أثار قرار العدل والإحسان الإسلامية "وقف خروجها ضمن مسيرات حركة 20 فبراير"، مواقفاً متباينة تتوزع بين "اعتباره رسالة تحية إلى الحكومة الجديدة"، التي يقودها عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية، وبين من يرى فيه بأنه إعلان عن "بحث الجماعة عن فضاء جديد"، في إطار الحراك الاجتماعي الذي يعرفه المغرب. ورغم أن قياديي الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية المبكرة تلقوا القرار بارتياح كبير، واعتبروا أنه ناتج عن التطورات الأخيرة التي عرفتها المملكة، ومنها الأجواء الشفافة التي مرت فيها الانتخابات، إلا أن حسن بناجح، مدير مكتب الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، وعضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة، قال إن "الحكومة، مهما كان من يقودها، فإنها لا يمكن أن تفعل شيئًا في ظل الشروط الموجودة حاليًا"، مشيرا إلى أن "لا شيء سيتغير، لأن التحضيرات والمقاربات تظهر بأن الذي يحكم ليس الحكومة". وأوضح حسن بناجح، في تصريح ل "إيلاف"، أن "الجماعة شاركت، في حركة 20 فبراير، بجزء من قوتها من خلال شباب العدل والإحسان، في حين أن 80% من مجهوداتها استمرت في مجالات أخرى". وأرجع القيادي في الجماعة الانسحاب من 20 فبراير إلى أمرين اثنين، الأول يتمثل في كون أن "السقف الذي كان محددا منذ البداية، ألا وهو إسقاط الفساد والاستبداد، لم يتم الانضباط إليه من قبل أطراف أخرى، التي أرادت أن تضع حدود وسدود، ما يعني أن الحركة إذا استمرت فإنها ستستمر فقط لامتصاص الغضب الشعبي". أما السبب الثاني فيتجلى، حسب القيادي ذاته، في "كون أن الجميع كان مقتنعا أن تكون الحركة مفتوحة في وجه جميع التيارات، ويكون هناك تعايش فيما بينها عبر العمل المشترك، دون أن يفرض على 20 فبراير لون إيديولوجي معين، غير أن الذي حصل هو أننا سجلنا إصرارا على أن تصبغ الحركة بلون إيديولوجي.. وصبرنا على أمل أن تتغير الأمور، إلا أن ذلك لم يتحقق". وذكر أن الحركة وصلت إلى مستوى جرى من خلال تحقيق العديد من الأشياء، حتى ولو كانت جزئية، مضيفًا "تحملنا لمدة 10 أشهر في سبيل تحقيق العمل المشترك، إلا أننا رأينا بأن المواقف تزيد إصرارا فاتخذنا قرار الانسحاب". هذه "الهدية" التي قدمتها الجماعة إلى حكومة عبد الإله بنكيران، حسب ما يراه ناشطون في "حركة 20 فبراير"، علق عليها سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني للعدالة والتنمية، بالقول "هذا القرار ناتج عن التطورات الأخيرة التي اعتمدها المغرب بعد الانتخابات، التي أظهرت أن هناك إمكانية للمضي في الإصلاحات، التي رغم أنها لن ترضي جميع الأطراف وستوجه لها انتقادات، إلا أنها تشكل خطوة نحو الأمام". وأوضح سعد الدين العثماني، في تصريح ل "إيلاف"، أن "فوز العدالة والتنمية في الانتخابات أظهر أن الأمور تغيرت، وأن هناك عمل يقوم به مختلف الشرفاء في هذا البلد"، واصفا القرار الذي اتخذته الجماعة بأنه "مرحلة توقف للتأمل في هذه النتائج". وأضاف القيادي في العدالة والتنمية "أظن أن الجواب الحقيقي على الإشكالات المطروحة هو تعميق الإصلاحات التي ستضعنا أمام واقع جديد". 3 أسباب وراء الانسحاب المفاجئ تحدث منار السلمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط، في تصريح ل "إيلاف"، عن وجود ثلاثة سيناريوهات محتملة تتحكم في اتخاذ العدل والإحسان قرار الانسحاب من حركة 20 فبراير. وذكر منار السلمي أن السيناريو الأول يتمثل في تواتر مجموعة من المعلومات التي تشير إلى أن الدولة دخلت في حوار مع الجماعة عن طرق أحد المستشارين، مبرزًا أن هذا الحوار، الذي كانت 20 فبراير مهيئة له، تطرق إلى نقطتين، الأولى تهم إمكانية منح هدنة في الشارع للحكومة الجديدة، أما الثانية فتتعلق بالمدى المتوسط، وتتجلى في النقاش حول إمكانية التحول إلى حزب سياسي. أما السيناريو الثاني فيرتبط، حسب المحلل السياسي المغربي، بالحديث "عن المرض المفاجئ لمؤسس الجماعة، عبد السلام ياسين، ما جعل قياديي العدل والإحسان يعتكفون للبحث في مسألة من يخلف زعيم الجماعة"، موضحا أن "الأولوية في النقاش داخل العدل والإحسان تعطى حاليا لهذا الموضوع". وبالنسبة للسيناريو الثالث فيهم "إفراغ الجماعة للشارع في انتظار أن توجه الأنظار إلى العدالة والتنمية، كحكومة، وأن لا تستمر في وضع رجل فيها وأخرى في الشارع"، مضيفا أن "العدل والإحسان يمكن أن تعود، على المدى المتوسط، بشكل أقوى، بعد الانتشار داخل الطبقات الشعبية، التي كانت تؤطرها حركة التوحيد والإصلاح، وبالتالي الرجوع بحركة أقوى من 20 فبراير". وجاء في بيان للجماعة، نشرته على موقعها الإلكتروني، حركة الفبراريون "حفلت بمن جعل كل همه كبح جماح الشباب، أو بث الإشاعات وتسميم الأجواء، أو الإصرار على فرض سقف معين لهذا الحراك وتسييجه بالاشتراطات التي تخرجه من دور الضغط في اتجاه التغيير الحقيقي إلى عامل تنفيس عن الغضب الشعبي، أو تحويله إلى وسيلة لتصفية حسابات ضيقة مع خصوم وهميين، أو محاولة صبغ هذا الحراك بلون إيديولوجي أو سياسي ضدا على هوية الشعب المغربي المسلم في تناقض واضح مع ما يميز حركة الشارع في كل الدول العربية".