اتجهت الحكومة الموريتانية أمس الأربعاء نحو تلطيف الأجواء الداخلية التي عرفت توترا كبيرا في الأيام الأخيرة، حيث استأنف الوزير الأول الموريتاني مولاي محمد الأغظف مشاوراته مع أحزاب المعارضة الجادة، فيما أطلق الأمن سراح ناشطين من حزب التكتل المعارض كانا قد أوقفا على خلفية الاحتجاجات الأخيرة. كما أفرج الأمن الموريتاني عن محمدن ولد الداه إمام جامع خالد بن الوليد الذي كان قد أوقف ضمن التحقيقات في حادثة تدنيس المصحف الشريف من طرف مجهولين. وتنضاف لهذه الإجراءات، التهدئة الملاحظة في عمليات استهداف الإسلاميين حيث سمحت الحكومة بإعادة فتح مراكز صحية وتعليمية محسوبة على تنظيم الإخوان، فيما احتفظت بسريان القرار المتعلق بحل جمعية المستقبل التي تعتبر محليا، الذراع الدعوي والخيري لجماعة الإخوان، وهي الجمعية التي يرأسها الشيخ محمد الحسن ولد الددو المصنف على أنه المرشد العام للجماعة. وفي السياق التهديئي نفسه للساحة، تعهد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز في مقابلة مع مجموعة من كبار معتدلي علماء البلد ‘بحماية المقدسات وإنزال أقصى العقوبة بكل مجرم يقترف جرائم تمس مقدسات الشعب'. هذا ورافق هذه الإجراءات سعي حكومي واضح لضبط الإذاعات والتلفزيونات المستقلة التي تعتقد الحكومة أنها أساءت استخدام الحرية الإعلامية في تغطيتها للأحداث الأخيرة، كما خرجت عن هوامش دفاتر الالتزامات وساهم بعضها في التحريض على التظاهر وافتقد الدقة والمهنية. وكان رئيس الوزراء الموريتاني ولد محمد الأغظف قد تشاور أمس حول انتخابات رئاسية توافقية، مع كل من صالح ولد حننه رئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني وحاميدو كان بابا رئيس حزب الحركة من أجل التأسيس، وهما حزبان منضويان في منسقية المعارضة الجادة. وأكد ولد حننه في تصريح صحافي ‘أن الوزير الأول الموريتاني عبر له عن رغبة حكومته وحرصها على تنظيم انتخابات توافقية تخرج البلاد من أزمتها'. وأوضح حننه ‘أنه أكد لرئيس الوزراء أن السبيل الوحيد لحل الأزمات هو الحوار الذي تتبناه منسقية المعارضة بشرط أن يكون الاستعداد له قائما وجديا من طرف النظام وبشرط توفر الإرادة الصادقة والجادة من طرف الحكومة'. وأكد حننه ‘أي حوار جاد وحقيقي ينبغي أن يكون مع المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة بخاصة ومع المعارضة بعامة'. وفيما تتفاعل هذه الاتصالات أكدت السلطة العليا للصحافة المكتوبة والسمعيات البصرية في بيان ذكر به رئيسها حمود ولد امحمد أمس ‘أن تغطية وسائل الإعلام الخاصة للأحداث الأخيرة شابت بعضها نواقص وتجاوزات بلغت حد التحريض والشحن العاطفي والنفسي بدل الدقة في الخبر والعدل في القول'. وأوضحت السلطة ‘انها ستتحمل مسؤوليتها بهذا الصدد باتخاذ ما هو مناسب اتجاه المؤسسات الإعلامية التي أخلت بالتزامات التعاقدية وذلك وفقا للقانون ولما هو منصوص في دفاتر الشروط'. وضمن ما تشهده موريتانيا حاليا من حراك متعدد الأوجه، أعلنت شخصيات موريتانية مرجعية أمس عن تأسيس منبر تحت مسمى ‘موريتانيون من أجل المستقبل'. وحذر المنبر في بيانه التأسيسي مما أسماه ‘نذرا مفزعة تتراكم في سماء موريتانيا العزيزة، ومن أخطرها الاحتكاك العرقي والقبلي والجهوي، والشعور بالتهميش والغبن والظلم الذي يدفع من حين لآخر مختلف الفئات الاجتماعية إلى التذمر والتنابز والقلق الرهيب من المستقبل المجهول'. وأكد البيان ‘أن الوضع الذي تمر به موريتانيا، وضع قابل الانفجار والخروج عن السيطرة في أي حين؛ لضعف مؤسسات الدولة، وانعدام الرؤى المستقبلية لدى الحكام، واستشراء الفساد في تدبير الشأن العام، وغياب العدالة في توزيع الثروة والمصالح، وهي أمور يؤدي استمرار التغاضي عنها وعدم معالجتها بشجاعة وحزم إلى تعرض كيان الدولة الموريتانية لأخطار لا تبقي ولا تذر، ولا تستثني أحدا مهما كان موقعه، إذا طفح الكيل'. وأكد المنبر أنه سيعمل من أجل'قيام موريتانيا التي تنبذ العنف والتكفير والعنصرية والعبودية والفئوية والجهوية والقبلية والشللية والإقصاء والتسلط، موريتانيا المتصالحة مع ذاتها، المتشبثة بهويتها الحضارية الإسلامية العربية الإفريقية وبتنوعها الثقافي الثري'.