سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الساسي: نخب اليسار مسؤولة عن إفلاسه الأخلاقي والسياسي (3/4) قال إنه بعد موت الحسن الثاني كان بإمكان القوى الوطنية أن تطرح شعار تجديد التعاقد مع الملكية غير أن الفرصة ضاعت
أكد محمد الساسي، القيادي في الحزب الاشتراكي الموحد و الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية، أن المشهد السياسي اليوم يعيش انتكاسة دستورية بعدما عاد إلى التعامل بدستور 2006 وأصبح ينظر إلى دستور 2011 كوعد مستقبلي وكوثيقة تصلح لحالة الطوارئ، إذا ما عاد الحراك الاجتماعي والسياسي إلى عنفوانه. وقال الساسي في هذا الحوار المطول، الذي ننشره في جزأين، إن هناك تخوفا كبيرا لدى عبد الإله بنكيران من إسقاط حكومته، وهو ما سيدفع به إلى القبول بالتسويات على حساب الإصلاح الذي كان شعارا لحملته الانتخابية. وفي الجزء الثاني من الحوار سيتحدث الساسي عن مؤتمر الاتحاد الاشتراكي الأخير وعن أزمة اليسار ودور المثقف المغربي في الحراك السياسي وكذا مآل حركة 20 فبراير. - خلال الأسابيع الأخيرة عُقد مؤتمر الاتحاد الاشتراكي، الذي أثار جدلا حول تدخل أياد أجنبية في هذا المؤتمر. ما تقييمك لهذا المؤتمر؟ أولا، قضية الأيادي الخارجية لم تطرح بالنسبة إلى مؤتمر الاتحاد الاشتراكي وحده، وإنما طرحت أيضا بالنسبة إلى مؤتمر حزب الاستقلال. غير أنه في حالة حزب الاستقلال لم تُعرض على الجمهور العام قرائن أو أدلة ملموسة تبين وجود هذا التدخل، وإن كان هذا لا يعني أن تلك الأيادي غير موجودة. إذ عندما طرحت هذه القضية في حزب الاستقلال طرحت بطريقة مختلفة عما هو الشأن في الاتحاد الاشتراكي. ففي حالة الاتحاد الاشتراكي وجدنا أنفسنا أمام وقائع وقرائن وتصريحات وشهادات من طرف أشخاص وازنين. من جهة أخرى، أعتقد أن هناك حقيقة يتجاهلها الكثيرون، وهذا يتطلب منا الرجوع إلى المؤتمر الخامس لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي انعقد سنة 1989، والذي هيئ له كمؤتمر عادي، لكن القيادة وجدت نفسها أمام قاعدة غير منصاعة، تطالبها بتغيير الخط السياسي الذي سار فيه الحزب، وتواجهها بنقد قاس، ولم يستطع سوى عضو أو عضوين من القيادة الترافع والدفاع عن أطروحتها. لقد فوجئت القيادة بشبه إجماع حصل في المؤتمر، وقد كان تفكيرها كله منصبا على تمرير المؤتمر، وبعد ذلك لها مدبر حكيم. ذاك المؤتمر شكل صدمة بالنسبة إلى القيادة، التي كانت تعتبر أن بإمكانها الاشتغال بنفس الطريقة التي كانت تشتغل بها في الماضي. ومنذ ذلك الحين قررت القيادة في قرارة نفسها ألا تُوجد مجددا أمام مؤتمر شبيه بمؤتمر 1989، حيث ظهرت عارية ومجردة من الأسلحة وغير قادرة على الترافع، وكانت موضوع استنكار وتنديد ونقد شديد من طرف المناضلين والشبيبة والنقابة وغير ذلك. ولولا الدور الذي لعبته شخصية عبد الرحيم بوعبيد لكانت هذه القيادة ستُكنس بكاملها وتعوض بقيادة أخرى. وكان أول قرار اتخذته هو تأخير المؤتمر اثنتي عشرة سنة، من 1989 إلى 2001. في هذه المرحلة غيرت القيادة جميع «الثوابت»، ففي الأحزاب المغربية كل شيء خاضع لمزاج القيادات، ولا وجود للثوابت. إذ كان الاتحاد الاشتراكي في المعارضة فتحول إلى الحكومة، وكان ضد جميع الدساتير فقبل بدستور 1996، وكان يعتبر أن التحالف الطبيعي يكون مع حزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي فتحالف مع التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية. والخلاصة أن خط الحزب غُيِّر بالكامل، ثم بعد ذلك قالت القيادة: تعالوا نعقد المؤتمر. ومن أجل تفادي التجربة المرة لسنة 1989 قامت القيادة بتحضير قاعدة المؤتمرين، كي تعرف من سيكون مؤتمِرا، وتضمن بالتالي أن يكون منضبطا. هذا الضبط الاستباقي للمؤتمر أدى إلى محاولة التحكم، وإلى ممارسة أعمال لا نظامية ترفضها قوانين الحزب وقوانين البلاد والذوق السليم. في مؤتمر 2001 كانت القيادة متضامنة في مواجهة أي خطر، وكانت تقوم بإخفاء التجاوزات والمخالفات والأعمال اللانظامية. لكن في المؤتمر الأخير لم يعد لها نفس التضامن، لأنها لم تعد جهة واحدة، بل جهات متعددة، ومعنى هذا أن كل جهة ستفضح آليات ضبط المؤتمر غير القانونية التي تستعملها الجهات الأخرى، وهذا ما حدث بالضبط. ما وقع في المؤتمر التاسع وقع أيضا في المؤتمرات التي سبقته، لكن تضامن القيادة كان يستره. ما يجب رفضه بشكل مطلق هو الضبط المسبق للمؤتمر، وليس ضبطه لفائدة هذا الطرف أو ذاك، فالمؤتمرات التلقائية للاتحاد الاشتراكي انتهت مع المؤتمر الخامس، وبعد ذلك بدأت المؤتمرات المضبوطة. - إذن أنت تعترف بوجود أياد خارج الأحزاب تقوم بالتدخل في المؤتمرات. لنتصور أنفسنا باحثين، بغض النظر عن العلاقات الجيدة التي تربطني بجميع قياديي الاتحاد. هناك، من جهة، تصريحات مجموعة من قادة الحزب، الذين أقروا بوقوع عدد كبير من التجاوزات الخطيرة جدا. هذه التصريحات كانت من قبل أشخاص لا يمكن أن يطلقوا الكلام على عواهنه، وهم يدركون أثر ذلك الكلام على مستقبل الحزب، الذي قضوا فيه 50 سنة من عمرهم. من جهة ثانية، هناك رسالة الطيب منشد، وهو معروف بمتابعته للشأن التنظيمي بشكل دقيق، وله قدر من الحكمة والتبصر. وهناك أيضا الملف، الذي أنجزته جريدة «المساء»، والذي أثبت وجود نوع من التلاعب الموثق بأدلة ملموسة. ثم هناك شخصية الكاتب الأول الجديد للحزب، وما أثير حوله بخصوص قضية استوزاره. إذ قد قال الكثيرون إن هذا الاستوزار كان صفقة مقابل انتقاله من الدفع نحو التحالف مع العدالة والتنمية إلى نوع من التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة. هذه الرواية موجودة وإن كنا لا ندري صدقيتها ولا نريد أن نصدر أحكاما عليها. إن واقعة استوزار لشكر لا يمكن إخراجها عن الرواية المقدمة بخصوص تزوير مؤتمر الاتحاد الاشتراكي، لأنه، بالنسبة إلى الكثيرين، ربما سهلت جهات معينة لهذا الرجل بالضبط أن يكون في رئاسة الحزب، كنوع من التسوية الهادفة إلى خلق جبهة ضد حزب العدالة والتنمية. هناك أيضا قضية رسائل التهنئة التي تلقاها إدريس لشكر من عدد من العمال والولاة ورجالات الداخلية، ولم نجد، كباحثين، سابقة لهذا الكم من التهاني لرئيس حزب من طرف رجال الإدارة الترابية. ولعلها سابقة من نوعها، وسوف نرى إن كان الأمر سيتكرر مع أحزاب أخرى. فإما أن يفعل رجال الداخلية الأمر ذاته مع جميع الأحزاب فنقول إنهم يمارسون الحياد، وإما أن يخصوا بها حزبا دون آخر، وهذا سيكون خروجا عن الحياد. إنه نفس المعيار الذي نحكم به على رسائل التهنئة الملكية، إذ المفروض أنها رسائل توجه إلى الجميع، ويمكن أن تقدم المديح لبعض الأحزاب، لكن يجب أن ينبني هذا المديح على تقييم أداء بعض الأحزاب وفق معايير موضوعية معترف بها من طرف ساكنة الحقل السياسي مثل النتائج الانتخابية أو شيء من هذا القبيل. هناك من وضع سيناريو، وقال إن هناك جهات في الدولة تدخلت من أجل أن يرأس شباط حزب الاستقلال ولشكر الاتحاد الاشتراكي لبناء جبهة ضد حزب العدالة والتنمية، بالتحالف مع «البام». وبالنسبة إلينا هذه قرائن، لا نستطيع أن نحكم عليها، ونحتاج إلى لجنة تحقيق لكي تثبت صحة هذه المعلومات والقرائن المادية، رغم أن هناك تواترا لهذه المعلومات وليست هناك وسائل نفي ذات قيمة من طرف جهات مستقلة. لكن من الناحية السياسية، يمكن أن أحكم على الأشياء انطلاقا من المسارات المستقبلية، فكلما لاحظت أن لشكر وشباط يتقربان من «البام»، ويُزايدان في طريقة معارضتهما لبنكيران، سأجد شيئا من المصداقية في ذلك السيناريو، الذي أذيع على نطاق واسع، وكلما لاحظت أنهما يبتعدان عن «البام» ويمارسان معارضة بناءة أو مشاركة مسؤولة، سأقول إن هذا السيناريو لم يكن صحيحا. ولكن دعني أقول إن أكثر ما يؤلمني شخصيا ليس أن يكون هناك تدخل في مؤتمرات الأحزاب، لأن إرادة التدخل في الشأن الحزبي موجودة منذ حصل المغرب على استقلاله، ولكن المؤلم هو كيف استجاب الأعضاء في قواعد هذه الأحزاب لتدخلات رجال السلطة. وهذا يعني أن قاعدة الحزب هي في طور التغير، وبالتالي ربما ننتقل من المناضلين إلى الزبناء، وننتقل من أفراد لهم حوافز نضالية إلى أشخاص لهم أهداف فردية يريدون بلوغها فيخشون أن يقع تناقض بينهم وبين أجهزة الداخلية أو بعض الناس المحسوبين على مركز القرار. - انطلاقا من هذا الجدل الدائر حول المؤتمر الأخير لحزب الاتحاد الاشتراكي، هل يمكن تعميم الوضع على اليسار، والقول إن ذلك تجسيد لأزمة اليسار المغربي؟ دائما كنت أقول إن أزمة اليسار في المغرب هي أزمة نخبة وليست أزمة مناضلين، وهي أكبر مما وقع في المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي، فاليسار كان حاملا رئيسيا للمشروع الديمقراطي في مواجهة الدولة، رغم عدم تشبعه أحيانا بالديمقراطية بالدرجة المطلوبة، إلى حد أننا كنا نعتبر، في مرحلة معينة، أن الديمقراطية هي اليسار واليسار هو الديمقراطية، أما القوى الأخرى، مثل الليبراليين، فكانت تختفي خلف الأصالة، وتفترض أن أصالتنا تقتضي أن تحظى المؤسسة الملكية بسمو لا تمسه صناديق الاقتراع، مع التمييز نوعا ما. أما حزب الاستقلال فكان يدافع عن مطالب ديمقراطية في كثير من الأحيان. لقد كان لليسار تأثير شعبي كاسح، وكان قادرا على هزم خصومه انتخابيا في الصناديق، وكان رمزا لثلاثية الحداثة والنزاهة والعدالة. الحداثة: باعتباره ضد البنيات العتيقة والتقليدية، والنزاهة: باعتبار أعضائه وقيادته من ذوي المروءة والمصداقية، والعدالة: لكونه كان الملجأ في حال ما أصاب المواطنين ظلم من النظام. اليسار، إذن، كان يشخص حقيقة السياسة كخدمة عمومية، وأحزاب اليسار كانت أحزابا حقيقية وليست مجازية، فيها نقاش حقيقي وحياة حقيقية، رغم أنه لم تكن هناك آليات ديمقراطية كافية، لأن الثقة كانت تغلب أحيانا على صناديق الاقتراع. لقد كان اليسار يرعى هياكل التأطير المختلفة في المجتمع، وكان هو القوة الدافعة لإنعاش المجتمع المدني، وكان يعمل من أجل التغيير العميق والشامل والجذري، ولم يكن يعتبر أن هذا التغيير هو ضد مصلحة النخبة الحزبية. أما اليوم فأصبحت نخب كثيرة من اليسار تعتبر أن التغيير الجذري في البلاد وتعزيز المسار في اتجاه الديمقراطية والإصلاح يمكن أن يتعارض مع مصالحها. لقد دفعت الأزمة اليسار إلى التحول في مرحلة من المراحل، فأصبح يعتبر أن وجود اليسار في الحكومة هو الديمقراطية، وأن الإصلاح هو مجرد المشاركة، وأن المشاركة هي المقاعد بأي ثمن، أيا كان الأشخاص الذين يشغلونها، ومن ثم فُتح الباب للأعيان المتحدرين من الأحزاب الإدارية، والذين سُمح لهم بتبييض تاريخهم. ما الذي وقع لليسار إذن؟ أخلى الساحة، ووهنت صلاته بالشعب، وترك للآخرين قيادة المعارك، واصطف إلى جانب الأطراف التي كان يعتبرها ضد مصلحة الشعب، واستعمل وسائل اليمين المخزني، وجلب الأعيان الذين كان يعلم أن طرقهم في التأثير الانتخابي لا أخلاقية ولا نزيهة، فحصل نوع من الإفلاس الأخلاقي التاريخي لهذا اليسار. وأنا أقصد هنا بالأساس اليسار التقليدي المشكل من الأحزاب، التي شاركت في مرحلة أساسية في الحكومة، وأدى ذلك إلى انهيار مجموعة من المنظمات الجماهيرية التي كانت مرتبطة باليسار، الذي انتهى به الأمر إلى أن يقبل بتأجيل الإصلاح المؤسسي العميق، تاركا للزمن ولأريحية الحكم أن يسمح بتحقيقه يوما ما، فانتهى به الأمر إلى قبول غير مشروط بالمشاركة في نوع من الحكومة الائتلافية الدائمة في المغرب، التي لم يعد لها مذاق. والخلاصة أن نخب اليسار تسببت في نوع من الإفلاس السياسي والأخلاقي لليسار. - أزمة اليسار في المغرب إذن هي أزمة نخبة. النخب هي التي تسببت في الأزمة، وهناك جزء كبير من المناضلين إما غادروا هذا اليسار التقليدي أو توجهوا إلى المجتمع المدني ليشتغلوا على ملفات حيوية للمواطنين، أو أنشؤوا هياكل أو تيارات فكرية، فتبدد رأس المال البشري لليسار، وقد عوضت النخب هؤلاء المناضلين بأناس جدد وفدوا إلى هذه الأحزاب، بينهم «مساعدو» الأعيان، الذين تم ترشيحهم تحت راية أحزاب اليسار، وهؤلاء النشطاء مرتبطون شخصيا بالأعيان، وتم «تبطيقهم»، وكان لهذا انعكاس. ليس من السهل أن يغيب عنا أن مساوئ الحقل الانتخابي الرسمي انتقلت إلى الأحزاب التي كانت أحزابا حقيقية، إذ أن الوسائل المستعملة داخل الحزب أصبحت وسائل شبيهة بالتي تستعمل داخل الحقل الانتخابي الرسمي، من خلال التأثير على الناخبين بوسائل المال والإغراء، وهذا الشيء أثر على اليسار. نحن في مرحلة تنهدم فيها أبنية، لكننا لا نشاهد بناء شيء جديد، وكل ما أمامنا هو حركة 20 فبراير، التي خلقت الأمل في إمكانية بناء شيء جديد، وبكل بساطة يطرح السؤال التالي: هل يمكن إصلاح الأحزاب؟ لقد كنت دائما أنادي بنوع من الثورات الداخلية التي تمكن من إصلاح أحزاب اليسار من الداخل، والآن يمكن أن نشكك في جدوى هذا الإصلاح من الداخل، ونعتبر بأن الآن يجب أن نعيد البناء. هناك أبنية تتهدم ويجب أن نبني شيئا جديدا، وهنا يجب أن تلتقي الطاقات وتلتقي الإرادات والقوى التي لم يتم استدراجها إلى المنظومة المخزنية، أي الطاقات التي تقول بالاختيار الثالث، فلا هي مع الأصولية ولا هي مع السلطوية المخزنية المتدثرة بثوب جديد. من المؤلم اليوم أن ننتقد بنكيران، لكن عندما يكون مواطن، لم يتلق مالا ولم يمارس عليه ضغط ولا أي شيء، ويكون بكامل وعيه في مخدع التصويت.. هذا المواطن يجب ألا نجعله أمام خيارين: إما أن يصوت على العدالة والتنمية أو يقاطع. بالنسبة إلينا يجب أن يكون هناك خيار ثالث، بالإضافة إلى خياري «البام» والعدالة والتنمية، ونحن نحترم من اختار العدالة والتنمية. هنا تجب الإشارة إلى أن أحزاب اليسار، في جزء كبير منها، أصبحت مع الخيار الأول، لماذا؟ لأنها حتى إن لم تتقرب من «البام» فإن الفكرة الأساسية التي تروج لها هي في خدمة «البام». كما أن المشروع الذي تخدمه هو في خدمة «البام». فهي تتحدث عن جبهة خلف الملك للتحديث والحداثة، لكن قضايا الحداثة السياسية بمفهومها العميق تتجاهلها. المعارضة ناقصة تجامل القمع، وتجامل مؤسسات التحكم، ولا تطرح ملفات أساسية مثل «تي جي في» وقضية «سي دي جي»، وأنا أهنئ بوانو على طرحه ملف «سي دي جي». هل نحن في حاجة إلى عرض سياسي جديد؟ نحن في حاجة إلى بناء شيء جديد في هذه البلاد، إلى قوة تخلق التوازن مع حزب العدالة والتنمية، لكن ليس التوازن التصفوي. نحن لا نريد أن نصفي العدالة والتنمية، أي أن نعتدي على حقوقه أو نزايد عليه أو نزكي مشاريع تصفيته لأنه فقط حزب العدالة والتنمية، وله خط سياسي معين نعتبره يمينيا محافظا يتدثر بثوب الهوية ويطرحها بشكل غير سليم في نظرنا. يجب أن تكون هناك قوة حداثية مستقلة عن إستراتيجية المخزن، من جهة، ومستقلة عن الإستراتيجية الأصولية المنغلقة، من جهة أخرى. هذه القوة الحداثية يجب أن ترفع شعار الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة كما نادت بذلك حركة 20 فبراير، وأن تعتبر بأن المرحلة السياسية الراهنة في منطقتنا كلها، المغاربية والعربية، (وهذا تحديد جغرافي وليس عرقيا) دخلت زمنا سياسيًا جديداً يجب أن يفضي إلى الانتقال الديمقراطي. يُبذل اليوم مجهود مهم للارتقاء بتحالف اليسار الديمقراطي، الذي يضم ثلاثة أحزاب يسارية. ويجب أن يندمج هذا المسار في مسار لتجميع الطاقات القاعدية المستوعبة لمتطلبات اللحظة والموجودة في أحزاب يسارية أخرى وفي المجتمع المدني وحركة 20 فبراير، وعدد من العناصر الأكاديمية المفكرة والكتاب والمثقفين ونشطاء الحركة الأمازيغية، وخلق مسار مشترك لصنع البديل اليساري التقدمي الديمقراطي المتعدد والمنفتح والقادر على تجاوز أخطاء الماضي.