في كل مرة يتخذ فيها عبد الإله بنكيران، قراراً "لا شعبيًا"، حسب معارضيه، توضع شعبية رئيس الحكومة في ميزان التقييم بالمغرب. فالأمين العام لحزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحاكم) يبحث عن وصفة سحرية تمكنه من المحافظة على شعبيته وشعبية الحزب، والمضي قدماً في الملفات الإصلاحية الكبرى، التي لم تعد تحتمل أي تأخير. الإصلاح أولا ليس هناك اختلاف على ضرورة التعبئة لإنجاز أوراش الإصلاحات الكبرى وتحسين أداء الاقتصاد الوطني، غير أن الإجراءات التي يتخذها رئيس الحكومة تحت مظلة "لا شيء فوق المصلحة العامة"، استهدفت الطبقة الفقيرة والمهمشة، في حين ارتأت عدم "إزعاج" الميسورين. وهو ما جعل المواطن المغربي يرتاب في المنهجية التي يعتمدها رئيس الحكومة في تدبير شؤون البلاد، ومدى التزامه ب "محاربة الفساد"، حسب الوعد الذي قطعه الحزب لناخبيه في الاستحقاقات الأخيرة. لا تراجع عن الإصلاح محمد خيي، النائب البرلماني عن العدالة والتنمية، يؤكد أن الحزب لن يتراجع عن "أوراش الإصلاح"، فإذا تمكنّا من تطبيق الإصلاح والمحافظة على شعبية الحزب فهذا هو المطلوب، ولكن إذا كان ضرورياً أن نغامر بشعبية العدالة والتنمية مقابل إنجاز إصلاح معين فلا يمكننا أن نتراجع عن هذا المسار". وأضاف محمد خيي في تصريح ل"إيلاف": "نتمنى أن لا تؤثر تلك القرارات على شعبية الحزب، وأن يفهم المواطن الغرض منها. فنحن نعتقد بأن هناك بعض الإخلاص والأصل هو أن الناس يظهر لها أن هناك تجردًا وجدية وتفانياً والناس تقدر". ضريبة المسؤولية أكد النائب البرلماني للعدالة والتنمية أن "أي مكون سياسي يتحمل مسؤولية التدبير فهو معرض لأن تتأثر شعبيته. إذ يصعب أن تبقى في منأى عن متغيرات الرأي العام لأنك عندما تتخذ قرارات وتنهج سياسة معينة فأكيد أنها تكون في صالح جهة وليس في صالح جهة أخرى، وعندما تذهب لتسيير الشأن العام فأنت تفترض أن تدخل في هذا السياق. والافتراض بأن الحزب لن يتأثر فهذا افتراض غير عملي". لكن عمليًا، يوضح خيي، "لا يمكن أن يتحدث أحد عن وجود تأثير على شعبية العدالة والتنمية لأنه ليس هناك مؤشر حقيقي على ذلك. فما يسجل حاليًا مجرد انطباعات، والمواطن يقدر بأنك اتخذت قرارات صعبة كان ولابد من اتخاذها لمباشرة مجموعة من الأوراش الإصلاحية، التي ستتضرر منها فئة معينة". وأضاف "نحن لم نأتِ للمحافظة على الشعبية فقط، بل للقيام بالمهام التي صوت لأجلها المغاربة. إذا تفهّموها سيكون ذلك جميلاً، وإذا لم يتفهموا فإننا آنذاك سنناقش.. هل كان المشكل في الإصلاح في حد ذاته، أو في المنهج الذي اتبعناه أو في الظرفية؟ فلا يمكن أن نعطي الأولوية للشعبية وننتظر أو نؤجل الإصلاح". الخطأ القاتل أسباب كثيرة تجعل رئيس الحكومة مطمئناً على شعبيته وشعبية الحزب الذي يقوده. وعلى رأس هذه الأسباب، حسب ما أكده محمد الساسي، أستاذ العلوم السياسية، في تصريح ل"إيلاف"، عدم ارتكاب العدالة والتنمية ذلك الخطأ القاتل، الذي يشكل مشروع انتحار سياسي، رغم أن الحزب قبل بأن يشتغل بمنطق تدبير الأزمة وليس بمنطق الإصلاح". وأضاف محمد الساسي: "الخطأ القاتل لا يعني دائما فعلاً واحدًا، بل يمكن أن يكون تراكماً لمجموعة من الأخطاء تصل إلى درجة تجعل جزءًا كبيرًا من الناخبين ينفضون يدهم عنه"، مبرزًا في الوقت نفسه أن الحزب "راكم، في جميع الأحوال، مجموعة من التناقضات". هذا سبب نجاح الحزب كشف أستاذ العلوم السياسية أن حزب العدالة والتنمية تمكن من الوصول إلى ما وصل إليه من عدد الأصوات بسبب وجود ثلاث حلقات من الناخبين، الأولى إيديولوجية، والثانية خيرية أو إحسانية، والثالثة حلقة وافدة أو طارئة. وقال محمد الساسي إن الحلقة الأولى تضم الناخبين المرتبطين إيديولوجيًا بالحزب، إما لانتمائهم سياسيًا إلى حزب العدالة والتنمية، أو لانتمائهم لحركة التوحيد والإصلاح (الذراع الدعوية للحزب)، مبرزًا أن "هؤلاء الناخبين قارّون نسبياً، ولهم إشعاع ومحيط يؤثرون فيه. فتأثيرهم على ذلك المحيط مرتبط بدينامية الحزب والحركة". أما الحلقة الثانية، فهي "حلقة الناخبين المستفيدين من الخدمات الإنسانية والخيرية للجمعيات التابعة أو القريبة من الحركة الإسلامية، التي تقوم بعمل خيري في قاعدة المجتمع في أكثر من منطقة، وهذه الحلقة أيضاً شبه قارة لأنه لديها علاقة بيولوجية مع العدالة والتنمية بصورة عامة". وأضاف الساسي: "إذا كان هناك ضعف يمكن أن يصيب الحزب فسيكون على مستوى الحلقة الطارئة أو الوافدة. وهذه الحلقة تضم الوافدين الذين لا يقاسمون العدالة والتنمية قناعاته الإيديولوجية وليس لهم أي تماسٍ مع هياكله الإحسانية أو هياكله الإيديولوجية، ومع ذلك قرروا هذه المرة التصويت عليه". لهذا صوت المغاربة لهم يعود قرار التصويت إلى عاملين، الأول، يشرح المحلل المغربي، بسبب الحراك بالمنطقة ككل، مبرزًا أنه "لوحظ في المغرب أيضاً أن هناك رغبة من طرف جزء من الشباب في التغيير، وأن هؤلاء الشباب خرجوا وتظاهروا من أجل التغيير. والشعارات التي رفعوا هي التي يتجاوب معها هؤلاء الناخبون الأعضاء في هذه الحلقة، ولكنهم لم يشاركوا في حركة 20 فبراير، فاعتبروا بأنهم سيشاركون بطريقتهم الخاصة في مفهوم وفلسفة هذه الحركة، التي هدفها هو التغيير، من خلال التصويت على الحزب، الذي اعتبر بالنسبة إليهم بمثابة التصويت على حركة 20 فبراير". وأضاف: "هؤلاء يقبلون، نوعًا ما، الفكرة لكن يتحفظون على الطريقة. يقبلون الشعارات التي رفعتها حركة 20 فبراير في عمومها، لكن يعتبرون أن البوابة التي اختارتها للتعبير عن نفسها، من خلال التظاهر في الشارع، رغم إيجابيتها، قد تنطوي في مدى معين على بعض المخاطر التي تمس بالاستقرار". أما العامل الثاني، يوضح الساسي، فهو الشعور بأنه ليس هناك بديل عن العدالة والتنمية، مشيرًا إلى أنه "عوض أن يقاطعوا الانتخابات بالمرة، أرادوا أن يدعموا الحزب لأنهم يخشون من أن يصبح الشارع هو البديل".