منذ 23 من الشهر الحالي، انطلقت الحملات الإعلانية للانتخابات الرئاسية الجزائرية ضمن أجواء محمومة اتسمت بتكمّ أفواه المعارضين. خلال الأيام الماضية، سجّلت منظمات حقوق الإنسان الكثير من الانتهاكات لحرية التعبير عبر تضييق الخناق على المحتجين في الشوارع، وعلى وسائل إعلام خاصة معارضة. أبرز ما قامت به السلطة تمثّل في إقفال قناة «الأطلس» الفضائية بعد مصادرة عتادها التقني وتشميع مقرّها. وعمدت إلى تقليص إعلانات بعض الصحف بدعوى «العمالة للخارج والعمل على خلق فوضى، وجرّ البلاد لما لا تحمد عقباه». الحجج نفسها حملتها رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في اليوم الوطني للشهيد التي اتهم فيها الصحافة ب«إساءة استعمال حرية التعبير» حين قال: «هناك مآرب تتخفى وراء التعليقات باسم حرية التعبير، لها غايات خبيثة هدفها المساس بالدفاع والأمن الوطنيين». بهذا، احتكر الرئيس المشهد الإعلامي، خصوصاً مع إطلاق قنوات فضائية لمساندة ولايته الرابعة، والترويج لمشاريعه السياسية على غرار قناتي Président (الرئيس)، و«وئام». قبل الحديث عن المعركة الإعلامية التي ظهرت أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أنّ الإعلام الجزائري ينقسم إلى حكومي وخاص. الأوّل محكوم بإرادة سلطة تريد جعله مجرّد مرآة لها، ما يجعل الكلام عن فتح الإعلام العام أمام الرأي الآخر مجرّد خطاب موجه للاستهلاك الشعبي فقط. أما الإعلام الخاص، فيتعاطى بطريقة مختلفة مع المرشحين، إذ تُبدي القنوات المستقلة (أكثر من 10 محطات) اهتماماً بأبرز المرشحين أي بوتفليقة وعلي بن فليس، في حين تتعاطى بأهمية أقل مع أنشطة باقي المرشحين الأربعة: لويزة حنون، وموسى تواتي، وعلي فوزي رباعين، وبلعيد عبدالعزيز. النتيجة ككل أنّ هناك قنوات اختارت أن تكون بوقاً للسلطة، وأخرى قرّرت مساندة أحد منافسي بوتفليقة، وأخرى تحاول الوقوف على مسافة واحدة من كل المرشحين، لاعتبارات مثل ريع الإعلانات والإعلانات الرسمية. الملامح الأولية للحرب الإعلامية بين بوتفليقة وخصومه، تؤكد أنّه لا خيار لوسائل الإعلام الخاصة، إلا التهليل للسلطة المصممة على بقاء الرئيس الحالي. حتى تلك التي تحاول التظاهر بالحياد، فهي غير قادرة على التخلص من مخاوف الغلق والمصادرة على طريقة ما حدث لقناة «الأطلس». وفي بعض الحالات، يتجه مرشح لتأسيس قناة خاصة به تروّج لمشروعه الانتخابي كما فعل المرشح علي بن فليس الذي افتتح قناة Espoir (أمل). في هذا السياق، يبرز رأي محمد بن عبد الله، وهو متابع للشأن الثقافي والسياسي. يقول الأخير ل«الأخبار» إن تناول القنوات الجزائرية للشأن السياسي عموماً، والانتخابي خصوصاً «لا يرقى إلى مستوى المهنية والاحترافية المطلوب»، مضيفاً أنّ «قنواتنا تبارك دائماً وتهلل لما تفعله السلطة ولا تتكبد عناء التأكد من المعلومات». واعتبر بن عبد الله أنّ كل الشاشات «تخدم السلطة بطريقة أو بأخرى، وتروّج لوجهة نظرها، وهذا يعود إلى احتكار السلطة لمجال الإعلام المرئي والمسموع، الذي ما زال ينتظر الإفراج عن القانون الخاص به»، مشدداً على أنّ كل التلفزيونات الجزائرية تعمل «خارج القانون». ويكمل بن عبد الله بأنّ هامش «حرية الرأي عندنا لا يزال صغيراً ومحتكراً من جهات نافذة، لا تسمح بمرور ما لا يخدم رؤيتها ومصلحتها السياسية، لذا وقفت قنواتنا ساكتة أمام ترشّح بوتفليقة رغم خرقه للقانون وعجزه عن القيام بدوره». هنا، لا بد من الحديث عن «التلفزيون الجزائري» الرسمي واتهامه بالانحياز للرئيس بوتفليقة. إذ أصدر مناصرو المرشح علي بن فليس بياناً ندّد بالممارسات «اللامهنية للجهاز الحكومي، والخرق الصارخ لأبسط أخلاقيات المهنة وقواعد الخدمة العامة التي تُلزم المؤسسة الإعلامية». وأشار البيان إلى الآثار السلبية التي يمكن أن تترتّب على هذا «التحيز المفضوح»، خصوصاً على صدقية وسير الاستحقاق الرئاسي المقرر في 17 نيسان (أبريل) المقبل. وفي ظل انحياز التلفزيون الرسمي «الصارخ» لصالح بوتفليقة، يشيد البعض بما تقوم به الفضائيات الجزائرية، نظراً إلى أنّ تجربتها لا تزال فتية. هذا ما يؤكدّه الإعلامي الجزائري رضا شنوف ل«الأخبار». يشير شنوف إلى أن هذه الانتخابات «تجري بمعطى جديد، ألا وهو الشاشات الخاصة التي تحضر للمرّة الأولى في تاريخ الانتخابات الرئاسية في الجزائر»، لافتاً إلى أنّ «تاريخ نشأتها لا يتجاوز العام ونصف العام. وبالتالي، فإنّ تغطية وسائل الإعلام الثقيلة للحملات الانتخابية، ما عدا التلفزيون الرسمي، تكتسي «تجربة جديدة في العمل الإعلامي». أما في ما يتعلق بتغطية هذه القنوات لترشّح بوتفليقة، أو تغطية الحملات الانتخابية المساندة له من قِبل فريق من الشخصيات السياسية (جلّها يتقلد أو تقلد مناصب ومسؤوليات في الدولة)، فهي تراوح بين «الدعم المباشر» من بعض القنوات بينما تمسك أخرى العصا من الوسط، محاولةً توخي الحيادية إلى حد ما بإعطاء الكلمة للموالين لبوتفليقة وللمعارضين له أيضاً. علماً أنّ الصحافي في جريدة «الخبر» الجزائرية أشار أيضاً إلى أنّ هناك قنوات أنشئت خصيصاً لدعم الرئيس الحالي في السباق الانتخابي.