يحفل فضاء فايسبوك بعشرات الصفحات الترويجية ل6 مرشحين لخوض انتخابات الرئاسة في الجزائر، لكن ثمة من يشك في قدرة حملة الدعاية على إقناع الجزائريين بجدوى الاقتراع بعد امتناع أكثر من نصف الناخبين عن التصويت في آخر استحقاق انتخابي. كامل الشيرازي من الجزائر: قبل ثلاثة أشهر ونيف من موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر، تتسارع الحملات الافتراضية لاستمالة الجزائريين وإقناعهم بجدوى عدم تفويت فرصة التغيير في نيسان (أبريل) المقبل، في وقت يشتغل فريق آخر على حملة مضادة ضدّ استمرار الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة. حتى وإن كانت الجزائر بعيدة عن الحملات الدعائية الرقمية، كتلك التي لعبت دورًا هامًا في انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، فإنّ مرشحين كثيرين بصدد الاستثمار في الشبكة العنكبوتية من أجل التعريف بأنفسهم وعرض برامجهم. لا حس فني بلغة الأرقام، يعتبر رئيس الوزراء السابق علي بن فليس الشخصية الأكثر قوة على موقع فايسبوك. فمؤيدو بن فليس يتواجدون بقوة عبر العديد من المجموعات، وأطلقوا صفحات خاصة حملت مسميات عدة: الشباب مع علي بن فليس – الجالية الجزائرية في تونس تساند بن فليس – علي بن فليس رئيسنا – معًا من أجل دعم علي بن فليس - مرشح النخبة والشباب – تنسيقية مساندة علي بن فليس بالمحافظات الشرقية – التنسيقية الوطنية لدعم برنامج علي بن فليس لرئاسيات 2014، فضلاً عن صفحة رفعت شعار "معًا من أجل التنمية، التغيير الجذري والدفاع عن حقوق الشباب". وعلى الصفحة الرسمية للجنة مساندة بن فليس على فايسبوك، اشترك 7 آلاف شخص، في وقت تبرز صورة صاحب الوصافة في رئاسيات 2004 وهو يمد يده إلى السماء، وسط العديد من الومضات: أمن الجزائر – السلطة للشباب – رجل التغيير. بيد أن فوزي شايبي، الخبير في هندسة المواقع الالكترونية، يلاحظ افتقاد مؤيدي بن فليس لما يسميه الحس الفني، من خلال نشر صور رديئة وغياب الاحتراف في اختيار الكلمات والألوان، ما يفسّر عدم تمكن مؤيدي بن فليس من استمالة أكثر من ثلاثين ألف شخص. وإذا كان يؤيدون بن فليس في العالم الافتراضي لا يتحرجون من القول إن مرشحهم يحظى ب"أفكار 36 مليون جزائري، و72 مليونًا من سواعد مواطنيه"، مع أن المجتمع المحلي لا يستوعب أكثر من 37 مليون نسمة، فإنّ تساؤلات ملحة يطرحها المراقبان علي مخفي وأحمد لخلف عن مدى جدية ومعقولية دعم بن فليس الذي لم يعلن إلى غاية الآن ترشحه، مثلما لم يكشف عن حيثيات برنامجه الرئاسي. نجومية نقاز وبلغة الأرقام، يبقى رجل الأعمال الجزائري رشيد نقاز (41 سنة)، الذي يقدّم نفسه ك"مرشح/مواطن"، النجم الأول إلكترونيًا. فهو يحظى بمواكبة 41 ألف شخص. ولعلّ ما يطبع نقاز حرص فريقه على إطلاق الأفكار بشكل يومي، وتوليه بنفسه الإجابة عن أسئلة المهتمين بطروحاته. ولم يتردد من يحرص على توصيف نفسه ب"ابن الريف" عن نشر سائر حيثياته الشخصية ورقم هاتفه على موقع "نقاز رئيسًا للجزائر"، ويتواصل بكثافة مع الجميع، مطلقًا عبارات من قبيل: "والدتي لم تذهب أبدًا إلى المدرسة، أنا أقطن في منطقة نائية، لا تنسوا ذلك". وخلافًا لعلي بن فليس، نجد في موقع نقاز والصفحات المؤيدة له على الفايسبوك، الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي. فهو يعد مواطنيه بخفض عدد أعضاء الجمعية الوطنية من 462 إلى 96، كما يعرض استشارة جماهيرية لتخصيص 20 بالمئة من عائدات المحروقات للمدن الجنوبية المُهملة، ويشدد على إرادته لتقليص موازنة وزارة المجاهدين القدامى إلى 3 مرات أقل خلال 5 سنوات من أجل الاستثمار في تدريس التكنولوجيات، والارتقاء بالحواضر، وإلغاء الخدمة العسكرية الإجبارية، ومضاعفة تأشيرات الهجرة للشباب. يقول أحمد عوالي وعبد الرحمان مجبر وسفيان أعراب، وغيرهم من متتبعي الحراك الالكتروني لرشيد نقاز، إن الأخير يغري الجمهور بخطابه المحطّم للمحرمات، وإظهاره نفسه رجلًا حسن النوايا مفتوح القلب، لا يسعى لربح المال. واهتم كثيرون بنقاز بعد إعلانه عن إلغاء الراتب الذي سيتقاضاه إن إنتخب رئيسًا للجمهورية، وتفضيله تسخير تلك المخصصات لخدمة الجزائر وأبنائها. ويلاحظ أحسن إحددان، الخبير بالمواقع الالكترونية، أن نسبة متابعة صفحات نقاز مرتفعة قياسًا بعلي بن فليس، لا سيما مع اعتماد رشيد نقاز خطابًا شعبويًا مبسّطًا، وحرصه على نقل تفاصيل زيارته للمحافظات أولاً بأول، مع عدد هائل من الصور والمقالات الصحفية، وإبرازه أصداء تضامنه مع المنقبّات بفرنسا، ودعمه الشابة السودانية التي رفضت ارتداء الخمار، فضلًا عن مقالات تعرضت إلى تخليه عن الجنسية الفرنسية. حضور محتشم وفي الفضاء الإلكتروني، يحضر المرشحان سفيان جيلالي، رئيس حزب جيل جديد، وأحمد بن بيتور، رئيس الوزراء السابق، لكن حضورهما محتشم إلى حد ما. بالنسبة لجيلالي، هناك بضع صور على "البلوغ" الخاص به، مرفوقًا بكتابه الحديث حول المسألة الجزائرية. وتواجده على فايسبوك مختزل بصفحة وحيدة، فيها عدد من الشعارات والمقالات الصحفية التي يتابعها نحو 8500 شخص. ويمنح سفيان جيلالي الأولوية ل"الفيديو" لتمرير رسائله، علمًا أن عدد المشاهدات وصل إلى 25 ألفًا. تواجد أحمد بن بيتور، أول رئيس للوزراء في عهد بوتفليقة، في المواقع الاجتماعية بشكل شاحب، فعدا إمكانية تنزيل برنامجه الخاص على مستوى موقعه الرسمي، فإنّ صفحته الفايسبوكية لم تستفد من أي تحسين منذ 29 آيار (مايو) الماضي. والملحوظة نفسها تنسحب على المرشحين المغمورين علي بن نواري، ومراد بوخليفة، وكمال كوسة، وهم خبراء في الاقتصاد، ارتضوا الظهور عبر بضع مساهمات حول حراك النقد والاستثمار محليًا ودوليًا، وهو ما يواكبه نحو ألف شخص فقط. ولا تفاعل صاخب مع الأديب الجزائري ياسمينة خضرا محمد مولسهول المكنّى ياسمينة خضرا (58 عامًا)، والذي اختار التعبير عن نفسه عبر موقعه الرسمي الذي يعرض فيه تعاطيه مع الراهن والمستقبليات. حملة مضادّة المثير أن الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة غائب تمامًا عن هذا الميدان، رغم احتمالات ترشحه لولاية رابعة. وإذا كانت تنسيقية دعم الرئيس أنشأت صفحة خاصة على فايسبوك لحشد الدعم لبوتفليقة، فإنّ عدد المشتركين لم يتعدَّ 34 شخصًا. بالمقابل، أنشأ مناوئون صفحات تعارض استمرار بوتفليقة في الحكم، وقام هؤلاء باستيعاب 5 آلاف شخص يرفضون الولاية الرابعة للرئيس الحالي. بيد أن عمار سعداني، الأمين العام الحالي لجبهة التحرير، وصف من يناورون ضدّ الرئيس بوتفليقة بالخاسرين قبل الوقت، مبديًا ثقته بانتزاع بوتفليقة لولاية رابعة. في تصريحات خاصة ب"إيلاف"، قلّل الناقد السوسيولوجي عمار يزلي من وقع الحراك الالكتروني الحاصل، مشددًا على أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون في تصوره أبرد حملة حتى ولو سخنتها كل براكين الدنيا، "لأن براكين الجزائر السياسية خمدت وتوقفت عن الغليان الداخلي، فالماغما الداخلي والصهارة موجودة وبشكل لا يُصدّق ولا يُطاق، لكن التنفيس عن هذه الماغما من خلال تصدعات وتشققات في الطبقة الجيولوجية السياسية مرهون بتغيير كبير على مستوى قمة الهرم الذي شاخ"! منحى تحولي يشير يزلي إلى أن بلاده تعيش وضعًا سياسيًا مغلقًا ومعلّبًا منذ أكثر من عشر سنوات، في ظل المناخ الذي أوجدته آخر انتخابات الرئاسة التي كرست الواحدية في التعددية، وفي ظل غلق مزاليج أي منحى تحولي ديمقراطي على مستوى مؤسسة الرئاسة، وهذا بسبب طبيعة التكوين والتشكل السياسي للجزائر منذ استقلالها. ويبرز يزلي أنّه سواء سخن الدف من خلال الوسائط المتعددة ومواقع التواصل الاجتماعي أو لم يسخن، فإن النتائج ستكون هي هي، لا جديد! الجديد النسبي سيكون فقط يوم يترك بوتفليقة الرئاسة عن طواعية أو لا يترشح، أو يرشح فيها أحدًا من الحكومة، ويترك الشعب الجزائري لفترة لا تقل عن 5 سنوات، يفكر في مستقبله أي يترك العمل مفتوحًا للعمل السياسي الحزبي الجاد والحر وللعمل الجمعوي وللشارع وللمسجد بعيدًا عن إدارة السياسية من المكاتب الإدارية وغير الإدارية، من أمنية ومخابراتية ومخابر سياسية ضيقة.