انتقد محمد الكيلاني الأمين العام للحزب الاشتراكي اليساري بشدة حكم الائتلاف الثلاثي الحاكم بقيادة حزب النهضة، وقال إنه لا أمل في قدرة الإسلاميين على تغيير خطابهم وإن اليسار التونسي بمختلف تشكيلاته لن يقدر كذلك على تكوين جبهة سياسية لها القدرة على الإطاحة بالتيارات الإسلامية لأن معظم تلك الأحزاب اليسارية لا تمثل غير «محلات» سياسية محدودة الإشعاع والإمكانات، وهذا ما سيجعل التيارات الإسلامية تعود إلى الساحة بقوة خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة. «الشرق الأوسط» التقت الكيلاني في العاصمة التونسية وطرحت عليه مجموعة من الأسئلة، فكان هذا الحوار: * يبدو أن الكيلاني غير مقتنع بقدرة التيارات الإسلامية على قيادة البلاد في فترة ما بعد الثورة حتى تحول الأمر إلى قناعة، ما هي أهم المؤاخذات التي تراها في حكم الإسلاميين خلال الأشهر القليلة التي حكموا فيها تونس؟ - لدي اعتقاد بأن تونس في وضع السفينة التي تضربها العواصف من كل الاتجاهات، وأن الربان ليست له الدراية الكافية بالملاحة، وأن الحكومة الحالية لا علاقة لها بإدارة الشأن العام وأنها تبحث عن معجزة من أي مكان بغية البقاء أطول مدة ممكنة في سدة الحكم. وأعتقد بأن السلطة التي تقود على عقيدة لا يمكن أن تكون إلا سلطة استبدادية، وهذا الأمر لا يمس العقيدة الدينية فحسب بل كل سلطة تقوم على العقيدة بمفهومها الآيديولوجي. لقد تابعنا الحكم خلال الأشهر الماضية ولم نجد إلى الآن أي نور في آخر النفق، فالاحتجاجات والاعتصامات لا تزال منتشرة بكثرة في كل المناطق وبين جميع الفئات، والحكومة تصم آذانها على كل ما يحدث، والتونسيون لا يفهمون طبيعة ما يحدث. * ولكن الوضع يتجاوز حدود حركة النهضة التي تقود البلاد ولا أحد بإمكانه إيجاد حل سحري لتراكمات سياسية بعضها يعود إلى فترة ما بعد الاستقلال والخيارات الاقتصادية المتخذة من قبل حكومة بورقيبة. - هذا صحيح ولكننا نبحث عن خطاب جديد، ولكن للأسف الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة عجزت عن خلق ذاك الخطاب الذي يجمع التونسيين في هذه الفترة الحرجة. من الواضح أن الساحة السياسية التونسية تعيد إنتاج نفس الأخطاء عبر التشتت السياسي والتنظيمي، وهذا ملحوظ خاصة بين التيارات اليسارية التي لم تنجح في جمع شتاتها وخلق نواة صلبة لقيادة البلاد. إن الوضع السياسي الحالي يفتح شهية التيارات الإسلامية كي تدخل الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة في ظروف مريحة وستكون تبعا لذلك مرتاحة البال. * وهل تعتقد أن حركة النهضة ستعيد الفوز في الانتخابات القادمة على الرغم من الانتقادات المتعددة التي عرفتها خلال المدة التي قادت فيها البلاد؟ - من الصعب الإجابة عن هذا الأمر قبل الأوان، فحقيقة صناديق الاقتراع قد تكذب كل التوقعات، ولا شك أن الانتخابات القادمة ستكون مختلفة تمام الاختلاف عن الانتخابات في 23 أكتوبر (تشرين الأول) من سنة 2011. ولكن الوضع الحالي لبقية الحساسيات السياسية غير مطمئن ولا شك أن التيارات الإسلامية ستستفيد من هذا التشرذم. أعتقد جازما بأن الإسلاميين في معظم ثورات الربيع العربي وخاصة في تونس لم يقوموا بالثورة من أجل إرساء نظام ديمقراطي ينبني على قيم حرية المعتقد واحترام هوية التونسيين وقيم الحداثة والديمقراطية، بل ثاروا من أجل الوصول إلى سدة الحكم. نحن نعلم منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي أن الإسلاميين حاولوا الاستيلاء على الحكم بالقوة من خلال محاولات الانقلاب التي قادوها في 1987. لقد فشلوا في الأمر وكان مشروعهم إقامة نظام إسلامي أسسه استبدادية واستخدموا في ذلك العنف والإرهاب المجتمعي، ولكنهم التجأوا إلى مراجعات أغلبها تكتيكية من أجل قبولهم من المجتمع الدولي، ولكن التركيبة السياسية لتلك القوى لن تختلف بعد الثورة بل إن الأمر وقتي فحسب وسنرى وجههم الحقيقي. * ولكن التيارات الإسلامية اكتسبت مشروعية تاريخية من خلال عشرات الآلاف من المساجين السياسيين الذين قضوا عقودا وراء القضبان. - هذا صحيح ولكن الثورة نجمت عن تراكمات نضالية من مختلف الفئات السياسية في تونس. والواضح أن الإسلاميين من خلال طريقة تنظيمهم والأسس العقائدية التي يرتكزون عليها تجعل منهم قوة سياسية أكثر تنظيما من غيرهم من القوى السياسية، ولكن التيارات اليسارية قبل الثورة هي التي فتحت أبواب التعامل مع التيارات الإسلامية، وهي التي مكنت تلك التيارات الإسلامية من الوصول إلى السلطة بعد الثورة. ولا شك أن مشروع الإسلاميين واحد ولم يتغير طوال فترات وجودهم التاريخي في تونس. أنا ضد ذاك المشروع ولن أتعامل معهم ولن أضع يدي في أيديهم. * تكررت المبادرات السياسية في تونس على غرار مبادرة الباجي قائد السبسي الوزير الأول السابق، كيف تقرأون تلك المبادرات وغيرها من التحالفات السياسية؟ وهل بإمكانها أن تغير الكثير من الخارطة السياسية؟ - أعتقد بأن مبادرة قائد السبسي على الرغم من اختلافنا معها تدافع عن قيم الديمقراطية والحرية، وهو شخص لا يمكن أن يكون إلا في صف النظام الجمهوري، وقائد السبسي لا يمكن أن يكون إلا رجلا حداثيا وتقدميا، وعليه أن يسعى إلى تجميع قيادات من الوزن الثقيل من أجل بعث نواة سياسية صلبة قادرة على إيقاف زحف التيارات الإسلامية. أما بالنسبة لبقية التحالفات فلا يمكن قراءة ثناياها في الوقت الحاضر، فهي لا تزال في المهد. * ولكن مبادرة الباجي قائد السبسي ضمت وجوها من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل (حزب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي)، فهل يؤثر ذلك على مصداقية تلك المبادرة؟ وهل أنت مع دعوات اجتثاث وإقصاء أنصار النظام السابق من المشهد السياسي؟ - أعتبر أننا ضد كل أنواع العقاب الجماعي لأن الجرم فردي ولا بد أن يكون عقابه فرديا. من الضروري طي الصفحة حتى لا نخسر فترة طويلة في مناخ من الحقد والضغائن، ولا بد أن نكشف كل الحقائق حتى نعرف كيف يمكن أن تنقلب الوعود بالديمقراطية إلى نظام استبدادي «أسود». نحن كحزب اشتراكي يساري نعتقد بأن الاجتثاث يخفي عنا ملفات قديمة نحن في انتظار معرفتها بكل مآخذها. *تعليق الصورة: محمد الكيلاني