من حق كل مواطن أن يخاف على أمن وطنه وليس من حقه أن يخاف منه، فالوطن أكبر من الأشخاص، والصراع حول العهدة الرابعة ومن يخلف الرئيس بوتفليقة طبيعي باعتبار أننا لم نكرس تقاليد التداول على الحكم خارج المؤسسة العسكرية. إن حرية الصحافة تعني احترام الرأي والرأي الآخر والذين يشوّهون صورة الجنرال محمد مدين المدعو توفيق أو عمار سعداني الأمين العام لجبهة التحرير الوطني هم الذين جعلوا الجزائر أمام الرأي العربي والدولي "مجرد دبابة وجنرال" لأن الصراع بين السياسي والعسكري الذي ظهر في مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 لم يكن نقمة على الثورة بل كان نعمة، لكن البعض يحاول اليوم تحويله إلى نقمة على الديمقراطية، فالصحافة أشهرت سيوفا وعصا ضد المختلفين على حب الجزائر لأن أصحابها لم يشعروا يوما بأن لذة الحياة هي الصراع بين الخير والشر وليس بين الكذب والتضليل أو الإشاعة والتسريبات، وهي المفردات التي تنتمي إلى قاموس واحد وهو عدم احترام الرأي والرأي الآخر. سعداني والجنرال؟ كسر عمار سعداني تقليدا سياسيا في الجزائر وهو الهمس في الأذن أثناء الحديث عن أصحاب القرار ووضع حدا للحديث الذي كان يجري في الغرف المغلقة، البعض اعتبر ما قاله "انتحارا سياسيا" والبعض الآخر وصفه ب"قنبلة هيروشيما في الجزائر" والأغلبية التزموا الصمت في انتظار أن تتجلى الرؤية، لكن أصحاب "التخلاط" تحركوا باتجاه تشويه شرف المتحدث والمتحدث عنه. قال البعض إن ما قاله سعداني هو "بنت أذنه" والبعض الآخر لمح إلى أنه يتحدث باسم محيط الرئيس في حين اعتقد الكثير أن جناحا في المؤسسة العسكرية يدعمه، والحقيقة الأولى التي تجنبها الكثير هي أن سعداني قام ب"حرب استباقية" ضد من يريدون اختطاف جبهة التحرير بعد أن حاولوا اختطاف "الرئاسة"، فالذين يرفضون العهدة الرابعة هم مجموعة "من عائلة واحدة"، أما من يساندون العهدة فيرون أنها "شر لا بد منه" لسد الطريق أمامهم، والحقيقة الثانية أنه لا يوجد صراع بين المؤسسة العسكرية والرئاسة وإنما بين أجنحة في كليهما. لا أحد يستطيع أن يمس سعداني بعد أن حصن نفسه بعبارة "أناضل من أجل الفصل بين السلطات من أجل دولة مدنية، وأقول إن حصل لي مكروه فالمسؤول هو توفيق"، لكن لا أحد يستطيع أن يتهم جهة دون غيرها في حماية وتأمين الرئيس بوضياف أو النقابي عبد الحق بن حمودة أو رهبان تيبحيرين أو الصحافيين والمثقفين والباحثين والجامعيين الذين اغتيلوا أو المنشآت النفطية أو موظفي الأممالمتحدة أو قصر الحكومة أو الرئيس بوتفليقة، لأن أمن البلاد يتحمّل مسؤوليته الجميع بمن فيهم المواطن هو الآخر. المطلوب الشفافية لا التعتيم؟ ماذا يعني أن ترفض وزارة الداخلية إصدار بيان بأسماء المترشحين الذين سحبوا استماراتهم من مخازنها، وهل مهمة وزير الداخلية فقط أن ينفي سحب بوتفليقة استمارة الترشح بالرغم من أن الأحزاب المساندة له تقدمت إلى هذه المخازن وسحب بعضها الاستمارات؟ يقول البعض إن أصحاب القرار يريدون تشجيع "الأوزان الثقيلة" من حجم مولود حمروش وأحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم على الترشح حتى إذا تراجع الرئيس عن ترشّحه يجدون من يزكونه؟ ويقول آخرون إن الصراع بين دعاة العهدة الرابعة والمعارضين لها على حافة الانفجار بالرغم من أن ما صرح به عمار سعداني ليس له علاقة بهذا الصراع، فالرجل أراد حماية حزبه من الانفجار لأن السلطة في الجزائر أصبحت على وشك الانهيار بسبب المستوى المتدني لخطابها السياسي، فالذي يقول "إن الله يراقبنا بنظارات" ولا يفرق بين الشعر والقرآن ويقول أنه "انتهى وقت قال الله قال الرسول"، يريد أن يكون خليفة لبوتفليقة بدعم ممن ادعت "أن الركوع لله إهانة" بعد أن أزيح عن وزارة التربية من كان يقول "كما قال الله". إن تهافت المترشحين على سحب الاستمارات وغياب الشفافية لدى وزارة الداخلية يكشف عن وجود ما تخفيه هذه الوزارة عن الرأي العام، فالدستور الجزائري لعام 2008 في مادته 73 حدد ثمانية شروط منها أن يكون عمر المترشح 40 سنة (وليس عاما) كاملة يوم الانتخاب على أن يتمتع بكامل حقوقه المدنية والسياسية ويحمل الجنسية الجزائرية الأصلية، ولم يستثن الأمي والجاهل والمعوق لغويا أو جسديا من الوصول إلى قصر المرادية، وحتى قانون الانتخابات الصادر في 12 جانفي 2012 لم يمنع ذوي العاهات من الترشح، ففي مادته 139 يضع 14 شرطا منها جمع 600 توقيع من منتخبي 25 ولاية أو 60 ألف توقيع في مدة أقصاها 45 يوما دون منع المعوقين (لغويا، علميا، ثقافيا، أخلاقيا، جسديا) من الترشح، ومع ذلك فإن الأسماء التي تداولتها بعض وسائل الإعلام لا تتوفر على الشروط المذكورة في القانون. يبدو أن المجلس الدستوري أدرك أخيرا أنه من الصعب مراقبة التوقيعات يدويا، فطالب المترشحين بتحميلها على قرص "مضغوط" حتى تسهل مهمة أعضائه، وأبلغ المعنيين بالأمر بأن موعد تسليم الملفات يحدد مسبقا قبل 48 ساعة بينما كانت وزارة الداخلية فاتحة أبوابها للجميع دون احترام منصب الرئيس؟ "الشروق" الجزائرية