قال الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس - الذي ساهم في الضغط على الحكام الإسلاميين للاستقالة من الحكومة - إن حزبه لا يريد إقصاء حركة النهضة الإسلامية، بل إنه مستعد للحكم معها إذا فاز حزباهما في الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها العام الحالي. وبعد ثلاث سنوات من الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي تستعد تونس التي أطلقت شرارة انتفاضات الربيع العربي لأن تنظم هذا العام ثاني انتخابات حرة لإكمال الانتقال الديمقراطي الذي يشيد به الغرب على أنه نموذج في المنطقة المضطربة. وهذا العام تخلت حركة النهضة الإسلامية عن الحكم بموجب اتفاق مع المعارضة إثر احتجاجات قوية بعد أزمة سياسية استمرت عدة أشهر عقب اغتيال معارضين بارزين العام الماضي. وقال السبسي في مقابلة مع «رويترز» بمكتبه إن «نداء تونس حزب واقعي»، وهو مستعد للتعامل مع النهضة في الحكم إذا أفرزت الانتخابات فوزا نسبيا لحزبه وللنهضة. ومضى زعيم نداء تونس، 86 عاما، يقول: «إذا جرت انتخابات سنراقب نتائجها. إذا حصلت النهضة على نتيجة مهمة فهذا واقع يجب التعامل معه. نحن ديمقراطيون لا نقصي أحدا، هم حاولوا أن يقصونا، ولكنهم فشلوا». وأضاف السبسي، وهو محامٍ ورئيس وزراء سابق: «إذا فزنا أيضا وحققنا أغلبية نسبية وليست مطلقة فنحن مجبرون على التعامل مع نتيجة الانتخابات، وإذا كان هناك إسلاميون سنناقش معهم». وحتى الآن لم يعلن أي موعد محدد للانتخابات المقبلة، ولكن يجري حاليا في المجلس التأسيسي مناقشة القانون الانتخابي على أن تعلن بعد ذلك الهيئة المستقلة للانتخابات تاريخا محددا للاستحقاق الانتخابي. وقال رئيس نداء تونس إن حزبه لديه فرصة قوية للفوز في الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها هذا العام، لكنه لن يقصي الإسلاميين، عكس ما قام به حكام مصر الجدد. وبعد إطاحة الرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي عقب احتجاجات شعبية حاشدة مطالبة بتنحيته، بدأت السلطات الجديدة حملة ملاحقة لجماعة الإخوان التي صنفتها جماعة إرهابية واعتقلت مئات من أعضائها. ودفع السيناريو المصري الفرقاء السياسيين في تونس إلى بدء حوار نهاية العام الماضي. وجرى تعيين مهدي جمعة رئيسا لوزراء حكومة مؤقتة ستقود البلاد إلى انتخابات هذا العام. ولكن السبسي، وهو سياسي مخضرم شغل مناصب هامة مع كل الرؤساء السابقين للبلاد، يرى أن «نداء تونس يقوده فريق ذكي يتصرف وفقا لصالح تونس، ومصلحة تونس لا تقتضي تصفية الحسابات مع الإسلاميين مثلما حاولوا إقصاءنا سابقا وفشلوا». وقال إنه لا يتوقع أن تقود حكومة إسلامية تونس من جديد بعد ما سماه «فشل الإسلاميين في إدارة الدولة، والتساهل مع السلفيين والمتشددين مما ساهم في انتشار الإرهاب في البلاد». وتابع حديثه قائلا: «إسلاميو تونس فرطوا في فرصة ثمينة عندما كانوا في الحكم، ولا أتوقع إعادة تشكيل حكومة إسلامية هنا بعد أن فشلوا في إدارة الدولة وتساهلوا مع العنف والتشدد الديني». وأطلق السبسي حزبه الجديد قبل عامين لمنافسة النهضة التي حققت فوزا كاسحا في أول انتخابات حرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2011. وكشف أنه من المحتمل أن يترشح للانتخابات الرئاسية، مضيفا أن نداء تونس له «حظوظ قوية للفوز في الانتخابات المقبلة». وقال: «سنحافظ على دولة مدنية وسندعم تحرر المرأة ونحارب تفشي البطالة ونواصل سياسات الانفتاح الاقتصادي والسياسي على أوروبا، أول شريك تجاري لتونس». ويضم نداء تونس، الذي تشير استطلاعات رأي محلية إلى أنه أبرز منافس لحزب النهضة القوي، رموزا من النظام السابق الذي أطاحت به الثورة، من بينهم محمد الغرياني الأمين العام لحزب الرئيس السابق الذي كان مسجونا قبل الحكم ببراءته وإطلاق سراحه. والسبسي نفسه شغل منصب رئيس البرلمان لفترة قصيرة في عهد بن علي. ويثير هذا المعطى انتقادات معارضي نداء تونس بأنه يعيد النظام السابق للساحة السياسية من الباب بعد أن غادرها من الشباك. ولكن السبسي يرفض هذه الانتقادات ويرى أن ضم الحزب لبعض شخصيات النظام السابق لا يمثل انتكاسة للثورة. ويمضي متحدثا: «هذا حكم خاطئ، هي ليست انتكاسة للثورة. الحزب السابق جرى حله من القضاء، وبعض المسؤولين حوكموا، والبعض الآخر شرفاء. نحن قلنا إن من لم يتورطوا هم تونسيون ولا يجب إقصاؤهم. المتورطون منهم يجب أن يحاسبوا عبر القضاء فقط بشكل فردي وليس بشكل جماعي». ودعا السبسي إلى أن تكون الانتخابات المقبلة انتخابات بمقاييس عالمية يحضرها مراقبون دوليون.