، أخبار استنجاد صلاح الدين الأيوبي بالدولة المعاصرة له في المغرب وهي الدولة الموحدية، في شخص ملكها أبي يوسف يعقوب المنصور، مشيرا إلى أن هذا الاستنجاد وطلب الإعانة جاء على أساس السمعة التي تمتعت بها الدولة الموحدية من خلال إنجازاتها الحضارية والعسكرية. وذكر المحاضر كذلك أن عددا من المغاربة سمعوا بانتصارات صلاح الدين والوقع المدوي الذي أحدثه تحريره للقدس فهبوا للمشاركة كبحارة محاربين في أسطوله، مبرزا أنه من قبيل العرفان بهذه المشاركة ما يذكره المؤرخون من أن صلاح الدين وخلفاءه كانوا يعتنون بالمغاربة أشد الاعتناء احتسابا لجهادهم لتحرير القدس . واستعرض أسماء عدد من الصالحين المغاربة الذين "أدركناهم ببيت المقدس ... والذين كانوا جميعا محط تقدير وتوقير"، مشيرا إلى أن هنالك من عملوا بكيفية أخرى لتيسير قدوم المغاربة على بيت المقدس مثل الشيخ أبي محمد صالح الماكري دفين مدينة آسفي ، الذي أقام المراحل من المغرب إلى الحجاز في بداية القرن السابع الهجري. وبخصوص أوقاف المغاربة بالقدس ذكر المحاضر بأن أقدم ما يعرف منها هي البقعة الأرضية التي حبسها على المغاربة الملك الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي في نهاية القرن السادس الهجري تقديرا لجهودهم في إعانة الأيوبيين على مواجهة الصليبيين، مشيرا إلى أن المغاربة تملكوا بالشراء عددا من العقارات الخاصة داخل القدس وخارجها. وأشار إلى عدد من بين أشهر أوقاف المغاربة أيضا، مذكرا بإسهاماتها وإنفاقها على العديد من المجالات ذات الطابع الاجتماعي والخيري والمعرفي. والدليل على ذلك، يضيف السيد أبو الهنود، أن عددا من المعالم تشير إلى أن المغاربة جزء من التنوع البشري والعمراني والثقافي لمدينة القدس، بالنظر لما ينسب إليهم من المساجد والزوايا والمدارس ومن انتشار التصوف الذي أصله من المغرب ، وفيها كذلك حضور واضح للمذهب المالكي في رحابها. وأبرز أن رعاية الأوقاف المغربية في القدس لم تنقطع حيث توالت في عهد الدولة العلوية الشريفة، وظلت أوقاف المغاربة معروفة محترمة ومسيرة على النحو الرائق في الدول المتعاقبة إلى أن استولت جماعات يهودية عام 1945 على جانب من أوقاف أبي مدين. وظلت أوقاف المغاربة قائمة إلى أن صادرتها إسرائيل في 1967 ، وقامت بنسف الحي بأكمله وسوته بالأرض وأقامت محله ساحة أمام حائط البراق. وذكر بأن القيمين على هذه الأوقاف تقدموا باحتجاجات وعرائض على هذه المصادرات غير أنها لم تلق أي آذان صاغية بل إن سلطات الاحتلال واصلت نسف الأملاك بدعوى القيام بتنقيبات أثرية ، بل إن جهات تنتسب إلى اليهود أضرمت النار في غشت 1969 في المسجد الأقصى . ونوه الأستاذ أبو الهنود برد فعل المغرب، قائلا إنه لم يكن هناك "بلد من بلدان المسلمين أحس بأبعاد تلك الفضيحة الإنسانية بقدر ما أحست بها القيادة في المملكة المغربية"، إذ هب جلالة المغفور له الحسن الثاني بالدعوة إلى عقد أول مؤتمر قمة إسلامي بالرباط في شتنبر من نفس السنة ، انبثقت عنه منظمة دولية تسمع صوت المسلمين وتفرعت عنها هيئات مثل لجنة القدس التي يترأسها العاهل المغربي، ويعمل من خلالها على "الدفاع عن هوية هذه المدينة من جهة وعلى الإسهام في تخفيف الضائقة على أهلها " نيابة عن المسلمين وعن المغاربة " الذين كانوا على الدوام ضمن الدرع الواقي لحرمتها وفي طليعة المؤمنين بسلامة مصيرها، إحقاقا للحق، وثقة بوعد الله تعالى بنصر الذين ينصرونه".