قبيل شهرين أو أقل من موعد إجراء أول انتخابات تشريعية بعد إقرار الدستور الجديد، تسارع الأحزاب السياسية المغربية، بمختلف أطيافها، إلى عقد تحالفات استباقية للظفر بكرسي رئاسة الحكومة. على هذا النحو، تصير التحالفات الحزبية «ضرورة سياسية» تمليها حسابات الانتخابات وتقاسم الكعكة الحكومية، التي تبدو هذه المرة غير واضحة المعالم في ظل تبلور أقطاب حزبية لها مكانتها داخل المشهد الحزبي المغربي. مع ذلك، تبقى هذه التحالفات هشة، ولا تخضع لمنطق المرجعيات الإيديولوجية والبرامج الانتخابية، كما يذهب إلى ذلك إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية بجامعة القاضي عياض. حزب الأصالة والمعاصرة، الذي كان محط انتقادات واسعة من بعض الأحزاب السياسية، قرر، في خطوة فهمت على أنها تحضير لعقد تحالف انتخابي، الدخول في تنسيق مع كل من التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري. ولئن كانت بعض التحليلات تقر بأنه بإمكان «تحالف أحزاب اليمين» أن يضمن له مقعدا مريحا بعد الاستحقاقات التشريعية، فإن موجة ما أصبح يسمى ب«الربيع العربي» وتصاعد احتجاجات الشارع المغربي على «الوافد الجديد» قد غير الكثير من معطيات الخريطة السياسية المغربية. وسيكون من الخطأ، بحسب بعض المحللين، أن يقود البام أغلبية حكومية لأن من شأن ذلك أن «يؤجج غضب الشارع وسيدخل المغرب في أزمة سياسية حقيقية». غير أن مخاض ولادة هذا التحالف لم ولن يسلم من بعض التوترات، لاسيما وأن قيادات من داخل الأحزاب المتحالفة مع حزب الأصالة والمعاصرة كانت قد عبرت عن احتجاجها على هذه الخطوة، مثلما حدث داخل أحد اجتماعات المكتب التنفيذي لحزب التجمع الوطني للأحرار حين ألفى مزوار نفسه أمام أعضاء قياديين رفضوا صيغة التنسيق أو التحالف مع حزب البام. امحند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، الذي ظل في كل خرجاته الإعلامية يدافع عن أهمية هذا التحالف، اضطر في لحظة ما إلى تدبيج بيان ناري للتعبير عن تمسكه بالتحالف الرباعي بعد نشر مقالات صحفية تشير إلى أن قياديا بارزا في حزب الحركة الشعبية قاد، في الأسابيع الماضية، محاولات جادة لبناء تحالف مع أحزاب الاستقلال والعدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، بعيدا عن التحالف «الرباعي». وقد حاول القيادي في حزب «السنبلة»، حسب بعض المصادر، دفع قيادة حزب المحجوبي أحرضان في اتجاه التحالف مع من أسماها «الأحزاب الجادة الخارجة من رحم الحركة الوطنية»، لكن دون أن ينجح في مسعاه، في ظل المقاومة الشديدة التي أبدتها أقلية داخل المكتب السياسي وامحند العنصر، الأمين العام للحزب، على وجه الخصوص، لتفضيلهم التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري. حمى التحالفات بدت وكأنها في الآونة الأخيرة تدق أبواب حزب العدالة والتنمية، الذي تقول بعض المصادر إنه استشعر خطورة التحالف الذي عقده خصمه اللدود، حزب الأصالة والمعاصرة. وطفا على السطح وجود مشاورات بين قيادات حزبية تمثل أحزاب الكتلة الديمقراطية، في مقدمتها حزب الاستقلال، وحزب إخوان بنكيران، إذ يبدو أن هذه الأحزاب تحضر على نار هادئة، وبمنأى عن الأضواء، تحالفا حزبيا جديدا لقيادة الحكومة القادمة يتكون، أساسا، من أحزاب الكتلة الديمقراطية (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية) وحزب العدالة والتنمية، وبعيدا عن أحزاب التحالف الرباعي (الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية). وحسب مصادر حزبية، فإن تحركات سياسية تجري لبحث إمكانية التحالف بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية ل25 نونبر المقبل لتشكيل الحكومة الجديدة، مشيرة إلى أن هناك اتصالات جارية، ونقاشا مفتوحا حاليا بين قيادتي حزبي المهدي بنبركة وعبد الكريم الخطيب، تسير في هذا الاتجاه. فيما كون حزب علال الفاسي لجنة تضطلع بمهمة إجراء الحوار مع إخوان بنكيران لبحث سبل التحالف والتنسيق بينهما. وتوقعت بعض المصادر أن يقود تحالف الكتلة والعدالة والتنمية الحكومة المقبلة، باعتباره تحالفا وازنا «يمكن أن يشد الشارع»، بفضل أذرعه النقابية ومنظماته الموازية، وكذا بالنظر إلى أن مرحلة تنزيل الدستور تقتضي مثل هذا التحالف، فيما يتوقَّع أن تصطف أحزاب التحالف الرباعي، بقيادة «البام» في المعارضة. وحسب المصادر ذاتها، فإن التحالف بين الاتحاد الاشتراكي و«البام»، من جهة، وبين هذا الأخير والعدالة والتنمية، من جهة أخرى، غير ممكن، بالنظر إلى أن إخوان بنكيران ورفاق الراضي لا يمكن أن يغامروا بالتحالف مع رفاق الهمة في المرحلة الحالية. وكان عادل بنحمزة، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، قد صرح في وقت سابق ل«المساء»، بأنه ليس هناك، إلى حد الساعة، أي قرار سياسي للتحالف بين حزبه والعدالة والتنمية، بيد أن القيادي الاستقلالي أشار إلى وجود تصريحات وتحليلات لقياديين في الحزبين بخصوص إمكانية التحالف، بالنظر إلى التقاطعات الكثيرة الموجودة، معتبرا أن التحالف بين الحزبين يبقى في الوقت الراهن غير ممكن ومُؤجَّلا إلى ما بعد الانتخابات، بالنظر إلى موقع الحزبين حاليا بين الأغلبية والمعارضة. واعتبر بنحمزة أن المرحلة الانتقالية استنفدت مهمتها وأن الانتقال الديمقراطي تحقق، وهو ما يقتضي اليوم فرزا واضحا للأقطاب السياسية، مضيفا، «لا أتصور خمس سنوات أخرى من التحالف مع الأحزاب الأخرى التي تسمى ليبرالية، والتي لم تتمكن من إيجاد الإطار الحزبي لإخراجها من ماضيها الليبرالي». ولم تخف قيادات من حزب العدالة والتنمية وجود مثل هذه المشاورات مع بعض القيادات الحزبية، حيث أكد عزيز الرباح، عضو الأمانة العامة للعدالة والتنمية، وجود محاولات فردية ولقاءات واتصالات في هذا الصدد، لكنها لم تتحول بعد إلى اتصالات رسمية، وأوضح الرباح أن الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، التقى، في مناسبات، عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي وأجرى اتصالات بهذا الصدد مع العديد من القيادات، بيد أنه، إلى حد الآن، لم تتبلور أي أرضية لقطب جديد يضمّ الكتلة والعدالة والتنمية، مشيرا إلى أن حزبه على استعداد لمناقشة أرضية تشكيل هذا القطب في حال عرضها عليه. حزب الاتحاد الاشتراكي، دخل، بتعبير عبد الهادي خيرات، القيادي في الحزب في مرحلة تأمل سياسي لقراءة المشهد السياسي بتأن حتى يتسنى للحزب عقد تحالفات منطقية على أسس متينة، ولم يستبعد القيادي في حزب «بنبركة» التحالف مع حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية إذا توافقت برامجهما مع برامج حزبه. لكن رفاق الراضي يبدو أنهم حنوا إلى زمن اليسار، واتجهوا صوب لملمة مكونات اليسار لتشكيل قطب قيل عنه إنه سيرتكز على أرضية سياسية تنهل من ثقافة اليسار. مثل هذا التحالف جعل من محمد بوبكري، القيادي المثير للجدل في حزب الاتحاد الاشتراكي، يقول في تصريح ل«المساء» إن الحديث عن قطب يساري هو حديث يفتقد لأي معنى لأن الحزب الذي سيقوده لا يمت بأي صلة للقناعات اليسارية، بالفعل هناك مناضلون داخل حزب الاتحاد الاشتراكي يؤمنون بالأرضية الاشتراكية لكن الزعامات ليست كذلك تماما». بوبكري، الذي عبر غير ما مرة عن غضبه من سياسة زعامة الاتحاد يرى أن التعويل على التحالف مع أحزاب الكتلة الديمقراطية هو من قبيل المزايدات الانتخابية لأن هذه الكتلة ليس لها أي امتداد في الشارع بل حتى قياداتها ضد فكرة الكتلة من أصلها». وبعيدا عن سجالات السياسيين وتهافت القيادات الحزبية للبحث لها عن موطئ قدم في خريطة سياسية تتسم بنوع من «السوريالية»، يرى إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية بجامعة القاضي عياض أن «أزمة التحالفات الحزبية ليست إلا نتيجة طبيعية للاختلالات التي يعرفها المشهد الحزبي المغربي» معتبرا أن «انعكاس أزمة الفاعل السياسي على طبيعة التحالفات أدى في نهاية المطاف إلى تبلور تحالفات غير طبيعية مبنية على أسس غير سليمة، منها ما يرتبط بالإغراءات ومنها ما يرتبط بالولاءات. لكن إدريس لكريني يؤكد أن التقاطبات السياسية بدت الآن واضحة أكثر من أي وقت مضى، إذ بدأت معالم تحالفات تلوح في الأفق وتتمثل بالأساس في التحالف الرباعي الذي يقوده البام، وقطب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال، وتحالف أحزاب اليسار، مبرزا في الأخير أن الكتلة الديمقراطية هو تحالف افتراضي تمليه بواعث انتخابية محضة، غير أن لكريني دعى إلى النظر إلى المشهد السياسي بشكل شمولي واستحضار هاجس الحراك الاجتماعي الذي يشهده المغرب على كافة المستويات.