وسط احتجاجات اجتماعية واقتصادية تجتاح عدة مدن تونسية تعيد الى الاذهان الفترة التي سبقت الاطاحة بالرئيس السابق قبل عامين وفي ظل انقسام سياسي حاد بين الاسلاميين والعلمانيين احيت تونس امس الاثنين الذكرى الثانية للثورة التي اطلقت شرارة الربيع العربي. الفرحة والامل التي اعقبت الاطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي تحولت الى قلق على مستقبل تونس في ظل اوضاع اقتصادية صعبة ونسب بطالة مرتفعة ووضع سياسي غامض بسبب عدم تحديد موعد للانتهاء من كتابة الدستور الجديد للبلاد والانتخابات المقبلة. قادة ليبيا يحيون علم بلاهم الى ذلك حضر الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ورئيس الوزراء حمادي الجبالي ورئيس المجلس التاسيسي المنصف بن جعفر امس الاثنين مراسم رفع العلم الوطني بمناسبة الذكرى الثانية للثورة التونسية التي تحل في اجواء من التوتر. ووقف القادة الثلاثة الذين يمثلون الائتلاف الذي يقوده اسلاميو النهضة، بحضور قسم كبير من الطبقة السياسية في ساحة القصبة، حيث مقر الحكومة. لكنهم لم يدلوا باي تصريح اثر الحفل القصير الذي حضره قادة ابرز الاحزاب السياسية واعضاء الحكومة. بعد ذلك توجه قادة البلاد الى مقر المجلس الوطني التاسيسي حيث وقع الجبالي والامين العام للاتحاد العام للشغل حسين عباسي ورئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وداد البوشماوي على 'عقد اجتماعي'. ويمثل توقيع العقد اهمية رمزية في حين تثير الاحتجاجات على الفقر والبطالة اللذين كانا العاملين الرئيسيين في اندلاع الثورة، العديد من الاضطرابات في تونس. وقال وزير الخارجية خليل الزاوية ان العقد تعزيز الحوار الاجتماعي المنظم والمستمر بين الاطراف الثلاثة بما يضمن 'السلام والاستقرار الاجتماعيين'. والصورة الرمزية لهذا الموكب الذي يعطي للثورة هيبتها الوطنية هو الحضور الحزبي المختلف لشخصيات سياسية مرموقة في البلاد وبعضها كان على خلاف شديد إلى وقت قريب مثل رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب 'حركة نداء تونس' الباجي قايد السبسي وراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم. ويمكن أن يعطي هذا الحضور انطباعا بتغليب منطق الحوار بنهاية المطاف بين الأحزاب في أعقاب مرحلة انتقالية اتسمت كثيرا بالتجاذب السياسي بين الائتلاف الحاكم والأحزاب المعارضة وبتعثر الأداء داخل المجلس الوطني التأسيسي والتأخر في صياغة دستور جديد للبلاد ومن ثمة الافتقاد إلى أي أجندة واضحة للاستحقاقات الانتخابية المهمة القادمة. وقال حمادي الجبالي 'آمل أن تشهد الفترة المقبلة تقدما ملحوظا في مستوى وضع الدستور تمهيدا لإجراء الانتخابات المقبلة'. وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية خليل الزاوية امس أنه جرى التوقيع على 'العقد الاجتماعي' بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والذي سيكون بمثابة خارطة للاقتصاد التونسي برمته وللعلاقات الشغلية مستقبلا كما سيؤسس لصندوق تأمين ضد فقدان مواطن الشغل. ولكن جانب من الاستياء العام أيضا يعود إلى عدم الحسم في عدد من الملفات وعلى رأسها القضايا المرفوعة أمام القضاء العسكري ضد من تسببوا في قتل وجرح شهداء وجرحى الثورة. احتفالات واحتجاجات وغياب للبرامج الرسمية وتلبية لدعوة اغلبية الاحزاب، بدأت الحشود تتوافد على شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية معقل الثورة التي اطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/يناير 2011، مفجرة الربيع العربي. غير انه وبدلا من الحماسة التي سادت تلك الفترة، حل الاحباط والتوتر السياسي وتعاظم خطر التطرف الاسلامي والمأزق الذي آلت اليه صياغة الدستور الجديد لان حركة النهضة وحلفاءها في الحكومة والمعارضة لم يتوصلوا الى حل وسط. وتعين نشر الجيش الاحد في مدينة بنقردان جنوب البلاد قرب الحدود مع ليبيا، بعد اسبوع من مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين يحتجون على سوء الاوضاع الاجتماعية، بينما احرق مقام الولي الصالح الشهير سيدي ابي سعيد الذي سميت باسمه منطقة سيدي بوسعيد، المقصد السياحي الشهير في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس. ويشتبه في تورط السلفيين في ذلك. وخرج الآلاف من التونسيين، امس الاثنين، إلى الشارع للاحتفال بالذكرى الثانية للثورة التونسية التي أطاحت بنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/يناير من العام 2011، فيما أثار غياب البرامج الرسمية بمناسبة الذكرى علامات استفهام كثيرة. وتجمّع الآلاف من المواطنيين من كل الأطياف السياسية في شارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة، الذي تحول إلى ما يشبه 'سوق عكاظ'، حيث تزايد عدد الباعة المتجوّلين الذين تعالت أصواتهم للتعريف بسلعهم، فيما كان أنصار الأحزاب يهتفون بشعاراتهم السياسية. الشارع التونسي منقسم وشهد هذا الشارع الذي يُنظر إليه كرمز للثورة التونسية، اكتظاظاً غير مسبوق وسط إجراءات أمنية لافتة، حيث نظمت الأحزاب السياسية مسيرات منفردة، ما عكس تبايناً واضحاً وصل حد الانقسام بالنظر إلى الشعارات التي رُفعت، واللافتات والمطالب التي دعا إليها المتظاهرون بهذه المناسبة. وتجلّى هذا الانقسام في تعمّد الأحزاب السياسية الخروج في مسيرات منفردة من دون التنسيق مع بقية الأحزاب، بالإضافة إلى التباين الواضح في الشعارات بين أحزاب الحكم أي حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وبقية أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني. وفي الوقت الذي كان فيه أنصار حركة النهضة الإسلامية يهتفون بشعارات مؤيدة للحكومة، منها 'لا رجوع لا حرية للعصابة الدستورية'، و'الشعب يريد النهضة من جديد'، كان أنصار المعارضة ينادون بشعارات تطالب بإسقاط الحكومة، وأخرى مناهضة لحركة النهضة الإسلامية، منها 'النهضة إرحل'، و'يسقط الإخوان'، و'نهضاوي رجعي سمسار'، و'الشعب يريد الثورة من جديد'. وفي المقابل ركّز أعضاء منظمات المجتمع المدني في شعاراتهم على قضايا الحرية والديمقراطية، ومدنية الدولة، حيث هتفوا 'أين الدستور أين الديمقراطية'، و'الحكومة تحتفل والبلاد تشتعل'، و'لا خوف لا رعب السلطة ملك الشعب'. إلى ذلك، تعالت هتافات أخرى على لسان أعضاء بعض الجمعيات المدنية، منها 'أوفياء أوفياء لدماء الشهداء'، و'قرار وطني مستقل، لا أميركا ولا قطر'، فيما رُفعت أعلام تونس وفلسطين والعراق، وأعلام الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى صور كبيرة لمحمد البوعزيزي مُفجر ثورة تونس. وقال صالح زهيري، من حركة النهضة الإسلامية، ل'يونايتد برس إنترناشونال'، إنه جاء الى شارع الحبيب بورقيبة للاحتفال بالذكرى الثانية للثورة، وللتعبير عن دعمه للحكومة لتحقيق أهداف الثورة. ومن جهتها، قالت فاطمة بكور ل'يونايتد برس إنترناشونال'، إنها هنا في شارع الحبيب بورقيبة لإيصال صوتها لصنّاع القرار بأن تونس أصبحت في خطر بعد عام من حُكم حركة النهضة الإسلامية. واعتبرت أن هذه الحكومة التي يقودها حمادي الجبالي، أمين عام حركة النهضة الإسلامية 'قد فشلت، ولم تتمكن من معالجة الملفات الحارقة منها ملف شهداء وجرحى الثورة'. غير أن علي بن صالح الذي اصطحب طفليه إلى شارع الحبيب بورقيبة، فقد قال ليونايتد برس إنترناشونال إنه جاء للتجول فقط، وسط أجواء الحرية، وللإطلاع على 'تهريج الأحزاب السياسية التي مل منها الشعب'. ولم يُسجل خلال هذه المظاهرات أعمال عنف باستثناء بعض الاستفزازات اللفظية بين أنصار هذا الحزب وذاك، على خلفية بعض الشعارات، وتسمية الثورة التونسية، خاصة وأن الاختلاف حول اسم هذه الثورة كان بارزاً، بين من أطلق عليها 'ثورة 14 يناير'، و'ثورة 17 ديسمبر'، و'ثورة الحرية والكرامة'، وصولاً إلى تسميتها ب'ثورة الكتاب المقدّس'، و'ثورة استعادة الهوية الإسلامية'، وغيرها من التسميات. وتقود حركة النهضة الاسلامية الحكومة مع حزبين علمانيين بعد فوزها في اول انتخابات اعقبت الاطاحة بالرئيس السابق اثر احتجاجات اجتماعية. سيدي بوزيد والكاف والقصرين وبن قردان: لم يتغير شيء ويشعر كثير من السكان في سيدي بوزيد والكاف والقصرين وبن قردان وسليانة بأنه لم يتغير شيء وان اوضاعهم الاجتماعية لم تتحسن بينما تفتخر الحكومة بأن مناخا من الحرية والديمقراطية حل محل الدكتاتورية والقمع وهو ما كان سائدا قبل عامين في عهد بن علي. ويقول انيس العمراني (24 عاما) وهو شاب عاطل عن العمل اصيب في عينه اثناء مواجهات مع الامن نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) في سليانة في احتجاجات تطالب بالشغل لاشيء تغير في تونس بعد الثورة.. ليس لدينا وظائف ونحن مهمشون لكن الشرطة تهاجمنا بوحشية وترد على مطالبنا بالرصاص والرش'. وتشهد البلاد بشكل متكرر تحركات اجتماعية كما حدث بداية ديسمبر كانون الاول الماضي في سليانة في الشمال الغربي حيث اصيب 220 شخصا بجروح وأيضا الخميس الماضي في بن قردان في الجنوب حيث احرق الاهالي الغاضبون مركز الشرطة. وارتفعت نسبة البطالة في تونس بعد عامين على سقوط الرئيس السابق الى 17 بالمئة وبلغ عدد العاطلين عن العمل حوالي 850 الفا. ولكن الحكومة تقول ان معدلات النمو قفزت الى 3.4 في المئة عام 2012 مقابل انكماش الاقتصاد بنسبة 2.2 في المئة عام 2011 وان هناك مستثمرين اجانب يريدون انجاز مشاريع في تونس توفر الاف من فرص العمل لكن الاوضاع الامنية الهشة والاحتجاجات المتكررة تعيق تنفيذ المشاريع. وحذر راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التي تقود الحكومة في اجتماع بانصاره يوم الجمعة من ان الاحتجاجات العنيفة التي تجتاح البلاد قد تسقط البلاد في فوضى. وقال 'لا نريد ان تتحول الثورة (التونسية) الى فوضى لا نريد ان تكون تونس مثل الصومال' معتبرا ان اعمال العنف 'لا تشرف الثورة بل على العكس تهددها'. وبرز الغضب على الاوضاع الاقتصادية بشكل واضح حين القى محتجون الحجارة على رئيس الجمهورية ورئيس المجلس التأسيسي بينما كانا يلقيان كلمات في سيدي بوزيد الشهر الماضي. وقال حمة الهمامي زعيم حزب العمال المعارض ان الحكومة الحالية تتبع نفس السياسة الاجتماعية والاقتصادية والامنية للرئيس السابق. وقال 'الاسلوب الامني في التعامل مع المظاهرات والخصوم السياسيين والنقابيين هو نفس سياسات النظام السابق'. وقال نبيل العرعاري وهو من حزب العمال انه تعرض لتعذيب خلال سجنه. وقال بعد يومين من اطلاق سراحه 'هؤلاء الحكام الجدد الذين قضوا نصف عمرهم في السجون ولم ينهوا التعذيب غير قادرين على ايصال البلاد الى شاطئ الامان'. وقالت منظمات حقوقية ان التعذيب تفشى في سجون تونس بعد الثورة. واعترف مسؤولون في الحكومة بوجود حالات تعذيب لكنهم قالوا ان كل من يقوم بالتعذيب او سوء المعاملة يحاسب بالقانون مهما كان منصبه. ويقول مسؤولون في الحكومة الحالية ان حرية التعبير متاحة بشكل غير مسبوق حتى ان نقد رموز الدولة اصبح يحدث بشكل يومي في اغلب وسائل الاعلام المحلية. وقال الرئيس التونسي المنصف المرزوقي 'لقد حققنا...ثورة في العقلية حيث اصبح التونسيون اليوم مواطنين ولم يعودوا يخافون الشرطة ولا السلطة ويتمتعون بحرية التعبير والتظاهر'. لكن صحافيين قالوا ان حرية التعبير اصبحت مهددة في ظل محاكمات لمدونين وفنانين وصحافيين. ويحاكم فنانون من مجموعة زواولة للرسم على الجدران بسبب رسوم على الجدران كما تحاكم المدونة الفة الرياحي بعد ان نشرت فواتير قالت انها تشير الى تورط وزير الخارجية في فساد مالي. ونفى الوزير هذه الاتهامات وقال انها اتهامات لها دوافع سياسية. ومنذ وصول النهضة للحكم احتد الصراع بين العلمانيين والاسلاميين. ويتهم العلمانيون النهضة بالتسامح مع عنف الجماعات الدينية المتشددة بينما يقول السلفيون ان النهضة تراجعت عن وعودها بتطبيق الشريعة وخدعتهم. وتنفي الحركة هذه الاتهامات وتقول ان الحكومة تطبق القانون على الجميع بغض النظر عن انتمائهم. وحذر المرزوقي هذا الاسبوع من ان الصراع بين الاسلاميين والعلمانيين قد يؤدي الى حرب اهلية. واشتبك الشهر الماضي مئات من انصار الحكومة مع نقابيين يساريين في معركة استخدمت فيها السكاكين والعصي وقنابل الغاز في قلب العاصمة مما عزز المخاوف من سقوط البلاد في مرحلة عنف سياسي.