"لم أصدق أن ابني جلول هو الناجي الوحيد من تحطم الطائرة العسكرية بأم البواقي"، عبارة رددها كثيرا السيد نمير عيسى والد العسكري الوحيد الذي كتبت له حياة ثانية، بعد أن كان في عداد ضحايا الطائرة التي تحطمت بجبل الفرطاس قبل دقائق من وصولها إلى مطار قسنطينة العسكري. بلغ عدد ضحايا الطائرة المنكوبة من ولاية الشلف 13 مجندا، تم دفن 10 منهم، بينما يبقى اثنان مازالا في عداد المفقودين، والناجي الوحيد هو جلول نمير البالغ من العمر 21 سنة. وقد قامت "الخبر"، أمس، بزيارة إلى بيت عائلة الضحية المتواجد بمنطقة سيدي عيسى ببلدية تاوڤريت التي تبعد بنحو 55 كلم عن مقر ولاية الشلف. وصلنا بعد نحو ساعتين من السير وسط طرق مهترئة إلى منطقة سيدي عيسى النائية التي تعاني من اهتراء الطرق والمسالك الترابية بها. ولحسن الحظ التقينا بأحد جيران العائلة المنكوبة، حيث دلّنا إلى البيت المتواضع لعائلة نمير، ووجدنا شقيق جلول الأوسط. ورغم أنه أبكم، إلا أنه رحّب بنا بطريقته وقادنا إلى المنزل، حيث وجدنا الوالد عيسى متكئا على الحائط قرب مدخل منزله وهو شارد الذهن رفقة ابن أخيه الذي يؤنسه في وحدته بعد هذه المصيبة التي حلت به، حيث بادرنا بالتحية ودعانا إلى دخول إلى منزله دون أن يسألنا عن هويتنا، حيث انزاح عنه الشعور بالوحدة وقد فرح أكثر عندما علم أننا من "الخبر"، وكانت ملامح الحزن والدهشة مازالت مرسومة على محيا الرجل الذي نزل عليه خبر سقوط الطائرة كالصاعقة، لأنه كان يعلم أن فلذة كبده جلول كان من بين ركابها بعد أن أخبره قبل فترة قصيرة من موعد إقلاعها، لكن بعد يوم من الحادثة تناقلت وسائل الإعلام خبر نجاة أحد العسكريين، وكانت المفاجأة أن ابنه جلول هو من نجا بأعجوبة وقام بزيارته بعد اليوم الموالي بمستسشفى قسنطينة العسكري حيث يلقى الرعاية الطبية المكثفة. ويوجد جلول في غرفة الإنعاش وهو في غيبوبة، إلا أن قلبه ورئتاه يعملان بانتظام، مما بعث الأمل في نفوس أفراد عائلته المفجوعة، وأن يعيش في هذه الحياة مرة أخرى. وكان جلول قد التحق في صائفة العام الماضي بصفوف الجيش الوطني الشعبي بعد أن توقف عن الدراسة في الطور الإكمالي، وكان يحلم بالتجنيد في صفوف الجيش منذ صغره، على غرار شقيقه الأكبر علي 28 سنة الذي يوجد في إحدى الثكنات بولاية ورڤلة، حيث زار في شهر ديسمبر الماضي العائلة قبل أن تحل هذه الفاجعة. ولم يسبق لجلول أن ركب الطائرة إلا هذه المرة عندما تم تحويله إلى إحدى الثكنات العسكرية بولاية جيجل، قبل أن تتوقف مسيرته في جبل الفرطاس بولاية أم البواقي. ويروي شقيقه عبد القادر بلغة الإشارة أن جلول الذي زاره في المستشفى العسكري منذ يومين يتحسن حاله، وهو مصاب على مستوى الأطراف، خاصة الرجلين واليدين التي ضمدت بالجبس، كما توجد جروح بسيطة على مستوى الجهة اليسرى من الوجه ولفافة في أعلى رأسه وتلازمه حاليا والدته وشقيقه علي بالمستشفى، حيث مكنتهما القيادة العسكرية من الإقامة بالقرب من المستشفى للاطمئنان على الابن جلول الذي لم يفتح عينيه بعد، رغم أن وظائفه الحيوية تشتغل بصفة عادية. ويروى أحد شهود العيان لوالد الناجي أن جلول عندما سقطت الطائرة عثر عليه بعيدا عن الحطام بعدة أمتار وهو واقفا على رجليه من شدة الصدمة، قبل أن يغمى عليه ويتم إسعافه من طرف فرق الإنقاذ التي سارعت إلى موقع الحادث حينها.