لا يمكن تصور أن تقدم الحملة الانتخابية للرئاسيات المقبلة، وهي الأيام المتبقية نحو يوم الاقتراع مشهدا جديدا في صورة الديمقراطية الحقيقية قياسا لحجم الخروقات المتعددة والمتعمدة من قبل هياكل الإدارة والظروف العامة التي تجري فيها الرئاسيات، لكن الوصول إلى تاريخ الحملة الرسمي سيكون في حد ذاته إنجازا للمدافعين عن مشروع العهدة الرابعة، والذين دخلوا في معارك ضد مراكز في النظام منذ شهور طويلة، وصولا إلى كيفية إقناع المعارضة بضرورة المشاركة، وأخيرا إقناع الرأي العام بترشح الرئيس لولاية جديدة، برغم وضعه الصحي لدرجة عدم دفاعه بنفسه عن برنامجه الانتخابي. وكرس غياب بوتفليقة عن الدفاع عن مشروعه، ظهور آلة دعائية غير مسبوقة من حيث الحجم والإمكانيات، يقودها أنصاره في مديرية حملته الانتخابية للتغطية على غياب صورة صاحب الترشح، ويعول أنصار الرئيس ومريدوه أن تمكن له هذه الآلة الدعائية من إقناع الفئات الجماهيرية الواسعة في المدن الداخلية بخطاب الاستقرار الذي يستقي المثال من صور العنف في بلدان جوار عرفت ثورات عربية، ولتمكين هذه الآلة من تحقيق توازن في القدرة على الحشد مقارنة بالمنافسين الخمسة الآخرين، لجأ محيط الرئيس إلى كل من أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم لما يعرف عن الرجلين من قدرات في حشد فئات جماهيرية، وتم تمكينهما من مناصب حساسة في رئاسة الجمهورية في حركة "غير أخلاقية" سياسيا، بما أنها تمت أياما فقط قبل بداية الحملة الانتخابية، وهذه التعيينات ستزيد من ثقل الرجلين لدى الإدارة أثناء حملة الرئيس. وتمكن أنصار بوتفليقة فيما يبدو من تجاوز "عقدة" الشارع، بما أن الحركات التي نظمتها "بركات"، وهي تنظيم تعبوي مناهض لترشح الرئيس وللنظام، لم تتمكن إلى الآن من خلط الأوراق عن طريق الشارع بفعل عامل القمع الذي تعرضت له من البداية، وليس هذا هو العامل الوحيد الذي يقف إلى جانب الرئيس المترشح بما أن الدعاية الحكومية الرسمية لم تتمكن من التحيز للصالح العام على حساب رئيس البلاد، بوقوف الإعلام الحكومي ومعه الإدارة، إلى صف المرشح ونزول حتى وزراء في مناصبهم للدفاع عنه، بالإضافة إلى شغل أبرز مسانديه لمناصب وزارية في الحكومة، وفي الوقت نفسه احتفاظهم بمكانتهم الحكومية عدا مدير حملته عبد المالك سلال. وينافس بوتفليقة خمسة مرشحين، أبرزهم رئيس حكومته الأسبق علي بن فليس، الذي يرفع خطابا لافتا يرفض من خلاله العودة عن فكرة الترشح، وأيضا فكرة السكوت ما بعد رئاسيات ال17 أفريل المقبل في حال "سرقت الأصوات"، ويبعث هذا الخطاب كثيرا من القلق وسط مؤيدي بوتفليقة حول نوايا بن فليس الحقيقية ودواعي حمله لخطاب متفائل بحظوظه، عكس جميع المرشحين. وليست فقط "بركات" من تحاول لعب ورقة الشارع، بما أن تنسيقية الأحزاب والشخصيات المقاطعة للرئاسيات، بدورها تسعى لأن تكون مفاوضا يحسب له ألف حساب باستعمال ورقة الآلاف من المتشبعين بخطابها، والذين ظهروا في قاعة حرشة حسان وسط العاصمة، أول أمس، بعدما رخصت لها السلطات بعقد أول تجمع لها داخل القاعة ينادي بعدم الذهاب للصناديق يوم ال17 من الشهر المقبل.